أحدث الأخبار
السبت 08 تشرين ثاني/نوفمبر 2025
حرب "بلا جثث" في النقب!!
بقلم :  نايف زيداني ... 08.11.2025

كانت طريق "العربي الجديد" إلى اثنتين من بين 37 قرية مسلوبة الاعتراف في النقب تضم أكثر من 100 ألف من العرب البدو من فلسطينيي الداخل، مرصوفةً بالمشقة. عشنا عذابات يوم واحد في زيارتنا المنطقة، لكن السكان الذين تسعى إسرائيل إلى تهجيرهم عن أراضيهم، يعيشون المعاناة والعذاب يومياً، ولكن بكل تفاصيلهما، لا على الطريق فقط.
مركبتنا تهتز بقوة وعظامنا تُعلن حالة الاستنفار كأنها تغادر مواقعها، على الطريق لقرية الغراء. طريق كانت ذات يوم، بحالة أفضل قليلاً، لكن جرافات سلطات الهدم الإسرائيلية جرّفتها، ودمرتها، وزادت وضعها سوءاً، وهي تعلم أن الشارع هو شريان الحياة. كانت نصف ساعة مضنية، قبل أن نعلم أن هذه الطريق الوعرة جداً، تبقى أفضل من غيرها، فهناك أسوأ منها، تؤدي إلى قرى أخرى. هي طرق السكان، وطرق العمال الساعين إلى رزقهم، وطلاب المدارس المتّجهين إلى علمهم، الذين تسبّب السيول على هذه الطرقات والمخاطر الناجمة عنها في تغيّبهم لفترات طويلة عن مقاعد الدراسة. طرق لا تدخلها سيارات الإسعاف، ما يعمّق جراح وآلام المرضى والجرحى، ويزيد من المخاطر على حياتهم.
ما زلنا نتحدث عن الطريق إلى الغراء فقط، قبل أن نصل القرية نفسها، ولاحقاً إلى مشاهد الدمار الهائل في قرية السر بمنطقة أخرى من النقب كأن حرباً نسفتها، بل هي حرب، لم تبقِ ولم تذر شيئاً من منازل ومعالم المكان، من مآوي الناس والمواشي، كل شيء سُوّي بالأرض، لا ماء ولا كهرباء ولا مدارس ولا خصوصية، إنها الحياة وسط العدم. وغزة لا تبعد كثيراً عن هنا، لا جغرافياً ولا على مستوى المشهد، لكن الفرق أن لا جثث هنا كما هناك، كما يصف السكان الوضع، في إشارة إلى حرب الإبادة على القطاع. كما أن الطائرات الحربية الإسرائيلية تمر في سماء المكان، تُرى بوضوح ويُسمع هديرها لدى إقلاعها من مطار نباطيم العسكري أو هبوطها فيها.
"نسر الجنوب 3"
"نسر الجنوب 3"، هو الاسم الذي أطلقته السلطات الإسرائيلية على مرحلة جديدة من حرب المصادرة، والهدم والتهجير التي تستهدف القرى العربية البدوية مسلوبة الاعتراف وسكانها الأصليين، بزعم "مكافحة التعدّيات على أراضي الدولة". أما حقيقة الأمر فهي الاستيلاء على الأراضي العربية من أجل مشاريع استيطانية وعسكرية. وبعد مرور 77 عاماً على النكبة، يبدو أن السلطات الإسرائيلية، لا تكتفي بتهجير معظم عرب النقب عام 1948، ومصادرة أكثر من 96% من أراضيهم.يبدو أن السلطات الإسرائيلية لا تكتفي بتهجير معظم عرب النقب عام 1948، ومصادرة أكثر من 96% من أراضيهم
في منزل بسيط سقفه من الصفيح، كسائر بيوت المنطقة، استقبلنا معيقل الهواشلة، رئيس اللجنة المحلية في قرية الغراء ونائب رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب. كان يوماً حراً خلال جولتنا هذا الأسبوع، فيخيّل للمرء أن مصطلح "على صفيح ساخن" وُلد في البيوت العربية وسط صحراء النقب. في محيط البيوت رصدنا أوامر إخلاء جديدة وزعت مطلع هذا الأسبوع، كان وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير شريكاً في توزيعها في بعض القرى، متباهياً بفعله ومهدداً السكان.
على الطريق المؤدية إلى القرية، عدا عن شوارع القرية نفسها شديدة الوعورة، شرح الهواشلة، لـ"العربي الجديد": "هي وعرة وصعبة وفيها أودية وليست صالحة للمركبات، ولكن هناك شوارع أدهى وأمرّ. والآن تخيّلوا أن طلابنا يتعلّمون في سعوة وفي قصر السر على مسافة 25 كيلومتراً تقريباً، وقسم آخر في بلدة حورة ويمرون منها كل يوم، لكن في الشتاء وبوجود سيول يتغيبون، وأحياناً لفترات طويلة بسبب المخاطر".
يسكن في الغراء نحو ثلاثة آلاف نسمة، وكسائر القرى مسلوبة الاعتراف، لا مدارس فيها ولا روضات. ويقول الهواشلة: "في فترة سابقة أجرينا مسحاً عرضنا نتائجه في لجنة التربية والتعليم في الكنيست، أظهر أن ما يقارب ستة آلاف طفل في جيل 3-5 سنوات بدون أي إطار. مصيبة التربية والتعليم هي مصيبة كبرى ومصيبة الهدم أصعب. وثمة معاناة كبيرة، حتى تصل إلى عيادة طبيب في المدن اليهودية أو إلى المستشفى".
النقب في أرقام
قبل النكبة عام 1948 كان في النقب 85 مجمعاً سكانياً أو قرية في مواقع القرى مسلوبة الاعتراف اليوم، وفق الهواشلة، وما لا يقل عن 120 ألف نسمة، شُرّد وهُجّر منهم قرابة 90%. بقي منهم ما بين 8500 نسمة حتى 12 ألف نسمة. ويضيف الهواشلة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "قضية الهدم وقضية الأراضي قضية أساسية. نحن موجودون في هذه البلاد منذ آلاف السنين. هذه أرضنا وهذه قرانا ومضاربنا. في فترة الحكم العسكري، حتى شهر ديسمبر/ كانون الأول 1966 كان الناس لا يستطيعون الوصول لا إلى العمل ولا لتلقّي خدمات في بئر السبع إلا بعد الحصول على تأشيرة من الحاكم العسكري. سنة 1971 وحتى 1973 سجل الناس الأراضي لدى الدولة. جرى تسجيل حوالي 850 ألف دونم من قبل نحو 3320 عائلة من العائلات التي بقيت، على الرغم من أن النقب واسع وشاسع ومساحته قرابة 12 مليون و800 ألف دونم. انتشر عرب النقب على كل هذه المساحة من قبل، لكن غالبيتهم شُرّدوا وطردوا".
ويضيف: "سجل الناس الذين صمدوا في وجه التهجير أراضيهم بأسماء القرى التاريخية. ولكن في عام 1974 غيّرت الدولة العناوين، وسجلت الناس عشائر، وهنا وقعت المصيبة. بحسب هذا التسجيل، فإن لكل عشيرة، مثل عشيرة الهواشلة أو عشيرة أبو كف أو عشيرة الأعسم على سبيل المثال، أراضي في مناطقة معينة. نحن مثلاً لدينا أراضٍ في قصر السر وفي خربة الوطن وفي رأس جرابة وغيرها. ورغم أنني أسكن في الغراء إلا أن الدولة سجّلتني في قصر السر وهكذا الكثيرون يسكنون في مناطق وسجلتهم في مناطق أخرى. هذه مأساة بحد ذاتها. الأمر الأخطر، هو محاولة الدولة ترحيل الناس، وفق معادلة أكثر عدد من السكان على أصغر بقعة أرض ممكنة، رغم أننا موجودون في هذه البلاد قبل قانون التخطيط والبناء".
مثال على العنصرية والتمييز ونيات الترحيل لا التنظيم، أن نفوذ المجلس الإقليمي "هنيغب"، أحد المجالس اليهودية في المنطقة، يمتد على أكثر من أربعة ملايين و250 ألف دونم من أراضي النقب. في المقابل، فإن المساحة التي يسكن عليها سكان جميع القرى العربية المعترف بها وغير المعترف، لا تتجاوز 450 ألف دونم، فيما عدد السكان يفوق 350 ألف نسمة. ولا يتوقف الأمر على هذا، يشرح الهواشلة أن "كل مخططات الدولة من قبيل شارع 6 (الشارع السريع)، أو سكة القطار، أو الخط العالي للكهرباء، أو مطار نباطيم العسكري، تقام على أراضي العرب وتمر من القرى غير المعترف بها. المطار وحده يقوم على حوالي 80 ألف دونم من أراضي عرب النقب". ويضيف: "الدولة تحاول إقامة المستوطنات وتوفّر لها كل ما تملك على أراضي عرب النقب، وفي اللجنة القطرية للتخطيط والبناء، أنا بنفسي سمعت المخطط وهو يقول إن هذه الأراضي خالية ولا ناس عليها. أنا اعترضت هناك، وقلت هذه الأراضي لها ناسها ومعروف من هم أهلها. نحن سكان البلاد الأصليين ونطالب باعتراف. عدا عن هذا، يوجد في منطقة النقع مثلاً التي تضم 8 قرى عربية منها الغراء، 30 ألف نسمة، على مساحة 40 ألف دونم. بمعنى، حتى لو بدأت الدولة تخطط اليوم، فهذه الأراضي لا تكفي الناس. ولكن هدفها الرئيسي هو تجميع الناس على أصغر مساحة وإقامة مستوطنات في مكان القرى العربية. تريد الضغط على الناس من خلال هدم بيوتهم ومصادرة أراضيهم والتضييق عليهم حتى يرحلوا من هذه الأراضي وتسجل هذه الأراضي باسم دولة إسرائيل بدلاً من أصحابها".
سلطة تدمير البدو
عن الإخطارات التي وزعتها السلطات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، في العديد من القرى مسلوبة الاعتراف، يقول الهواشلة: "وصلت قوات كبيرة مع العديد من المفتشين ومعهم الوزير إيتمار بن غفير لكي يشجعهم أكثر على إلصاق أوامر الإخلاء. وعادة خلال شهر حتى ثلاثة أشهر من أوامر الإخلاء تأتي الدوريات وتلصق أوامر هدم. بعدها، إذا لم يهدم الشخص منزله أو إسطبل الخيل أو حظيرة المواشي، يفرضون غرامة كنوع من الضغط والتهجير. حدث أن دمرت السلطات قرى بأكملها، مثلما حدث قبل نحو عامين في منطقة وادي الخليل، ومنطقة الدردانة، وبعدها منطقة أم رتام، والسر، وغيرها... وبالرغم من كل هذا الهدم، بقي الناس حول هذه المباني المهدّمة".
ويتابع: "يقف وراء ذلك، ما تُسمى سلطة تطوير البدو، التي هي فعلياً سلطة تدمير البدو. لديها كل أدوات الهدم، من جرافات، وميزانيات، وقوة شرطية... فماذا يفعل الإنسان العربي البسيط الموجود على أرضه؟ أكثر من 60% من عرب النقب تحت خط الفقر، وهم صامدون على هذه الأرض وفي قراهم ولا يريدون الرحيل، علماً أنه حتى حين يتوجه الناس للمحكمة، فإنها لا تنصفنا. هذه الدولة لديها كل القوة والخبرة والفن في طرد الناس من أراضيهم".
السر تبوح بأوجاعها
من الغراء كان المسير إلى قرية السر. المشهد صادم. حجم الدمار هائل. لم يبق بيت لم يسوَّ بالأرض. وهذه منطقة واحدة فقط من أحياء أخرى في البلدة. يتطلب الأمر الحذر عند الاقتراب احتراماً لما تبقّى من خصوصية الناس المكشوفة على الملأ تقريباً، داخل خيمة أو عريشة (خيمة قائمة على أعمدة). لا بد من إطلاق "زمور" السيارة بداية ومن التقدّم بحذر. وبالتأكيد لا بد من مرافقة من أحد سكان المكان والتصرف بحسب أصول المكان وعادته. بعد فنجان من القهوة السادة في عريشة، اصطحبنا أحدهم بجولة بين الركام والخيام للقاء مسنّة. قبل وصولنا إلى محيط الخيمة ظل ينادي "أم سلطان... أم سلطان" معلناً اقترابنا لتردّ من بعيد. لا بد من المناداة، حفاظاً على حرمة ركام المنازل وما بينها وبقايا الخصوصية، فهي بالكاد موجودة، فكل شيء مفتوح هنا، ولا أبواب يمكن وصدها.
وجدنا أم سلطان، وهي مسنّة، تتكئ على عصا، فربما فقدت عكازها وسط الدمار، أو لم تمهلها سلطات الهدم وقتاً لتناوله. حامت قليلاً ثم ركنت إلى كرسيها في العراء ومن حولها بعض الأواني المنزلية. وبينما فقدت هي كل شيء، ظهرت في الأفق خلفها، على مسافة قريبة، عمارات إسرائيلية. مشاريع بناء حديثة لليهود، مقابل هدم مآوي العرب البسيطة.
جارت الحياة على أم سلطان، ليس فقط في فقدان منزلها، ولكن أيضاً فقد اثنين من أولادها، ومع هذا تتمسك بها وتحاول الصمود. تبوح أم سلطان، في حديثها لـ "العربي الجديد"، بشيء من خليط أوجاعها: "أنا تزوّجت هنا، وأنجبت أولادي هنا. ابني الكبير عمره أكثر من 50 عاماً اليوم. كنت قد فقدت ولدين أيضاً أحدهما بسبب المرض وآخر في حادث. واليوم نعيش في مهب الريح والغبار الذي يطاولنا. حياتنا في عريشة ليست سهلة، ننام ونقوم في الخيمة وما باليد حيلة. مع هذا لا أريد الرحيل إلى أي مكان آخر، إلى أين نرحل؟ لا مكان آخر لدينا؟ الحياة صعبة على المرأة والرجل والطفل".
على باب عريشة وسط الخراب التقينا عيادة العمرني. كان موصولاً بجهاز أكسجين، لكن لا عيادة قريبة يقصدها حين يحتاج، بالتأكيد ليس في قريته التي تعيش حياة العدم. عن حياته في قرية السر يقول العمرني، لـ"العربي الجديد": "أنا من مواليد 1955 ووُلدت هنا. أمي عمرها 90 عاماً وولدت هنا أيضاً وكذلك أبي. نحن نسكن هنا أباً عن جد. وماذا يحدث الآن؟ تمهلنا السلطات الإسرائيلية 21 يوماً لكي نخلي أماكننا. الناس يريدون أن يسكنوا في أماكن منظمة، ولكن لا يوفّرون لنا حلولاً. الدمار هنا مخيف. لا يوجد ماء ولا أي حاجة. إلى أين نذهب؟ لا بديل. لو كانوا يعرضون نقلنا إلى موقع مؤقت ومن ثم العودة إلى الحي لاختلف الوضع، لكن ليس هذا هو الحال".
يشير العمرني إلى عدة أمور تؤثر في صحة الناس وعن أحوال بعض من يحتاجون إلى رعاية أيضاً: "أنا أحتاج لمتابعة صحية وهذا صعب هنا. يوجد أيضاً عجائز في التسعينيات من العمر يعيشون على الأكسجين والأجهزة. لا يوجد مراعاة لذلك ولا للأوضاع الإنسانية، ولا أحد يهتم بنا. النهار حار والليل بارد، ولا كهرباء ولا ماء. يقطعون عنا الماء. ونقوم بنقل المياه من أماكن أخرى بواسطة خزانات. في المقابل، يجد بن غفير فرصةً للتضييق على الناس وهدم منازلهم، وهو سعيد بذلك لاستقطاب مزيد من الناخبين المؤيدين لنهجه".
أطفال في مهب الريح ولا حمامات
على مسافة قريبة من مكان وقوفنا، كان طفلان يلهوان بين الحطام. أشار العمرني إليهما، موضحاً أنه "لا أطر للأطفال هنا. هؤلاء لا يتوجهون إلى المدارس في مناطق أخرى. أحد الأسباب أنه لا توجد حمامات وهذه مصيبة. نتوجه إلى المساجد في بلدة شقيب السلام على مسافة نحو ربع ساعة بالسيارة، أو منازل أقارب هناك من أجل الاستحمام والنظافة الشخصية. الشخص منا، بما في ذلك الأطفال، يحتاج إلى الاستحمام يومياً لكن هذا غير ممكن، وهذا يؤثر في كل شيء".
70 عاماً إلى الوراء
"عدنا 70 عاماً إلى الوراء" يقول زياد العمرني من جهته، في حديث لـ"العربي الجديد"، مؤكداً أن "لا خصوصية ولا شيء. الخيمة هي مطبخنا وغرفة نومنا. كل العائلة تنام في الخيمة، الأولاد والزوجة والأم والجميع. هذه بيوتنا في الوقت الراهن بعد الهدم. واقع صعب جداً، ولا يوجد من يساعدنا، وهناك سكوت من جميع الجهات. نعيش في حالة نفسية صعبة. إنهم يأتون ويهدمون بيتك في لحظة ثم يرحلون وعليك التأقلم مع الوضع الجديد. هذا صعب علينا وعلى أطفالنا ونسائنا. كأننا في غزة، فحالنا حال أهل غزة. حجم الدمار هائل هنا. هذه قرية عمرها 70 عاماً، هُدمت بين ليلة وضحاها".
ويتحدث بدوره عن الأطفال، فهم "في حالة ميؤوس منها ولا أي جهة تسأل عنهم. صعب أن تقول لطفل، لم يعد لديك بيت، ولا حمام ولا خصوصية ولا مدرسة ولا كهرباء. فقدنا منازل كل العائلة. قرية بأكملها هُدّمت. والوضع صعب جداً على النساء بشكل خاص ويعشن حالة كتمان". ويردف زياد العمرني: "حتى حظائر المواشي لم تسلم هنا. ولا أشجار التين والزيتون. هذه أشجار أكبر مني في العمر، لكن جرّفوها بالجرافات. يدّعون أنهم يريدون إقامة حي هنا، فما ذنب الشجر؟! الهدف هو التخريب. من يريد أن يقيم حارة بحجة تنظيم السكان، لا يفعل هذا، بل يتحاور معهم في محاولة للوصول إلى حلول. يزعمون أنهم يريدون إقامة حارة لنقل سكان من منطقة أخرى إلى هنا، ولكن ماذا عن سكان المكان الأصليين؟ النيات غير صافية. كما أن إقامة حارة تحتاج إلى سنوات فأين يذهب السكان؟ ما فعلوه في السلطات الإسرائيلية، أنهم دمّروا البيوت وغادروا."
يخدعون الناس... وحالنا حال غزة دون جثث
تصادف وجود "العربي الجديد" في قرية السر، مع وجود سويلم العمرني، نائب رئيس مجلس شقيب السلام المحلي، وهي قرية معترف بها، كما ترتبط قضية السر بها، إذ تزعم السلطات الإسرائيلية أن الهدف من إخلاء القرية هو تحويلها إلى حي يتبع لشقيب السلام. يوضح سويلم العمرني، لـ"العربي الجديد"، أن "هذه قضية متشابكة جداً. يوجد أكثر من 2000 نسمة في السر ولا يوجد أي سلطة محلية يمكنها استقبال هذا العدد حتى لاحتياجاتهم الخاصة. لا مساكن ولا فنادق لدينا ولا غرف نوفّرها للناس. هنا هُدّمت البيوت وهُجّر الناس، ومن الناس من بقوا في مكانهم رغم الهدم. هذا تهجير لأنه لا خطة بديلة لاستقبال السكان، من قبيل تعويض المواطن بقسيمة أرض بديلة". ويضيف: "هناك اتفاق مع السلطات الإسرائيلية، على نقل السكان إلى قسائم أرض جديدة، ولكن أين هي؟ مجرد وعود. كلام لا رصيد له من قبل سلطة توطين البدو. لا توجد أوراق أو توثيق رسمي. إنهم يتلاعبون بالناس ويغيّرون مسؤولين كل بضعة أشهر في ذات الأقسام المسؤولة، ولا تسلسل في التفاهمات مع المسؤولين وكل واحد ينسف ما وعد به من قبله. والنتيجة أن الناس هنا في العراء بلا مأوى".
في وصفه المشاهد وقسوة الحياة، يقول سويلم العمرني إن "حرب غزة أسهل من هذا. الهدم هو نفس الهدم، لكن الفرق أنه لا توجد جثث هنا. البيوت تُهدم ولا حلول للعائلات التي تسكن في هذه المناطق منذ عشرات السنين. هذه الحكومة اليمينية المتطرفة تريد أن تكسب أصواتاً ومقاعد في الكنيست على حساب البدو. في الأيام الأخيرة، كان هناك تحريض من قبل رئيس الحكومة السابق نفتالي بينت على البدو، كما وصل بن غفير ليصور فيديو هنا وينشره عبر المنصات، ليكسب أصوات المتطرفين من سكان بئر السبع وسائر الجنوب، إذ إن اليهود في الجنوب يصبحون أكثر تطرفاً. البدوي إنسان مسالم يريد العيش بأمان. هل مجرم مثل بن غفير وصي على البدو وهو من أتباع مائير كاهانا، وباروخ غولدشتاين مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي؟ هل مثله يعطينا درساً في الأخلاق وهو عديم الأخلاق".
هبوط الليل
هبط الليل علينا في قرية السر. البعض أوقد ناراً في المكان فما أشد وطأة الظلام وما يخفيه. جميع من التقيناهم تحدّثوا عن حر النهار وبرد ليل الصحراء في خيمة مفتوحة. أحدهم توجّه إلى خزان نُقل من مكان بعيد، صب بعض الماء بإبريق ليُعد الشاي. ليس الشاي مجرد مشروب هنا إلى جانب القهوة، بل جزء من نمط الحياة يجمع الناس حوله. أما العتمة فأضاؤوها بمولدات كهربائية أو بطاقة شمسية، من ألواح "نفدت بجلدها" من الهدم، في حين كانت عمارات بلدات يهودية قريبة مضاءة بالكامل. مع مضي بعض من الليل، ستنام عائلات بأكملها في مكان واحد مفتوح، يُسمى عريشة، يُسمى خيمة، وسط ركام لا خصوصية فيه، حتى في وقت النوم.
*المصدر : العربي الجديد

1