
قد يأمل بعض علماء الفلك المتفائلين في العثور على علامات على وجود كائنات فضائية على المريخ، لكن لم يكن أحد ليتوقع اكتشاف هياكل تُشبه أقراص العسل، أو قوالب الكيك والحلويات، وهو ما أشعل حالة من الذهول في أوساطهم.وقال تقرير نشرته جريدة «دايلي ميل» البريطانية، إن العلماء مذهولون بعد اكتشاف هياكل غريبة على سطح المريخ تبدو وكأنها «خليط من أقراص العسل، أو ربما رقعة من كيك الوافل».واكتشفت مركبة «كيوريوسيتي روفر» المريخية هذه الأشكال السداسية «الغريبة» داخل فوهة غيل، حيث هبطت المركبة عام 2012.ويقول العلماء إن هذه الهياكل ذات الشكل المذهل قد تحمل أسراراً حول كيفية نشأة الحياة على الكوكب الأحمر.وكتبت الدكتورة كاثرين أوكونيل-كوبر، عالمة جيولوجيا الكواكب في جامعة نيو برونزويك، في منشور على مدونة ناسا: «عند التخطيط هذا الصباح، وجدنا مساحة عمل بها كسور متعددة الأضلاع محفوظة بشكل مذهل. لقد رصدنا هذه الشقوق من قبل، ولكنها عادةً لا تكون محفوظة جيداً وواسعة النطاق مثل هذه».وتشير دراسات سابقة إلى أن هذه الأنواع من التكوينات ربما تكون قد تشكلت بفعل مواسم الأمطار والجفاف قبل 3.6 إلى 3.8 مليون سنة.ومع جفاف الكوكب، أدت دورات الأمطار والجفاف المتكررة إلى ظهور شقوق تشبه تلك التي قد تراها حول قاع بحيرة جافة على الأرض، والتي ظلت محفوظة منذ ذلك الحين.
وبعد اكتشاف شقوق قرص العسل الأسبوع الماضي، كلف علماء ناسا مركبة كيوريوسيتي بتحليل تركيبها.وباستخدام تقنية تُسمى «التحليل الطيفي للانهيار المُستحث بالليزر»، ستُطلق كيوريوسيتي نبضة ليزر على سطح العينة لإنشاء دفعة صغيرة من البلازما.ومن خلال النظر إلى الضوء المنبعث من هذه البلازما، يتمكن العلماء من تحديد أنواع المواد الكيميائية الموجودة في الصخور. كما تخطط وكالة «ناسا» لإجراء بعض القياسات للطبقة الصخرية القريبة دون أي هياكل قرص العسل للمقارنة.ومع ذلك، قد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل تحليل نتائج هذه الدراسات ونشرها. وفي هذه الأثناء، لا يزال مشغلو مركبة ناسا الجوالة غير متأكدين تماماً من ماهية هذه الهياكل المضلعة.ويقول الدكتور أوكونيل-كوبر: «أصل هذه الشقوق غير واضح – هل يمكن أن تكون قد تشكلت كشقوق جفاف مع بدء جفاف المريخ، منذ مليارات السنين؟ أم خلال فترات لاحقة عندما تحركت المياه الجوفية عبر صخور الأساس؟».وهذه ليست المرة الأولى التي ترصد فيها ناسا هياكل مضلعة منتظمة على المريخ، لكن العلماء ما زالوا يعملون على معرفة المزيد عن كيفية تشكلها.وفي السابق، اعتقد العلماء أنها شقوق طينية، مثل تلك التي قد تراها في مجرى نهر فارغ أثناء الجفاف، تشكلت مع جفاف المريخ الذي كان رطباً في السابق. ومع ذلك، أشارت تحليلات جديدة إلى أن أصولها قد تكون أكثر تعقيداً.
وفي عام 2021، التقطت «ناسا» لأول مرة صوراً لسلسلة من الشقوق المضلعة على سفوح جبل شارب، وهو قمة يبلغ ارتفاعها 3 أميال (5 كيلومترات) في فوهة غيل.وعُثر على الشقوق فوق رواسب طينية غنية، ربما كانت في السابق قاع بحيرة قديمة، وأسفل منطقة غنية بالكبريتات تُركت مع جفاف الماء.ودعم هذا في البداية فكرة أن الشقوق قد تشكلت بسبب جفاف بحيرة، لكن التحليلات اللاحقة أظهرت أن الشقوق الأحدث تحتوي على آثار من الكبريتات.وأشار هذا إلى أن البحيرة قد جفت عدة مرات، مما أدى إلى تدفق المياه الغنية بالكبريتات إلى الشقوق.ووفقاً للباحثين، يعني هذا أن الشقوق قد تشكلت خلال فترة كان فيها منسوب المياه في البحيرة يرتفع وينخفض موسمياً. وظهر شكلها المعقد الشبيه بقرص كيك «الوافل»، وازداد تعقيداً من خلال دورات الجفاف والرطوبة المتكررة.
وبما أن هذه المضلعات المكتشفة حديثاً لها شكل مشابه، فمن المحتمل أنها تشكلت من خلال عملية مماثلة. وإذا كان الأمر كذلك، فقد تحمل أدلة على كيفية تشكل الحياة على المريخ خلال ماضيه الرطب.وعلى الأرض، يعتقد العلماء أن دورات الرطوبة والجفاف المتكررة قد تكون هي السبب وراء تشكل المركبات العضوية الأولى، وهي جزيئات موجودة في جميع الكائنات الحية.ومع ارتفاع منسوب المياه وانخفاضه، تدخل مواد كيميائية جديدة باستمرار إلى البيئة، ما يشجع التفاعلات التي تُشكل جزيئات معقدة.وفي بيان صدر آنذاك، قال الدكتور أشوين فاسافادا، عالم ناسا، إن هذه العمليات ربما «عززت نشأة الحياة».
ومع ذلك، فإن هذه الهياكل الأصغر ليست الأنماط الغامضة الوحيدة التي رصدها العلماء على المريخ، ففي عام 2023، اكتشفت مركبة زورونغ الصينية 15 هيكلاً ضخماً شبيهاً بخلايا النحل، مخفياً على عمق عشرات الأمتار تحت سطح المريخ.ويبلغ عرض كل شق 70 متراً، ويحده 30 متراً من الجليد والطين الطيني المتشكل منذ ما بين مليارين و3.5 مليار سنة.وعلى الأرض، توجد هياكل مماثلة فقط في جرينلاند وأيسلندا والقارة القطبية الجنوبية، حيث تُسبب التغيرات المفاجئة في درجات الحرارة شقوقًا مليئة بالجليد والطين.ويعتقد العلماء أن عملية مماثلة ربما تكون قد أدت إلى انشقاق سطح المريخ أثناء اهتزازه حول محوره، مما أدى إلى تغيير جذري في درجات الحرارة الموسمية.وقد يكون هذا دليلاً آخر على كيفية تغير مناخ الكوكب الأحمر على مدى مليارات السنين الماضية، وما إذا كان صالحاً للحياة يوماً ما.
