أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
غابة الحجارة وصحراء العقول!!
بقلم : عصام الهزيل ... 06.12.2019

ما اجمل بلدنا رهط وقد تحولت الى كومة كبيرة من الحجارة , نتقن البناء والعمران والهندسة المعمارية ولا نتقن معنى الحياة وفحواها، فقد زاد جمال رهط الحجري الابيض الجميل والبيوت الفخمة الفارهة والسيارات الحديثة الجديدة بانواعها وموديلاتها المختلفة ، وحسب المقياسات العالمية...عندما تتقدم الشعوب وتنتقل من اسلوب عيش بدائي الى آخر اكثر تطورا فمن المفروض ان يتغير ايضا اسلوب الحياة والفكر السلوكي ومنهجيات العيش ،وما حدث مع البدو عرب النقب هو الانتقال القسري والتوطين من قبل السلطات واجبار البدو على الانتقال من الخيمة وبيت الشعر الى بيوت حجر بمختلف انواعها متفاخرين بتجربتهم القسرية في حق "الاقلية البدوية" عرب النقب فسَّموا مؤسساتهم القمعية مديرية لتطوير البدو!!
حتى اسم المؤسسة "مديرية تطوير البدو" يدل على همجية واستخفاف السلطات بعقول عرب النقب ومن المؤسف ان يجد هؤلاء من يصفق لهم ويهز ذيله لهم كالكلب الذي لا يعرف صاحبه ، فتم بناء البيوت الفارهة والفخمة ولكنها خلت من العقول النيرة الواعية لمطلبها الشخصي والجماهيري وتحولنا الى صحراء عقول فارهة على مد البصر ، فهذه الخطط الاستيطانية واكوام الحجارة لم تغير من وعي العربي النقباوي ولم تحرك به مشاعر التطور الفكري والوطني والواجب الاجتماعي لنفسه ولبلده ، وحتى لا نكون متشائمين الى درجة النكران لحق اولئك الذين يلقبون أنفسهم بمسميات وشهادات ويغذون ذاتهم بالالقاب الرنانه التي لا فائدة فيها ومنها، ولا فائدة منهم ، لنكتشف ان عقولهم بحجمها وتفكيرها كالصحراء الفارغة اللتي لا فيها لا حجر ولا شجر!! عندما نبني الحجر قبل البشر فالنتيجة الحتمية ان يفقد البشر الاحساس بالحياة فيهيمون على وجوهم بالدنيا راكضين خلفها لعلهم يحصلون على الاعتراف والاكتفاء النفسي فيسقطوا بين انياب الحياة ليفقدوا لذتها وطيبتها ويصبحوا وحوشا بشرية تائهين بين ممراتها باحثين لنفسهم عن تقدير من الأهل والبلد والمجتمع ....
من المهم التذكير بانه لا يعني اننا عندما نبني الناطحات والبيوت الفخمة باننا تحولنا الى شعوب متقدمة وواعية ، ومن يقدم الحجر على البشر فلا يأمن مصائب الحياة لانها تحتاج الفكر والوعي والعقل الراجح في مواجهة الفتن والابتلاءات للبشر والتي هي اساسا من فعله ، فاليوم على الرغم كل التقدم وكماليات الحياة فلا ينقص شيئ بتاتا كل شيئ موجود وبكثرة ،الا ان الشعور السائد في البلدان العربية والنقب وبلدنا رهط اننا في غابة وساحة قتال وخصام والقوي يضرب الضعيف والضعيف لم يبقى ضعيفا فقد تحول الى وحش كاسر يرغب في فرض سطوته بين الآخرين فلا يتردد بالقتل جهارا نهارا وكأنه يرسل رسالة انني هنا موجود ولست بضعيف ، ولكن رسالته هذة لن تكن واضحة فقراءتها كانت معروفة والنتيجة حتمية وحين يقع الفاس في الراس "وجت الفكرة بعد السكرة" ، والطرفين يدفعون الثمن غاليا ، الاول يدفع ثمن اثبات نفسه في ساحة الوغى فيقتل ابن بلده وجاره او قريبه ، والآخر يدفن اخاه او قريبه او ابن بلده وفي كل الاحوال الثمن باهظا والقادم اعظم!!
المصائب لم ولن تتوقف فحينها ،يعود مسلسل الدم من الثأر والتشرد والطرد والجلاء الى بلدات ومناطق اخرى ، خراب بيوت وشخص مقتول ومدفون ، وزوجه ترملت واطفال تيتموا وعائلات شردت وجلت وطغت حالة الاستنفار والبحث عن ضحية جديدة ....لا اعلم حقا ايهما المسؤول عن الوضع الذي وصل اليه المجتمع العربي ، اهو من فعل فاعل مؤسسات الحكومة وتخطيطها القسري في التوطين او انه عدم الاكتمال لعقلية المواطن الصالح الذي يعرف حقوقه وواجباته وما له وما عليه ، وقد خلت بلداننا من عقول تسعى للخير وتحولنا الى عقول متحجرة همها جيوبها وحالها المادي والاجتماعي والوظيفة والمركز ولو على حساب المجتمع ككل..!
وأخيرا وليس اخرا لا شك ان مصطلح غابة الحجارة وصحراء العقول يلائم تماما وضعنا القائم التي تعيش به مجتمعاتنا العربية على نفس المساحة الجغرافية وداخل المنظومة الديموغرافية والاجتماعية نفسها والسلام عليكم أينما كنتم وتواجدتم ودمتم سالمين!!

1