
بيروت- في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها لبنان منذ أواخر عام 2019، تحوّل التوك توك إلى وسيلة نقل شعبية مفضّلة في عدد من المناطق، لاسيما ذات الدخل المحدود، ما أدى إلى انتشاره ليصبح “خارج السيطرة”.
بدأ ظهور التوك توك في الدول العربية بشكل ملحوظ في مطلع الألفية االثالثة، رغم انتشاره في الهند منذ أوائل ستينات القرن الماضي. وقد تطوّر استخدامه من وسيلة نقل فردية إلى وسيلة متعددة الاستخدامات، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي دفعت كثيرين إلى البحث عن بدائل منخفضة الكلفة.ورغم أن القانون اللبناني لا يجيز استخدام التوك توك كوسيلة نقل عامة، فإن الواقع فرض خلاف ذلك، ما دفع وزارة الداخلية مؤخرًا إلى إصدار قرار يقضي بمنع استخدامه لنقل الركاب، وحصره في الاستخدام الفردي أو نقل البضائع، وهو ما أثار احتجاجات واسعة من قبل مستخدميه في مدن لبنانية، أبرزها طرابلس وصيدا والبقاع.
وظهر التوك توك في شوارع لبنان بشكل ملحوظ قبل نحو خمس سنوات، وتزايدت أعداده نتيجة انهيار القدرة الشرائية للمواطنين. وتتراوح أسعار هذه العربة بين 1500 و3000 دولار، بحسب حجمها وتجهيزها، وتُسجّل قانونيًا في لبنان تحت بند “دراجة آلية ثلاثية العجلات” مخصصة للاستخدام الفردي أو التجاري.وأصبح التوك توك واقعًا لا يمكن تجاهله، والاستفادة منه لا تقتصر على سائقه فقط، بل تمتد إلى الدولة التي تجني أرباحًا من تسجيله ورسومه.ورغم ذلك تحوّل التوك توك إلى وسيلة نقل عامة غير مرخّصة، بسبب كلفته التشغيلية المنخفضة مقارنة بسيارات الأجرة، إذ لا تتجاوز أجرته ثلث تعريفة النقل التقليدي، ما جعله مقبولًا لدى شريحة واسعة من السكان.
وفي بعض الدول يتم تنظيم استخدام التوك توك بشكل صارم، ويخضع لفحوصات دورية، ويُلزم السائقون بالحصول على تراخيص خاصة. كما أن بعض مركبات التوك توك الحديثة تأتي مزوّدة بميزات أمان إضافية.في 8 يوليو الجاري أصدرت وزارة الداخلية اللبنانية تعليمات لقوى الأمن تقضي بتطبيق القانون ومنع التوك توك من نقل الركاب، تنفيذًا لقانون السير ومراعاة للسلامة العامة، رغم أن شهادة الجمرك التي تُمنح للتوك توك ما زالت تصنّفه على أنه آلية لنقل الركاب، كما يُسجّل صكّ البيع تحت مسمى “توك توك – دراجة نارية”، وكل ذلك بغطاء قانوني.
وقال رئيس بلدية طرابلس عبدالحميد كريمة إن البلدية باشرت تنفيذ القرار، مؤكدًا أن تنظيم هذا القطاع بات ضرورة في ظل “الفوضى” الناتجة عن انتشاره غير المنظّم.وأوضح كريمة أن الكثير من عربات التوك توك تجوب شوارع المدينة بشكل غير قانوني، مشددًا على ضرورة تخصيص مسارات لها وتنظيم عملها بما يتناسب مع واقع طرابلس، ثاني أكبر مدن البلاد.
هذا الوضع القانوني غير الواضح يخلق فوضى في قطاع النقل، حيث يعمل سائقو التوك توك غالبًا من دون لوحات تسجيل أو تأمين، ما يثير مخاوف بشأن السلامة العامة والمساءلة في حال وقوع حوادث.قرار وزارة الداخلية قوبل برفض واسع من سائقي التوك توك، الذين يرونه تهديدًا لمصدر رزقهم الأساسي، خصوصًا في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة.
طارق عاصم، أحد سائقي التوك توك في طرابلس، قال إنه اضطر إلى الاستدانة لشراء العربة وإعالة أسرته، مضيفًا “القرار مجحف، ومستقبلنا أصبح في المجهول.”
أما زكريا مراد فقال إنه اشترى التوك توك بمبلغ 3 آلاف دولار، وأضاف إليه نحو 600 دولار لتسجيله رسميًا في مصلحة السير التابعة لوزارة الداخلية، مضيفًا “ها نحن نفاجأ اليوم بقرار منع نقل الركاب.”
وطالب مراد الحكومة بإيجاد حلول بديلة بدلًا من المنع الكلي، مؤكدًا أن التوك توك صار وسيلة نقل أساسية لأكثر من 500 سائق في طرابلس وحدها.من جهتها قالت فاطمة العلي، وهي من مستخدمي التوك توك، إن هذه الوسيلة تلبي حاجاتها اليومية بسهولة، معتبرة أن حظرها سيضر بشريحة واسعة من المواطنين.وقال وسام العبد، أحد سكان طرابلس، إنه يستخدم التوك توك كوسيلة نقل، لكونه أسرع وأقل كلفة من سيارات الأجرة التقليدية، مشيرًا إلى أنه “بدلًا من حظر استخدامه، يجب التوصل إلى حل لا يمنع هذه الوسيلة من تقديم خدمة التوصيل داخل المدن.”
بدورها أصدرت جمعية “حقوق الركاب” (غير حكومية) بيانًا في 11 يوليو الجاري، دعت فيه إلى تعديل قانون السير اللبناني ليتماشى مع واقع استخدام التوك توك كوسيلة نقل منخفضة الكلفة تخدم الطبقات الفقيرة والمناطق المحرومة من وسائل النقل العام.وأشارت الجمعية إلى أن غياب مشاريع نقل جماعي فعالة، مثل المترو أو القطارات، ساهم في اعتماد شريحة واسعة من اللبنانيين على بدائل منخفضة الكلفة مثل التوك توك، في ظل ارتفاع أسعار المحروقات وفوضى النقل في البلاد.وأكدت أن الحكومات المتعاقبة عجزت خلال السنوات الماضية عن توفير خيارات نقل مستدامة ومنخفضة الكلفة، تخفف عبء النقل عن كاهل المواطنين، ما دفعهم إلى البحث عن بدائل تلبي احتياجاتهم اليومية بأسعار مقبولة.ويفتقر لبنان إلى منظومة نقل جماعي متكاملة، إذ تقتصر وسائل النقل العمومية على سيارات الأجرة والباصات الصغيرة والكبيرة، بينما تغيب وسائل النقل الحديثة مثل المترو والقطار، ما يضاعف أعباء التنقل، خصوصًا على ذوي الدخل المحدود.وفي ظل هذا الواقع يبقى التوك توك خيارًا عمليًا في الكثير من المناطق، لكنه في الوقت نفسه يشكل تحديًا للسلطات بين ضرورة التنظيم وواقع الفقر الذي يدفع المواطنين إلى التمسك به.
