أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
المحامية سهاد بشارة: لا فائدة من الاعتراف بالبدو شعبًا أصلانيا!!
بقلم : الديار ... 18.05.2019

*حتى في المستوى التكتيكي لا فائدة من الاعتراف، لأن إسرائيل لن تعترف بشعب أصلاني "ثانٍ":الإعلان يمنع من تحدي المنظومة الكولونيالية المتمثلة في حالتنا بيهودية الدولة..التعريف فصل على مقاس شعوب "منقرضة" وجاء لبناء محميات للحفاظ على بقاياها
في مقال نشر باللغتين العربية والإنجليزيّة، حذرت المحامية سهاد بشارة من تبعات الاعتراف بالبدو الفلسطينيين، تحديدًا، في النقب وفي مناطق "ج" في الضفة الغربية المحتلّة "مجموعات أصلانية"، يحق لها الحصول على حكمٍ ذاتي ثقافي وتربوي وفق إعلان الأمم المتحدة لحقوق الشعوب الأصلانية، المُعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2007.
ورأت بشارة أن أيّة محاولة لوضع البدو تحت تعريفات أكثر أو أقل دقةً، مثل تعريف "سكّان أصليين"، ستؤدي إلى المزيد من الشرذمة القانونيّة وستكون لها إسقاطاتها على مستوى الخطاب السياسيّ، وستنعكس، بالتالي، من خلال تشويه وعينا وإدراكنا لتاريخنا وحاضرنا كشعب واحد وتحولنا من شعب مستعمَر وتحت احتلال، شُرد بغالبيته وسُلِبَت أراضيه في عمليّة تهجير وسرقة أراضي هائلة ومنهجيّة، إلى مجموعات تحاول أن "تُثبِت" صلة تاريخيّة لبعض فئاتها بالوطن، وتقوّض، بالتالي، مطالبنا لحل عادل للقضيّة، وحقنا في الممارسة السياسية الأممية.
المقال الذي يعبر عن التباين والنقاش الدائر داخل المؤسسات الحقوقية ومؤسسات المجتمع المدني، خاصتنا، الفاعلة في المحافل الدولية، هو إشارة صريحة إلى إشكاليات ومحدودية هذا النشاط وإلى حدود الخطاب الحقوقي المحكوم بالقضية السياسية الجامعة.
وحول الإشكالية التي يثيرها موضوع الاعتراف بــ"بدو النقب" و"مناطق ج" مجموعات أصلانية وإشكالية "الشعوب الأصلانية" عموما، وعلاقة الخطاب الحقوقي بالخطاب السياسي كان هذا الحوار مع المحامية في مركز "عدالة"، سهاد بشارة.
عرب 48: من الواضح أنّ وجهة النظر المعارضة لا تأتي من فراغ، بل هي ردّ فعل على وجهة نظر مؤيدة، ونحن نعلم أنّ هناك من ينساق في هذا الاتجاه، والمقصود، الاعتراف بالبدو الفلسطينيين في النقب و"مناطق ج" باعتبارهم "شعبًا أصلانيًا"؟
بشارة: في البداية، يجب التنويه أننا تعاملنا دائما، في "عدالة"، بتحفّظ مع الموضوع، ولم نطرح في أيّة مرة أمام المحاكم الإسرائيلية قضية "الأصلانية" في سياق البدو الفلسطينيين في النقب أو "المناطق ج"،
وبالنسبة لموضوع "الشعوب الأصلانية"، عمومًا، فإنّ النقاشات حول هذا الموضوع تجري منذ سنوات طويلة، وتُوّجت بإعلان حقوق الشعوب الأصلانية الذي صادقت عليه الهيئة العامة للأمم المتحدة عام 2007
الإعلان، الذي جرى العمل عليه أساسا من قبل مندوبين عن المجموعات الأصلانية في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، يعكس بشكل أو بآخر وجهة نظر هذه الشعوب عن نفسها، وجاء ليميّز بين المجموعات الأصلانية وبين مجموعات المهاجرين التي يمكن تأطيرها إثنيًا أو دينيا أو ثقافيًا، فانتماؤك إلى مجموعة أصلانية يمنحك وضعية مختلفة وينعكس في رزمة حقوق مختلفة مشتقة من هذه الوضعية.
عرب 48: وكأنك تقولين إنّ مصطلح "المجموعات الأصلانية" جاء ليميزهم عن "المهاجرين" وليس عن "المستعمرين"، الذين يشكّلون الغالبية الساحقة من سكان هذه الدول؟
بشارة: هو جاء ليميّزهم عن أقليات دينية أو قومية إثنيّة تشكلت نتيجة الهجرة، وهو نوع من تثبيت أو خلق إطار في القانون الدولي يعطي لتلك المجموعات نوعًا من الاستقلالية الثقافية والإدارة الذاتية في مناطق جغرافية مختلفة، بما يشمل الاعتراف بنوع من حقوقهم بالملكية في وطنهم.
عرب 48: في قضية الملكية هل هي مطلقة أم مشروطة بنمط حياة معين؟
بشارة: أنماط الملكية مختلفة من مكان لآخر، باختلاف الشعب والمنطقة الجغرافية. والمرجعية القانونية هي مرجعية أنماط الملكية في كل منطقة وأخرى، ولكن الإطار هو أطار يتماشى مع الوضع السياسي الخاص بالدولة الاستعمارية ذات العلاقة وما يسمح به هذا الإطار.
عرب 48: بالنسبة لوضعنا في فلسطين على جانبيّ الخط الأخضر، كان هناك تفكير بصوت عال حول جدوى وضرر مثل هذا الاعتراف عمومًا أو عبر قصره على البدو؟
بشارة: نعم، في ضوء ما يحدث في السنوات الأخيرة من تكثيف سياسات التهجير، تحديدًا ضد البدو في النقب والبدو في "مناطق ج"، كانت هناك محاولات بالأساس من بعض الحقوقيين ومن يتعاملوا في هذا المجال لتطوير هذا الجانب من الادعاءات القانونية حول حقوق البدو كـ"شعب أصلاني" أو "أقلية أصلانية"، وبالتالي إمكانية تدعيم ملكياتهم على الأرض.
عرب 48: تقصدين استعمال الموضوع كأداة مواجهة؟
بشارة: هو جزء من تفكير قانوني إضافي لتدعيم كل هذه الادعاءات، من وجهة نظر القانون الدولي، والموضوع لا يرتبط بهوية أشخاص أو مؤسسات، وليس لديّ شك بالنوايا الحسنة المتوفرة لدى جميع العاملين في هذا الميدان ومقاصدهم في المساهمة بتطوير قضايا التعامل مع التهجير وعدم الاعتراف بالملكيات، ولكن ما أقوله، بشكل مبسّط، إنّنا في كثير من الأحيان، ومن باب البراغماتية، نتسرع في استهلاك أي إطار قانوني موجود بقصد المساهمة بشكل إيجابي في عملية قانونية موجودة.
وفي هذا الإطار، فإنّ إعلان الأمم المتحدة المتعلق بالشعوب الأصلانية، على أهميته وما يمثله من تطور في المستوى التاريخي والحقوقي، يستوجب دراسته بشكل معمق في السياق والحيثيات الخاصة بنا، وتحديدًا في هذه الحالة الفلسطينية تاريخيًا، وعلى ضوء ما يجري اليوم على جانبيّ الخط الأخضر.
والفكرة هي أنّ جزءًا من الاستهلاك السياسي للمؤسسة الإسرائيلية كان عملية شرذمة للشعب الفلسطيني، من النكبة عام 1948 واللاجئين مرورًا باحتلال 1967 وانتهاء بعزل قطاع غزة وغيرها من عمليات شرذمة جغرافية وقانونية، وبالتالي أنا لا أستطيع أن أساهم قانونيًا في المزيد من الشرذمة، فإذا قلت إنّ البدو في "مناطق ج" وفي النقب هم أقلية أصلانية حسب تعريف القانون الدولي، يجب أن أفكّر ما هي تبعات ذلك على المستوى الفلسطيني، وما هو نوع الضرر الذي يحدثه هذا الإعلان مقابل الفائدة المرجوة منه.
عرب 48: تقصدين أنه حتى في المستوى التكتيكي ستكون الخسارة أكبر من الربح؟
بشارة: نعم، فاحتمالات أن استفيد من ذلك أمام القانون الإسرائيلي تصل إلى الصفر، لأن الجهاز القضائي الإسرائيلي متبني الرواية الصهيونيّة بالكامل ولا يوجد أي احتمال أن تأتي المحكمة الإسرائيلية وتقول إنّ هناك "شعبًا أصلانيًا" ثانيًا، بشكل يتناقض مع الرواية الصهيونية. في الوضع السياسي القائم وتركيبة المحاكم والعلاقة بين المحكمة والبرلمان والحكومة في إسرائيل، حتى لو وضعتُ الأيديولوجيا جانبًا، وأردتُ أن أتعامل ببرغماتية، فلن أحقق أيّة فائدة، مقابل الخسارة الإستراتيجية والمزيد من الشرذمة.
في النهاية السؤال هو كيف نعرّف المشكلة. وبالنسبة لي، فإنّ التهجير القسري في النقب و"مناطق ج" ليس مشكلة بدوية، إنّما مشكلة فلسطينية. البدو هم جزء من الشعب الفلسطيني، جزءٌ من النكبة وجزءٌ من الشرذمة، والسياسات الحالية تجاههم لا تختلف عن السياسات المتّبعة تجاه باقي الشعب الفلسطيني. وبالتالي، أنْ أقوم بتعريف مشكلتهم بمعزل عن القضية وبشكل يختلف تماما عن قراءتي لها هو موضوع فيه إشكالية جدّيّة وقراءة غير صحيحة للسياسات الإسرائيلية وتبعاتها.
بمعنى آخر، أن أضعَ أطرًا مختلفة لمجموعات مختلفة من الشعب الفلسطيني هو موضوع فيه إشكالية جدية على المستوى التكتيكي والإستراتيجي.
عرب 48: لكن القضية لا تنحصر في أن الاعتراف يقتصر على البدو، فموضوع الشعوب الأصلانية برمته يتحدث عن شعوب "منقرضة"، يسعى الإعلان للحفاظ على بقاياها في ما يشبه "المحميّات الطبيعيّة"، وهو أمرٌ لا يتطابق مع واقع الشعب الفلسطيني، رغم تشابه خصائص الاستعمار الكولونيالي الذي تعرضت له بلاده مع خصائص الاستعمار الكولونيالي التي تعرضت لها بلاد تلك الشعوب في أميركا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا بشكل خاص؟
بشارة:
المنطلق أنّ هناك منظومة سياسية هي الدولة الاستعمارية الكولونيالية، وأنّ هناك شعوبًا أصلانية انتُهِكت حقوقها على مدار السنين. تعالوا نطوّر إطارَ حقوقِ إنسانِ الشعوب الأصلانية وحيثياتها العينية داخل المنظومة السياسية القائمة، وإذا وضعت نفسك في هذا الإطار، فأنتَ تستوعب وتستهلك وتتوافق مع الإطار السياسي القائم ولا تتحداه.
بمعنى أنّك عندما تقول اعطوا البدو حقوق أقلية أصلانية، أنت تقول اعطوهم "محميّات" يتم الاعتراف فيها بالملكية، وأعطوهم إدارة ذاتية في إطار المنظومة السياسية القائمة، التي هي الدولة اليهودية، أي أنّك، من جهة، تستوعب وتستهلك وتذوّت الإطار الكولونيالي القائم والمتمثل بالدولة اليهودية، ومن جهة ثانية تعزل نفسك عن الشعب الفلسطيني، وهو أمر ينعكس بشكل أوضح في "مناطق ج"، التي تعتبر منطقة محتلة وفق القانون الدولي، حيث يتناقض ذلك مع مطلب إنهاء الاحتلال.
عرب 48: في النهاية، هناك فرق بين التعريف العام للشعب الأصلي أو الأصلاني أو أهل البلاد الأصليين، كما نعتبر أنفسنا كفلسطينيين وبين التعريف القانوني لهذا المصطلح، وهو تعريف لا يتسع لمطالب شعبنا على ما يبدو؟
بشارة: نحن كثيرًا ما نلقي شعارات دون أن ندرك تبعاتها السياسية، ويبدو أنّ تعريف "شعب أصلاني" فصّل على قدر الاستعمار الكولونيالي الذي تحولت دوله إلى أمر واقع سياسي مثل الولايات المتحدة وكندا ونيوزيلندا وأستراليا، وليس على مقاس القضية الوطنية للشعب الفلسطيني وفئاته المختلفة. وعليه، تتوجّب إعادة نظر في الموضوع على المستوى السياسي والحقوقي، والوصول إلى قرار في ما إذا كان تبني هذا الخطاب صحيحًا على المستوى الفلسطيني أم لا، لأنه في النهاية لا يمكن فصل القانوني عن السياسي لا من طرف المستعمر ولا من طرفنا.
**سهاد بشارة: محاميّة متخصصة في مجاليّ الأرض والتخطيط. تعمل في "عدالة" منذ العام 2001، حاصلة على بكالوريوس الحقوق من الجامعة العبريّة في القدس عام 1993، وعلى ماجسيتير في المرافعة الجماهيريّة من قسم الحقوق في جامعة نيويورك في الولايات المتّحدة عام 2001، واختيرت في العام 2014 لتشارك في برنامج الزمالة الأكاديميّة "فلسطين والقانون" في جامعة كولومبيا، وتقوم حاليا بتحضير رسالة الدكتوراه في كلية الحقوق بجامعة "كينغز كوليج" في لندن.

* المصدر والمقابله : عرب48
1