أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
شيخ في مواجهة المحتل.. قصة الفلسطيني سليمان الهذالين!!
بقلم : الديار ... 29.11.2019

إلى الجنوب من مدينة الخليل بنحو عشرين كيلومترا، يفصل سياج من الأسلاك الشائكة بين حياة في القرن الحادي والعشرين تتوفر فيها كل الكماليات، وأخرى تفتقد لأدنى مقومات الحياة يقطنها بدو فلسطينيون، حيث يعيش سليمان الهذالين.
في جانب هذا السياج وإلى الغرب من خربة أم الخير البدوية شرق بلدة ياطا أناس غرباء احتلوا أرض غيرهم وأقاموا عليها مستوطنة كرمئيل، وإلى الشرق ضحايا أقيمت المستوطنة على أراضيهم ويلاحقون فيما تبقى منها.
من جهة الغرب تتوسع المستوطنة اليهودية العصرية وما يتبعها من مبان ومشاريع زراعية حديثة، وإلى الشرق تجمع "أم الخير" الفلسطيني بطريقه الوعرة وخيامه المتناثرة والمهدومة أو المخطرة بالهدم، بعضها أكل عليه الدهر ورمم البعض الآخر.
في تجمع أم الخير يعيش المسن سليمان عيد الهذالين (أبو عادل)، ومع كل اقتحام أو عملية هدم يقف بعصاه متحديا آليات الاحتلال وهاتفا ضد المحتلين، ليتحول مع الزمن إلى أيقونة بدوية من نوع خاص.
بدأت مأساة سليمان الهذالين وعشيرته عام 1980 بإقامة نقطة تدريب عسكرية بمحاذاة أرضهم ومساكنهم. وما زال برميل الحديد الذي كان يتدرب عليه الجنود موجودا وسط تجمع أم الخير إلى اليوم، وبعد أقل من عامين شرع الاحتلال في بناء مستوطنة كرمئيل، لتتحول حياة سليمان وباقي السكان إلى جحيم.
رحل مؤسس التجمع السكاني عيد الهذالين عام 2002 وأوصى بأن يدفن في الأرض نفسها قبالة المستوطنة، ومن بعده أخذ الحاج سليمان (67 عاما) على عاتقه التصدي بجسده لكل عملية اقتحام، حتى باتت صورته حاضرة في كل عملية دهم أو هدم.
اعلان
وهُجرت عشيرة الهذالين من عرب الجهالين من موطنها الأصلي في بئر السبع عام 1948، وتشتت في مناطق شرق الضفة الغربية. وفي أم الخير تملّك عيد الهذالين، والد الحاج سليمان قطعة أرض عام 1956، وهناك حط رحاله وواصل مهنته في تربية الماعز والإبل.
خلال إعداد هذا التقرير استقبلنا أبو عادل في شق مخصص للضيوف ومخطر بالهدم من قبل الاحتلال، وأفادنا بأنه قبل أيام زوّج أحد أبنائه وحاول توسيع شِقه (خيمة) لاستقبال مزيد من الضيوف، لكن سلطات الاحتلال هرعت بكل أذرعها لمنعه من إتمام فرحه، ومنعت توسيع الشِق، وأمهلته عدة ساعات لهدمه.
في الأسبوع الماضي كان المقاوم المسن حاضرا إلى جانب مجموعة من المواطنين في عملية هدم بقرية خلة الضبع القريبة، وقبل ذلك شارك في اعتصامات الخان الأحمر، وتظهر صور له متداولة على شبكات التواصل تعرضه للضرب والإيذاء من قبل جنود الاحتلال، لكنه يقول إنه لن يخسر أكثر مما خسر.. خسر وطنه في الـ 48 واليوم يلاحق على أرض اشتراها بحر ماله.
تعرضت خيام التجمع البدوي للهدم 14 مرة، فضلا عن عشرات الاقتحامات، وفي كل مرة كان سليمان يقف ملوحا بعصاه وهاتفا بـ"الله أكبر ولله الحمد، اللهم احفظ الأسرى والمسرى"، فيعاقب بالسحل والضرب أو الاعتقال.
تحول الهذالين، وهو اليوم أب وجد لثلاثين فردا، إلى موسوعة تعج بأحداث الاقتحامات والهدم وكل صنوف الاعتداءات، ويبدو هذه الأيام قلقا من أي وقت مضى، لأن جيش الاحتلال بات يملك صلاحية هدم المنشآت فورا أو خلال ساعات، مما يحول دون توجه الفلسطينيين للمحاكم ووقف أعمال الهدم.
شهد الهذالين أول عملية هدم لخربته عام 1997 وآخرها في مايو/أيار الماضي، ويعيش هو وأقاربه حالة تأهب وترقب دائمة خشية تحرك آليات الاحتلال وتنفيذ هدم جديد، لدرجة أنهم لا يشعرون بالراحة إلا يوم السبت من كل أسبوع، وهو يوم الإجازة الأسبوعية للاحتلال.
يواجه أبو عادل اليوم مشكلة حقيقية في تمدد عائلته، فأبناؤه الذين يصرون على البقاء حوله تزوجوا وأنجبوا لكن المكان ضيق، فيضطر لتقسيم الخيام القائمة بينهم.
وتتكون أغلب بيوت التجمع الذي يضم نحو مئتي نسمة من ألواح الصفيح أو شوادر البلاستيك، ويصر أبو عادل على اصطحاب ضيوفه من الصحفيين والمتضامنين في جولة على بقايا كثير من البيوت المهدمة في الخربة خلال السنوات الماضية.
مع قساوة الاحتلال اجتمعت على المسن الفلسطيني صعوبة الحياة، فهو فبالكاد يجد قوت يومه من بقايا قطيع كان يتجاوز ألف رأس من الغنم في عهد والده وتقلص اليوم بسبب تضييق الاحتلال للمراعي.
لم يكن الهدم ومنع البناء ليهزم نفسية سليمان أو يؤلمه، بقدر ما يؤلمه حال ابن أخيه محمد (37 عاما) الذي ضربه ضابط إسرائيلي على رأسه بعد تهديده بإعاقته وإعاقة المزيد من شباب التجمع، وهو ما حدث بالفعل إذ بات محمد منعزلا ومنطويا يجلس في العراء طوال اليوم ولا يختلط حتى مع أقاربه.
كما يحس الحاج سليمان بغصة شديدة بعد تجريف الاحتلال المحمية الطبيعية الخاصة بتجمعهم واقتلاع أشجار بعمر 15 عاما، وأغضبه هدم طابون التجمع (تنور للخبز) الذي وجد قبل قدوم الاحتلال.
اليوم أكثر ما يخشاه المسن الفلسطيني هو تغييب الوعي الفلسطيني على المدى البعيد بعد استحداث قربة بالاسم نفسه (أم الخير) إلى الشرق قليلا، وبالتالي حصر السكان في القرية المستحدثة وإفساح المجال لتوسيع المستوطنة على حساب أراضيهم.
بسبب مواقفه وتصديه للاحتلال يمنع سليمان الهذالين من دخول القدس والصلاة في المسجد الأقصى، وفي كل مرة يحاول فيها الدخول يعاد من الحواجز العسكرية لأنه "مخرب" حسب تصنيف الاحتلال.

المصدر : الجزيرة
1