أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
النساء العربيات يزاحمن الرجال على عاداتهم السيئة !!
بقلم : يمينة حمدي  ... 12.11.2017

مشهد تدخين النساء أصبح مألوفا في المجتمعات العربية رغم الرفض الاجتماعي، ولكن التدخين سيظل غير آمن مهما قل عدد السجائر المستهلكة، فسيجارة واحدة يوميا يمكن أن تتسبب في العديد من الأمراض القاتلة التي كان بالإمكان تفاديها.
يُنظر على مر العصور إلى التدخين والأمراض الناجمة عنه على أنهما ظاهرة ذكورية، إلا أن اللافت اليوم أن النساء قد أصبحن يشكلن منافسا بارزا للرجال على التدخين بمختلف أنواعه ويتقاسمن مخاطره الصحية معهم، إذ تشير الإحصائيات إلى وجود امرأة مدخنة بين كل عشر نساء.
ويتزايد عدد المدخنات وبنسب مرتفعة في العديد من الدول العربية والإسلامية، لكسر الاحتكار الذكوري لهذه العادة السيئة، رغم وعي أغلبية النساء بمخاطر التبغ الكبيرة على صحتهن وجمالهن وصحة أطفالهن.
وأصبح من المألوف أن نجد نساء وفتيات مراهقات يدخنّ السجائر والنرجيلة في المقاهي العامة والمطاعم وأحيانا في الشوارع، وبعضهن طالبات والبعض الآخر موظفات أو ربات بيوت، وتحمل كل امرأة دوافعها الخاصة التي تجعلها تدخن، فالكثيرات يتعللن بضغوط العمل وأخريات بسبب المشاكل العائلية، وصنف آخر يجد في التدخين فرصة للتسلية وقتل الوقت، وهناك من يستهويهن “البريستيج” الذي يضفيه عليهن التدخين، ولكن مهما اختلفت دوافعهن فثمن متعتهن الآنية قد يكون في الغالب باهظا.
ويثير مشهد الممثلة الإيطالية مونيكا بيلوشي في فيلم "مالينا" غريزة أنثوية لدى النساء لمجرد مشاهدة الفيلم أو الصورة التي ترفع فيها بيلوشي سيجارتها بينما تتسابق أكف مجموعة من الرجال بالقداحات لإشعالها في نوع من خضوع الرجال للمرأة الجميلة المدخنة.
ومثل هذا المشهد قد يصبح دافعا قويا بالنسبة إلى المراهقات ليقتدين به في محاولة للبحث عن الذات، لكن السينما لا تصنع إلا الأحلام، بينما التدخين يسلب الأنوثة ويجلب الموت.
قاتل صامت
أكد الدكتور عمرو عبدالمحسن النمر استشاري أمراض النساء والتوليد وجراحات المناظير بجامعة الزقازيق المصرية، أن مخاطر التدخين على صحة المرأة أكثر بكثير بالمقارنة مع الرجل.
وقال النمر في تصريح لـ”العرب”، “التدخين قاتل صامت، ويودي سنويا بأرواح الآلاف من الرجال والنساء على حد سواء، وكان بالإمكان تفادي هذه الوفيات لو تجنب المدخنون هذه العادة المضرة من جميع النواحي”.
وأضاف “هناك الكثير من الدلائل التي تؤكد أن المرأة أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب الناتجة عن التدخين، ولكن هذا لا يعني أن الرجل في مأمن من ذلك، بل هو معرض أيضا إلى مخاطر جدية لا يمكن التغاضي عنها أو تجاهلها، ولذلك لا بد أن تركز استراتيجيات فعالة لمساعدة الجنسين للإقلاع عن التدخين نهائيا”.
وأوضح “تتعرض المرأة لمخاطر التدخين أكثر من الرجل لكونها أقل مقاومة للأمراض التنفسية، لكن الأبحاث بينت أيضا أن معدلات هرمون الأستروجين الأنثوي في جسم المرأة تتأثر سلبا بالتدخين، وهذا الهرمون يساعد على الحماية من الأمراض إلى جانب فعالياته الأخرى”.
وواصل “النساء الحوامل المدخنات أكثر عرضة للإجهاض ولحدوث المضاعفات أثناء الحمل والولادة، بالإضافة إلى ذلك، فالتدخين أثناء الحمل يزيد من فرص ولادة أطفال بعيوب خلقية، وانخفاض وزن المولود عن الوزن المتوسط، وأطفال أكثر عرضة للوفاة خلال الأسبوع الأول من الحياة، وكذلك حالات الموت المفاجئ في المهد”.
وشدد النمر في خاتمة حديثه على عدم الاستهانة بمخاطر التدخين ومضاعفاته، داعيا المدخنين من الجنسين إلى التفكير جديا في ترك التدخين كليا وليس بالاكتفاء بالتخفيف منه.
الرفض المجتمعي
يقابل تدخين المرأة غالبا بالرفض في مختلف المجتمعات العربية والإسلامية، وتكون الأحكام الاجتماعية على المدخنة قاسية جدا، على عكس الأمر بالنسبة إلى الرجل، إذ لا يثير تدخينه أحيانا أي ردود أفعال تحط من شأنه أو تنتقص من أخلاقه.
وأشار الصحافي العراقي مؤنس عبدالله إلى أن المجتمع العراقي يتشابه كثيرا مع بقية المجتمعات العربية في الحكم على المرأة المدخنة.
وقال عبدالله لـ”العرب”، “ليس من السهل تقبل بعض العادات التي تمارسها المرأة العربية حتى في أكثر المجتمعات العربية انفتاحا وتحضرا، وعادة التدخين مرفوضة رفضا قطعيا، ولا تليق بالمرأة العراقية، لأنها أمر معيب يفقد المرأة أنوثتها وقيمتها في وسطها الاجتماعي”.
وأضاف “أتفق كثيرا مع من يرى أن هذه العادة لا تليق بالمرأة العربية ومرفوضة رفضا قاطعا في مجتمعاتنا لأنها ظاهرة شاذة، رغم أنني أصبحت أشاهدها بشكل جلي في بلدي وفي البلدان العربية الأخرى التي زرتها”.
ويرى نايف الجهني الأستاذ بجامعة تبوك السعودية، أن التدخين سلوك بشري ولا يعرف التصنيف بين الرجل والمرأة. وقال الجهني لـ”العرب”، “المرأة كالرجل لديها رغباتها في ممارسة مثل هذا السلوك، ولكن تبقى النظرة الاجتماعية هي التي تؤطر الموضوع وتضفي عليه صبغة أخلاقية، فالتقبل أو الرفض أمر يصنعه المجتمع″.
وأضاف “لكن المشكل الأكبر هو أن المجتمع يسعى إلى مكافحة التدخين، بينما هو يزداد انتشارا بين الجنسين، لأن مكافحة أيّ أمر تجعله ينمو”.
وخوفا من نظرة المجتمع ورد فعل الأسر تضطر الكثيرات إلى التدخين في السر، مثلما هو الشأن بالنسبة إلى الطالبة التونسية نهى التي فضلت عدم ذكر لقبها العائلي.
وأشارت نهى في تصريح لـ”العرب” إلى أنها تدخن كلما اجتمعت بصديقاتها في الجامعة، وتمتنع عن ذلك في المنزل، لأنها تخشى من أسرتها التي تعارض بشدة فكرة تدخين المرأة، بل وتعتبر ذلك منافيا للأخلاق.
وحول قصتها مع التدخين قالت نهى “الفضول دفعني لتجربة أول سيجارة مع صديقاتي عندما كنت في السادسة عشرة من العمر، فانتهى بي الأمر إلى مدخنة، وقد حاولت مرارا الإقلاع عن ذلك إلا أنني عجزت، وكل ما أخشاه أن يكتشفا والداي الأمر، لا أدرى كيف سأتصرف، وبأي وجه سأواجههما وقتها، الله يستر”.
النظرة الدونية
تتحاشى معظم المدخنات اللاتي تحدثن لـ”لعرب” ذكر أسمائهن الحقيقية أو ظهور صورهن في الأضواء الإعلامية، على الرغم من تأكيدهن أنهن راضيات بما يقمن به ومقتنعات بأن تدخين المرأة من الأمور الاعتيادية التي لا تستدعي الخجل أو تثير التحفظ.
وكشفت فتاة أطلقت على نفسها اسم “شوشو”، أنها من المدخنات، ولكنها تحبّذ ألا يشيع خبر تدخينها بين عامة الأهل والأقارب، خوفا من نظرتهم الدونية ومن القيل والقال الذي سيلاحقها.
وقالت شوشو لـ”العرب”، “أنا مدخنة ولا أعتقد أن تدخين المرأة فعل مشين أو يتنافى مع الحياء العام، لكن من المؤسف أن البعض من الناس في مجتمعنا التونسي تسيطر على عقولهم الرواسب الرجعية التي تحط من شأن المرأة بصفة عامة وليس المدخنة فحسب، فما بالك أن تتجرأ المرأة وتدخن في الشارع كما يفعل الرجل حتما سينعتونها بالفاجرة أو المنحطة”.
وشددت شوشو على أنها تفضل التدخين في المطاعم أو المقاهي والأماكن المغلقة حتى تتجنب المضايقات، ولكنها أكدت أنها شاهدت بعض النساء يدخن في الشارع ولا يعرن اهتماما لما يدور حولهن من أقاويل.
وأوضحت “بصفة عامة النظرة للمرأة المدخنة في المجتمع التونسي تختلف من وسط اجتماعي إلى آخر، فلا أعتقد أن المرأة التي تدخن على سبيل المثال في مقهى شعبي سينظر إليها كما ينظر للمرأة التي تدخن في مقهى راق، وهذا أمر طبيعي يتحكم فيه سقف الوعي لدى شرائح المجتمع ومستواهم الثقافي، الذي قد يختلف أيضا باختلاف الأمكنة”.
وأضافت “اليوم لم يعد هنالك فرق بين المرأة والرجل في أيّ شيء، بل أحيانا المرأة تكون أفضل من الرجال وتؤدي أدوارا ومهمات جسيمة يعجز الرجال الشرقيون المتمسكون برجولتهم المزعومة على القيام بها، ومع ذلك فهم يبرعون في الحط من شأنها وتقزيمها، لا لشيء سوى لأنها مارست حقا من حقوقها الشخصية”.
وختمت شوشو بقولها “أكثر ما يثير حنقي أن المرأة التي تدخن النرجيلة لا ينظر إليها الرجال نظرة سلبية كما هو الشأن بالنسبة إلى المرأة التي تدخن السجائر، رغم أنهما مارستا فعلا واحدا وهو التدخين”.
ويعتقد الخبراء أن تغير أدوار الرجال والنساء في المجتمعات الحديثة جعل التدخين في صفوف النساء يصبح أكثر قبولا اجتماعيا، وتلعب الأمهات والصديقات المدخنات دورا هاما في اقتداء الفتيات المراهقات بهن، وكذلك نجحت حملات تسويق التبغ في تعزيز فكرة أن سلوك التدخين يتضمن صفات خاصة تشمل المساواة والتحرر والفتنة والجمال.
ثورة ضد القيود
قالت الاستشارية النفسية والتربوية الإماراتية ناديا بوهنّاد إن “إقبال المرأة في الماضي على التدخين كان بمثابة الثورة ضد قيود المجتمع الذكوري، ورغبة في تحقيق المساواة مع الرجل عن طريق تقليده، والشعور نفسيا وفكريا -بسلوك التدخين- أنها مثلها مثل الرجل، وما هو مسموح للرجل يجب أن يكون مسموحا لها”.
وأضافت بوهنّاد لـ”العرب”، “في الوقت الحاضر هناك العديد من العوامل الأخرى التي تجعل المرأة تلجأ إلى التدخين، فمعظم النساء يعتقدن أن التدخين سيساعدهن على الاسترخاء والتعامل مع الضغوطات اليومية، إلا أن هذا المفهوم عار عن الصحة”.
وأشارت قائلة “تشير البعض من الدراسات النفسية والاجتماعية إلى أن المرأة تلجأ إلى التدخين أكثر عندما تكون في حالة نفسية سيئة أو صعبة، وقد لوحظ أيضا أن المرأة التي تقلع عن التدخين تعود إليه مرة أخرى عند أول انتكاسة عاطفية أو نفسية”.
وأوضحت “هناك من تعتقد أن السيجارة تُساعدها على التحكم بمزاجها، وهذا أيضا ثبت نفسيا أنه غير صحيح، وإضافة إلى ما سبق يوجد العديد من النساء ممن يجربن التدخين ويستمر تدخينهن له لاعتقاد خاطئ في أذهانهن أن التدخين سيُساعدهن على كبح الشهية وخسارة الوزن”.
وواصلت بوهناد “وهناك الكثير من المراهقات اللاتي يلجأن إلى التدخين كنوع من التحرر من قيود الوالدين، ويكون هذا السلوك دائما في الخفاء وعند سؤالهن عن السبب يرجعن ذلك إلى رفيقاتهن، وحتى يكنّ مقبولات اجتماعيا بينهن، بينما الأساس هو التحرر من قيود الوالدين”.
ورجحت أن هناك سببين أساسيين يجعلان المرأة تقلع عن التدخين، فإما لإصابتها بمرض خطير، أو لحرصها على صحتها، وهذا هو الدافع الأهم الذي يجعلها تتوقف عن التدخين عن قناعة.
وقالت بوهناد في خاتمة حديثها “التدخين في صفوف النساء سلوك غير مقبول ضمنيا رغم انتشاره في المجتمعات العربية، فالمرأة المدخنة ينظر إليها في الغالب على أنها تتشبه بالرجال وأنها مسترجلة، بل ويمسّ هذا السلوك بسمعتها كما في المجتمعات الخليجية التي تعتبر تدخين المرأة سلوكا مشينا وغير مقبول على الإطلاق، وهذه المعلومة الأخيرة ليست خلاصة دراسات بقدر ما هي ملاحظات نسمعها من الرجال والنساء بشكل عام”.
وعلى الرغم من عدم وجود نصوص دينية صريحة لا في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية تحلل أو تحرم التدخين، إلا أن الشيخ نورالدين عيد إمام مسجد المغفرة بالقاهرة يعتبر أن الشرع قد أباح الطيبات وحرم الخبائث والمضرات.
وقال الشيخ عيد في حديث لـ”العرب”، “مما لا خلاف فيه ضرر وخبث الدخان ومشتقاته، والدليل على ذلك قوله تعالى ‘ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث’ وقد أصبح القطع بضرر السجائر قطعيا بالطب والعادة” .
وأضاف “الحل والحرمة أحكام شرعية لا تفرق بين ذكر وأنثى في أصل تشريعها كما نجد في الحديث النبوي ‘إن النساء شقائق الرجال’، وذكّر الله تعالى الرجال بحقوق النساء حتى لا يظن أحد أنهن ساقطات الحقوق، فقال سبحانه ‘ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف’، ولذلك خطاب الشرع كان للرجال والنساء والكبير والشاب والأحمر والأسود على حد سواء”.
وأوضح “مما لا ريب فيه أن تدخين النساء بجميع أصنافه يجمع العديد من المنكرات، منها السلوك التربوي الذي ستغرسه المدخنة في أولادها، وكذلك الصحي الذي ستؤذي به نفسها ويتعدى الضرر إلى أطفالها وأهلها، وأيضا الشرعي وهو ارتكاب المحرم، بالإضافة إلى ما ستتهم به من قلة حياء وتشبّه بالرجال”.
وختم الشيخ عيد بقوله “لتتق المرأة الله في نفسها وأهلها وولدها، ولا تخلع عنها ما زينها الله به من الحياء الذي هو رأس مالها من جمالها وعفتها".

*كاتبة من تونس مقيمة في لندن..المصدر: العرب
1