أحدث الأخبار
الثلاثاء 03 كانون أول/ديسمبر 2024
لمحات من تاريخ النقب!!
بقلم : زهير ابن عياد* ... 07.01.2012

كان النقب على سعته مسرحا للقبائل البدوية العربية ، تجول فيه شرقا وغربا كيفما شاءت ، ولم يكن محط انظار العثمانين الا عقب سنة 1869 حينما فتحت قناة السويس ، وابرز القبائل آنذاك الترابين غربي بئر السبع ، التياها شرقا والعزازمة جنوبا ، تحدث المؤرخين وبعض اصحاب البعثات عن سطوة تلك القبائل ، والشغب والفوضى الذي تثيره في الآفاق ،ووصولها بعمليات السلب والنهب الى القدس والمناطق الشمالية مما سبب حرجا للعثمانين بتذمر السواح والحجاج والتجار والقناصل البريطانيين والفرنسيين، علاوة على استهداف غزة الدائم ، كل هذه مؤشرات تدل على استيطان البدو القديم للمنطقة وان اليد الطولى لهم في منطقة حيوية تقع على مفترق تجاري ضخم وقد ذكرهم stevnz بأنهم اسياد الصحراء هنا ، وأسهب bele في ابراز الدور الحقيقي لبدو النقب ، ومما ذكره ان الشيخ عزام الهزيل شيخ التياها ، شكل اتحادا قويا بين قبائل النقب لمجابهة قبيلة بني عطية التي تحركت من شرقي الاردن نحو النقب بحثا عن المراعي ، وبعد رفض الأخيرين تأدية ضريبة الحماية ليسمح لهم بالرعي ، طردهم حتى توصلوا لإتفاق يقضي بأن يكون وادي العربة حدا فاصلا بينهم ، تحكم بدو النقب وفي ظل غياب أي سلطة تردعهم في نواحي النقب كلها خاصة الطرق الرئيسية الواقعة بين شرقي الاردن والنقب وسيناء وطريق مصر الحجاز والطريق الواصلة بين مركز سيناء ( سانتا كاترين ) والبتراء والعقبة بالأردن ، وطبعا جنوا الارباح الوفيرة جراء ذلك سواء من فرض الاتاوات والضرائب أو العمل كمرشدين ومرافقين مقابل أجر او فرض رسوم الحماية وتأجير الجمال وأحايين نهب القوافل نفسها ... والتاريخ يحدثنا عن التياها وسطوتهم في هذا المجال فمثلا ذكر في ارشيف دولة اسرائيل عن تقرير القنصل البريطاني بتاريخ 27 تشرين أول (اوكتوبر ) 1865 تقريرا يفصل فيه سطوة التياها وبراعتهم في التحكم بطرق الصحراء ، مما حدا بالدول الكبرى ان تجري بعض الاتصالات معهم طلبا للحماية ففي رسالة اخرى للقنصل البريطاني لسلمان الهزيل شيخ التياها في ( 7 آب 1865 ) اعلمه بوصول بعثه من السواح البريطانيين للتجول في منطقة بئر السبع وطلب اليه حمايتهم من سطوة البدو ...
بدو النقب كان لهم علاقات متفرعة وشبكة اتصالات كبيرة حتى ان الحرب البنانية بين القيسية واليمنية وصلت مؤثراتها لبدو النقب فتذبذب بعضهم هنا وهناك ، فيذكر jems في مؤلفه البدو ان التياها والجبارات انحازوا لليمن المتمثل في حلف أبو غوش ضد القيسيين بقيادة عثمان اللحام واحلافه من شرقي الأردن العدوان ، بل وتعدت جرأة بدو النقب لانشغال العثمانيين عنهم بالتوجه 1853 نحو غور الأردن للتدخل في حروب العدوان الداخلية كما يذكر fiin ،حاول العثمانيون بشتى السبل استرضاء بدو النقب لإكتفاء شرهم فعملوا تارة على ضرب القبائل ببعضها او استعمال القوة معهم والترهيب والمطاردة كخطوات تأديبية وتارة بفرض الضرائب واحيان يستميلوهم بالمحاباة والتودد واخر تلك المحاولات محاولة تجميع البدو للحد من تنقلهم فيذكر balmr ان العثمانيون حاولوا توطين البدو في تجمعات سكنية بدلا من الخيام المتنقلة ، وارسلت لذلك طليعة مكونة من 15 جنديا قتلوا جميعا حال نزولهم في منطقة التياها ، ذلك ان البدو من عاشقي حياة الحرية والتنقل وتغلب عليهم الانفة من السلطة والقوانين التي لا توفر لهم ما توفره اعمال السلب والنهب والغزو ، فلذلك غالبا ما تفشل محاولات تأطير البدو ودمجهم في الحياة المدنية المؤسساتية ...
عن بدايات اهتمام العثمانيون بالنقب عندما أدركوا ان سمعتهم كدولة قوية تأتي من خلال ضبط الاطراف وحماية الفلاحين والمزازعين من بطش البدو يقول فريدريك فيك في تاريخ شرقي الاردن وقبائلها ، أن السعيديين في النقب كانوا يهاجمون عجلون مما حدا بالعثمانيين لإنشاء مراكز ادارة فئ عجلون لمتابعة تحركات بدو النقب ، وعن الترابين يحتج القنصل البريطاني على هجوم نفذوه في رابعة النهار على معلم في الاسقفية الانجليزية الواقعة في القدس ونهبهم منه 1500 فياستر ، ولم يستطع حاكم القدس رفيق باشا من ملاحقتهم واستمر الترابين في غزوتهم تلك واجتاحوا يافا والرملة والعثمانيون منشغلين بحربهم مع الروس...لكن التدخل الفعلي والقوي للعثمانين اتى في النقب عقب الحرب التي يذكرها العارف وكوندر وكانت بين العزازمة والترابين وانقسمت الأقوام على اثرها ، والمعروف تقهقر العزازمة وهزيمتهم ، وانظر الى أهمية البدو في تلك المعرفن وادراكهم للامور ، فقد ذهب شيخ العزازمة الى استنبول ليشتكي الترابين ، الامر الذي استغلته السلطات احسن استغلال فعمدت الى ارسال كتيبة قوية لتاديب الترابين وانتقاما لمقتل 15 جنديا على يد التياها وفعلا استطاعت هذه الكتيبة ضبط الأمور لهنيهه من الزمن او حتى 1890 ... إذ يطالعنا مؤرخان وهما شقير وبيتر بخبرين يدلان على تحرك القبائل بحرية هنا ، اولهما ان قوة من قبائل النقب هاجمت الحويطات في صحراء سيناء ، بل انهم قتلوا مجموعه من المهندسين الذين جاءوا لترسيم الحدود بين مصر وسوريا ظانين انهم من الحويطات ... والحدث الاخر هو حديث فلندرس بيتر نفسه قائلا " وقعت قبل أيام معركة بيت الترابين والعزازمة في موقع يسمى النجيله كانت حصيلتها ثمانية قتلى خمسة مى قبيلة وثلاثة من قبيلة ولا بد ان القبيلة الخاسرة برجلين ستنتقم لرجليها مستقبلا فهذه البلاد لن تعرف الهدوء الا اذا اعيد هؤلاء ( الهمج ) الى الصحراء التي خرجوا منها ، وإذا وجدت قوة لحراسة الحدود والدفاع عن البلاد " ...
حاول العثمانيون ردع البدو بشتى السبل حتى توصلوا لحل عمراني يتمثل في بناء مدينة بئر السبع 1900 وجعل الحاميات فيها وحفر الابار واشراك بدو النقب في عمليات البناء والتعمير لأجل جذب البدو للاستقرار والتوطين ، فقاموا بعدة تنظيمات ادارية من أجل محاولة اخضاع البدو وضبط شؤونهم ترافق ذلك مع عدة وسائل فيذكر balmr ان العثمانيون جهدوا كل الجهد لتوطين البدو فشكلوا وحدة خاصة تعمل على مصادرة قطعان البدو وبيعها للفلاحين بمزاد علني في القدس باسعار زهيدة ورمزية ، بل فتحوا المجال للبدو للاستيطاة في بئر السبع ومجانا بخلاف الفلاحين والاجانب ، وفعلا وعقب بناء المسجد ومدرسة لاولاد الشيوخ نجحوا في استقطاب الشيوخ قواد المعارك والغزوات ، واشركوهم في الحياة العملية في المدينه ودعوهم لكل احتفال او مناسبة ليكسروا روتينية ونمطيته التي ما فتأ يحن لها من جديد رغم أفول نجم البداوة على مشارف القرن 19 بمفهومها القديم ...
ومن محاولات ردع العثمانيون للبدو كانت الارض ، وبنفس النمطية تقريبا يتكرر الامر مع السلطات الاسرائيلية تجاه البدو ، فموضوع الملكية الخاصة لم يكن معروفا لدى البدو فالارض عند البدو تمثل المرعى فقط والمراعي ارض مشاع عموما للقبيلة وحلفاءها ، وليست لفرد ذاته ، فكان ان سنت السلطات العثمانية قانون الاراضي الذي هدفت من خلاله لضبط ملكية الاراضي باسم المالكين دون غيرهم لتنظم عملية جباية الضرائب ، خاف البدو هذا القانون لتبعاته وعبئه سواء بالضرائب او اتخاذ الحكومة له كوسيلة لتجنيد ابناءهم للجيش او الخوف من دفع رسوم الطابو الكوشان والذي قيمته على ما يذكر عبد العزيز في كتابه الادارة العثمانيه 5% على كل صاحب أرض ان يدفع للسلطات من قيمة ارضه ومقابل التسجيل عليه دفع ثلاثة قروش عثمانية ثمن الطابع ..تحايل البدو على هذا القانون فقاموا بتسجيل اراضيهم باسماء أشخاص ذوي نفوذ وحظوة عند السلطات .. ومن القانون ايضا ان الأرض التي لا تفلح ثلاث سنوات تنزع من اصحابها وتتحول الى الميري اي للدولة وتؤجرها لمن تشاء ...ومن ذلك ان الدولة العثمانية قامت بتحويل اراضي تل عراد الى جفتلك وصادرتها نتيجة الحرب التي دارت رحاها بين قبيلة الظلام واهل يطة 1900- 1912 ...
يذكر العارف والذي عايش القوم واطلع على اخبارهم ان بدو النقب تعاملوا باحتقار شديد مع قانون تسجيل الاراضي وامتلاك طابو وثيقة ملكية ، وتجاهلوه تماما ورفضوا تأدية الضرائب او دفع مستحقات للحكومة كما رفضوا تسجيل الاراضي واستهانوا بقول" بأن صك الطابو اقوى من اي سلاح في ايديهم " ...
هذه لمحات من تاريخ النقب كمحطة اقليمية مهمه شهدت احداث عديدة ومتفاوته ، وغدت محط انظار الدول العظمى ، واللاعب الرئيسي هم اجدادنا بدو النقب الذين يوصمون اليوم بالغزاه وكأن مجيئهم لهذه البلاد لا يتعدى العشر سنين ، وقف بدو النقب في وجه تدفق الاقوام للنقب وحموه وصانوه من ان يتزاحم فيه انواع واجناس ، الحلقات المقبلة ستفصل بالمزيد وتتناول احاديث الشيبان حول الاحتلال المصري للنقب والتضييق على البدو بواسطة ابراهيم باشا وعلاقات بدو النقب مع غزة وبدو الشمال...
بعض المصادر :
سواعد ، محمد . البدو في فلسطين الحقبة العثمانية .
ارشيف الدولة الاسرائيلية ..
شقير ، نعوم . تاريخ سيناء الحديث وجغرافيتها .
العارف ، عارف . تاريخ بئر السبع وقبائلها .
العارف ، عارف . القضاء بين البدو .
عبد العزير ، محمد . الادارة العثمانية .
فيل فريدريك . تاريخ شرقي الاردن وقبائلها
طال هيلاهك . تخطيط وتطور مدينة بئر السبع .
baily , c ." the negev in the nineteenth century reconstructing
From bedouins oral traditions " ..
Brener , f . Travels in the holy land ..
Conder , c.r, tent work in palestine ...
Finn , j . Byeways in palestine ...
Maoz ,m. Ottoman reform in syria and palestine ..
palmer . Desert of exodus
P.e.f مجلة

*كاتب من النقب
1