لم تقف المخططات الإسرائيلية لاقتلاع من تبقى من سكان منطقة النقب – جنوبي البلاد – عند حدّ هدم منازلهم، واجتثاث قراهم عن بكرة ابيها، أو مصادرة أرضهم وابادة محاصيلهم الزراعية، حيث تسعى الى تضييق الخناق عليهم، لسلب ما تبقى من أرضهم التي بلغت مساحتها عام 1948 نحو 12 مليون دونم، ولم يبق منها سوى مليون واحد.
ولا تعترف السلطات الإسرائيلية ببضع وخمسون قرية يسكنها سكان بدو محليون في النّقب، وهي قرى تدّكها المعاول ليل نهار، يمنع سكانها من بناء المنازل، ولا تلزم شركات الخدمات بتزويدهم بأدنى مقومات الحياة كالماء والكهرباء.
ويحاول سكّان المنطقة الذين يبلغ تعدادهم نحو مائتي الف نسمة، التأقلم مع الوضع الراهن، مفضلين العيش في قراهم غير المعترف بها على رغد العيش في تجمعات اقامتها إسرائيل بهدف محاصرتهم وسلب أرضهم، بيد أن السلطات الإسرائيلية ما زالت تلاحقهم في لقمة عيشهم، وتفرض عليهم الضرائب الباهظة، وتستغل حاجتهم للماء على وجه الخصوص لتنفيذ مخططاتها التهويدية والتهجيرية.
ورفضت المحكمة العليا الإسرائيلية في 5/11/2014، التماسًا قدّمته جمعية " عدالة" الحقوقية في الدّاخل الفلسطيني، لتوحيد ثمن المياه والمساواة في تسديد فواتيره بين القرى غير المعترف بها في النّقب وغيرها من البلدات الإسرائيلية الأخرى في المنطقة.
وحاولت المحكمة ممارسة بعض اشكال المراوغة، حيث ادعى القضاة أن على سكان القرى غير المعترف بها أن يثبتوا وجود تمييز بالدليل القاطع المشفوع بالوثائق، رافضين مساءلة شركة المياه الإسرائيلية أو مطالبتها بكشف وثائق من شانها أن تدعم موقف السّكان العرب.
ويشار الى أن المحكمة ذاتها كانت رفضت قبل سنوات دعوى قضائية تطالب شركة المياه بمدّ شبكات للقرى العربية في النّقب، زاعمة " أنها ليست صاحبة الاختصاص بالأمر".
*مخطط تهجيري
واشتكى سكان القرى غير المعترف بها، نتيجة ما قالوا انه مخطط تهجيري بشكل مختلف، حيث تفرض شركة المياه الإسرائيلية مبالغة طائلة على العرب، وتحملهم على دفع تكاليف مضاعفة لأسعار المياه الاعتيادية المعروفة التي يدفعها غيرهم من سكان المدن والقرى التعاونية الإسرائيلية المجاورة.
يقول فريد نايف من سكان قرية " القرين" إن " القرى غير المعترف بها تشكو العطش وشح مصادر المياه"، مشيرًا الى أن المؤسسة الإسرائيلية " تحاول استغلال النقص الحاد بالمياه واستخدامه كمعول تهجير آخر، من خلال فرض التكاليف غير المعقولة على السّكان، ما يسهم في التضييق عليهم أكثر، وبالتالي اضرارهم الى مغادرة المكان".
وأضاف لـ" فلسطينيو48" :" هناك استغلال واضح للظروف المأساوية التي تحيط بنا، فنحن ندفع اموالًا طائلة لقاء ما نحصل عليه من مياه، نقوم بمد شبكاتها بأنفسنا والاعناء بها".
ويتحدث نايف عن تفاصيل مروّعه ومخططات عنصرية وصفها بغير الإنسانية، مشيرًا الى أن " شركة المياه الإسرائيلية تنصب عدادات المياه التي تصل الى معسكرات الجيش والمدن اليهودية على تخوم القرى العربية، ليقوم العرب بمد شبكاته خاصة بهم بأنفسهم، دون أن تكلّف الشركة نفسها عناء العمل والصيانة، ولكنها على الجهة المقابل تحصّل من الأهالي ثمن المياه وفوقه ثمن مد خطوط تبدو وهمية واعمال صيانة لا تقوم بها".
وأشار الناشط الشبابي الى أن ثمن كوب الماء في القرى غير المعترف بها في النقب في اغلب الأحيان يصل الى 8.3 شيكل دون الحصول على أي ميزات، وهو أزيد بنحو شيكل واحد عن البلدات الإسرائيلية التي تتلقى ميزات الصيانة ومد الخطوط، ولكن " في أحيان كثيرة نسدد ثمن الكوب الواحد نحو 22 شيكل".
وكانت شركة المياه زعمت أن المياه التي تزوّد بها قرى النقب، هي مياه زراعية وغالية الثمن.
وتحمّل الشركة سكان قرى النقب المسؤولية عادة عن أي تسرّب طارئ للمياه سواء كان ذلك لخلل في الانبوب الرئيس، او الانابيب المتفرعة عنه، ما ينتج عنه معاقبتهم بدفع ثمن باهظ، علمّا أن المياه قد تقطع عن القرى في حال أصيبت الشبكة بأي خلل لعدّة أيام، اذا وقع الخلل خلال الأعياد الإسرائيلية أو العطلة الرسمية.
ولعّل الأنكى في القضية والأشد، هو استغلال السلطات الإسرائيلية لآبار المياه العربية التي كان يستعملها سكان النقب، لتزويد المدن الإسرائيلية ومعسكرات الجيش بشكل عام بأسعار ملائمة، بينما يحرم أصحابها من تلقيها بشكل رسمي، وتضاعف عليهم اثمانها، وفق شهود عيان ووثائق ينشرها فلسطينيو48.
*عقاب جماعي
ويقول نايف إن " السلطات الإسرائيلية تفرض العقاب الجماعي على سكان القرية في حال، رفض أحد السكان تسديد الثمن الباهظ للمياه اعتراضًا على العنصرية"، مشيرًا الى ان شركة المياه تعامل النّاس على أنهم كتلة واحدة، " ولا تجد حرجًا في أخذ المواطنين جميعًا بخطأ أحدهم".
بدوره، قال الناشط الشابي في النقب أحمد أبو شحيطة إن " إسرائيل تسعى من خلال مضاعفة ثمن المياه الى مضاعفة الضغط على سكان قرى النقب بغية ترحيلهم".
وأشار الى أن " السلطات الإسرائيلي تستغل حاجة المواطنين العرب للماء، لتذبحهم بالأسعار من الوريد الى الوريد".
وقال :" هي باختصار تضعنا أمام خيارين فقط، فإما العطش أو الرحيل".
بدورها، عقّبت المحامي سوسن زهر من مركز عدالة على الموضوع بالقول :" من المؤسف أن تفضّل المحكمة عدم التدخّل بهذا الغبن والتمييز الذي يمارس بحق أهالي القرى غير المعترف بها، وألا تأمر سلطة المياه بتخفيض أسعار المياه لهم خاصةً وأن المحكمة ذاتها قد رفضت في السابق التماسًا لأهالي القرى غير المعترف بها يطالبون فيه بربط بيوتهم بشبكة المياه. فقد كان بوسع المحكمة أن تأمر سلطة المياه بتزويد المعطيات الرسميّة التي لديها، بدلًا من أن تطلب من الملتمسين أن يحصلوا على هذه المعطيات".
وقال رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب عطية الاعسم:" نحن هنا نحصل أقل كميّة ممكنة من المياه، لا زلنا ندفع أعلى الأسعار. للأسف المحكمة العليا لم تنصفنا، بل حافظت على النهج الذي تتخذه كافة السلطات من أجل تنفيذ مخططاتها لتهجير القرى غير المعترف بها".
النقب : بين نيران العطش ولظى التهجير !!
بقلم : جهاد العقبي ... 07.04.2015
المصدر: فلسطينيو 48