أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
خبر عاجل: نـ(ـكـ)(ـقـ)ـبـة بث مُباشر !!
بقلم : أنس أبو دعابس ... 21.02.2013

كشباب نقرأ ونسمع قصص التاريخ، وتلاقينا مستغربين "كيف سمحوا لهم ؟!" .. أكبر هذه الأمثلة هي القضية الفلسطينية.. بس بما أننا نشاهد التغييرات التاريخية في عالمنا العربي قدام أعيننا، يمكن هذه فرصة نصحصح شوية ونعطي الأمور الكبيرة حجمها..
طبعاً بتسألني ليش بحكي لك كل هذا وأنت ما شاء الله مُلم باللي بصير .. بقولك يا سيدي .. أنت سمعت بقضية النقب؟
اطمن انت مُش لوحدك ما بتعرف .. أعرّفك ع السريع بكل حاجة ..
النقب هو منطقة جنوب فلسطين .. مُثلّث طابعه صحراوي .. جنوبه عند العقبة الأردنية و"أم الرشراش" (إيلات) إمتداد لسيناء المصرية .. شرقُه مدينة الخليل والضفة الغربية .. غربُه غزّة والقطاع .. النّقب كما غيره تعرّض للنكبة وفيها كانت بعض المجازر والأكثر – تهجير لسكانه اللي قُدّروا حينها بسبعين ألف ليصبحوا 11 ألف بس ! البقيّة هُجّروا إلى كل مناطق الجوار وهم اليوم تحت مُسمّى "سبعاويّة" نسبة لمدينة "بئر السبع" الأكبر في المنطقة.
بعد سيطرتها ع النقب ، اللي يمثّل 60% من البلاد من حيث المساحة (13 مليون دونم)، ركّزت إسرائيل من 1948 على التعامل مع هذه المنطقة الإستراتيجية بسياسة مُحكمة:
بداية حاولت الدولة الصهيونية إنها تعزل سُكان النقب عن امتدادهم العربي وحتى الفلسطيني .. فأطلقت عليهم مُسمى "البدو" مستعملة معهم كما كُل فلسطينيي الداخل مبدأ تجزأت الأقلية العربية في إسرائيل إلى قطاعات وتفرعات .. حتى صدّقت كذبتها بأن الفلسطيني بالنقب لا يتبع للفلسطيني بالمُثلث أو الجليل أو سائر المناطق الفلسطينية.
هذه التسمية استعملتها اسرائيل لحتى تصنع أكذوبة أكبر حول طبيعة حياة ساكني النقب من فجر التاريخ.. وهي تدّعي كاذبة أن "البدو" هم رُحّل .. لذا فلا أرض لهم! بينما أجدادنا (أطال الله في أعمارهم) ما زالوا شاهدين على حفاظ العشائر البدوية على أراضيها مع الحفاظ على نمط حياة يعتمد على رعاية الأغنام وزراعة الأرض. فلو كان حسب إدعاءات إسرائيل لما كانت الشواهد كالبيوت القديمة ، مدارس البنين، الحُكم دار ولا "مسجد بئر السبع الكبير" القائم إلى اليوم (لكنه مغلق، فبدلاً من الصلاة فيه متحف صهيوني!).
بعدها بدأ المُخطط التهويدي للنقب بالعمل على الأرض. فكونت إسرائيل جغرافيا منطقة سمّتها "السياغ" .. وفكرتها كانت واضحة: قطع التواصل العربي الفلسطيني ما بين غزة والضفة الغربية.. إيش عملت؟ أقرّت على طريق "يافا-بئر السبع" التاريخيّة وهجّرت كُل العرب بينها وبين غزة!
الخطوة التالية كانت تجمّع أكبر عدد من السُكان على أصغر بقعة من الأرض .. كيف؟ .. في السبعينات أعلنت الدولة اليهودية عن 7 بلدات مُخصصة لبدو النقب وقامت مؤسسات الدولة بالضغط على السكان للانتقال لها.. أكبر هذه البلدات مدينة "رهط" – ثاني أكبر مدينة عربية بالداخل الفلسطيني .. وعدت بأن يكون حال هذه البلدات أفضل من باقي التجمعات السكنية البدوية، اللي رفضت إسرائيل الإعتراف فيها وسمتها "القرى غير المعترف بها" .. عددها اليوم 45 قرية وهي إلى يومنا هذا تفقد أسس المقومات الحياتية – فلا ماء ، ولا كهرباء ، لا خدمات مجاري ولا عيادات صحية ، الشوارع لا تصلها ، ولا توجد مدارس لأطفالها... هذه إسرائيل "الديمقراطية" عام 2013 ..
بالمقابل .. لحتى يكمل مخطط التهويد جلبت إسرائيل اليهود إلى هذه المنطقة التي لا يعرفونها بالطرق الثلاث التالية: قُرى زراعيّة لا يتجاوز سكانها المئات أو العشرات مُستغلين أكبر حجم من الأراضي لأقل عدد من اليهود .. قرى ابتلعت داخلها أراضي العشائر البدوية التي كانت ترعاها وتزرعها .. النوع الثاني كان بإقامة بلدات صهيونيّة ذات طابع متواضع للمهاجرين الجدد من روسيا ودول الشرق، بغية "التعبئة" على الجبهة الديمغرافية التي رأت بها إسرائيل خطر .. أما النوع الثالث فكان بإقامة بلدان هي الأعلى بمستوى المعيشة على مستوى إسرائيل بكل مجالاتها الإقتصادية والإجتماعية..
كُل هذا المخطط بطبيعة الحال جعل من المجتمع العربي الفلسطيني بالنقب الأعلى في معدلات البطالة ، الأكثر فقراً نظراً للتضييق على مصدر معيشتهم الأساسي بالزراعة.. إضافة لتدني المستوى التعليمي، ارتفاع مستويات العُنف وانخفاض الوعي للهوية كون سُكانه يرتكزون على التخطيط للحصول على لقمة العيش وقطرة الماء التي لا تصل للبيت ! ولم نتحدث عن تغيير قصري لنمط الحياة البدوي إلى مدني خلال جيل واحد فقط!
تحت كُل هذه الأكاذيب الصهيونية وتحت إدعاء "تخلّف" المجتمع البدوي (الذي أنتجته بنفسها).. بدأت إسرائيل في بدايات سنوات الـ 2000 بالمرحلة الأكثر خطورة في سلسلة همجيتها .. خُطط ولجان وقوانين متتالية بغية تشريع السرقة الكبرى للأرض والإنسان .. آخر هذه المخططات هو "مخطط برافر" العُنصري .. إيش بقول؟ من كُل النقب تبقى للعرب فيه 5% فقط ، ويطالب بلجانه بما يسميه "المساومة" على 2%.. يعني مصادرة مئات آلاف الدونمات .. يعني يا صاحبي – 30 ألف فلسطيني مُهجّر بنكبة جديدة!
كيف هذه بصير .. "ببساطة" ، قصدي بهمجيّة .. من الطراز الفاخر.. ففي السنوات الأخيرة زادت وتيرة هدم بيوت السكان في قُرى النقب .. والأمر ما وقّف عند البشر .. فصارت إسرائيل تبيد المزروعات وتحرث المحاصيل وحتى تصادر المراعي من فلسطينيي النقب ! وأكبر مثال على هذه الهمجية المُلائمة للعصابات هي قرية "العراقيب" في شمال النقب اللي تعرّضت للهدم 46 مرة خلال بضع سنوات .. تخيّل يا صاحبي الوقاحة .. هُم يهدموا وأهل القرية يعيدوا البناء.. ترجع الجرافات تهدم وأيادي السُكان تبني .. ستة وأربيعين مرة!
ممكن برضو تسألني "ليش الآن"؟!
أقول لك يا صاحبي.. في كُل السنوات الأخيرة أكبر ضائقة إقتصادية تمر بإسرائيل هي أزمة السكن، الأمر الذي يفرض على إسرائيل "استغلال" المساحة الواسعة في النقب بدلاً عن المركز المُكتظ والبلدان الكبيرة غالية الأسعار .. من جملة هذا إقامة مدينة للجنود في النقب ، ليكونوا قريبين من أكبر المعسكرات والمناطق العسكرية التي وزعتها إسرائيل في الجنوب. هذا كله يقتضي "حل مشكلتها مع بدو النقب" بأسرع وقت. وهؤلاء – ولله الحمد – زاد عزمهم على التصدي القوي لمحاولات نزع الأرض منهم ووعيهم لهويتهم ورفع مستوى تواصلهم العربي الفلسطيني في الداخل والخارج، كل هذا في استغلال السُبل الحديثة المتوفرة.
خُلاصة الحديث يا صاحبي.. بالنّقب هُناك ربع مليون فلسطيني يعيشون أحنك الظروف ويشكّلون معركة الأرض الحالية أمام المخططات الإسرائيلية.. هؤلاء رغم كُل الظروف يناضلون بكُل قواهم على ما تبقى من وجودهم على أرضهم، وهذا بالتواجد الجماهيري وحراك الشباب المُتصدي للنهج العُنصري. هذا نضال فلسطيني وعربي كامل ، فكُل من ينادي بالعدل وكل من يرى نفسه داعماً للحق الفلسطيني عليه أن لا يفرّق بين بيت يُهدم في قرية "بير هدّاج" بالنقب وبين آخر في القُدس..
لا تجعل نكبة النقب "نقبة" جديدة يُسائلك عنها أحفادك!

1