
لم يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن أي حرب جديدة، لكنه قد يتورط في التدخل العسكري في شمال المكسيك بحجة محاربة عصابات المخدرات، الأمر الذي قد يؤدي إلى توتر خطير في القارة الأمريكية.ولم يدخل الرئيس ترامب أي حرب جديدة، سواء في ولايته الأولى، ما بين 2017-2021، ولا الحالية، وإنما يستمر، وبدرجة أقل، في الحروب التي أشعلها أسلافه، مثل الهجمات التي ينفذها حاليًا ضد اليمن. ويبقى التدخل العسكري الوحيد حتى الآن، الذي يمكن أن يغامر به، هو التدخل العسكري المحدود في شمال المكسيك ضد عصابات تهريب المخدرات.بدأت مسيّرات أمريكية بالتحليق في مناطق شمال المكسيك، الأمر الذي يتسبّب في حرج للرئيسة والجيشولا يُعتبر هذا جديدًا على البيت الأبيض، بل هو مقترح مطروح على طاولة الرؤساء الذين تعاقبوا على البيت الأبيض، منذ بداية القرن الجاري. وكان الرئيس الأسبق جورج بوش الابن هو من حاول التوصل إلى اتفاق مماثل مع المكسيك في هذا الشأن.في هذا الصدد، وكما كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال”، في 16 أبريل الماضي، اقترح الرئيس الأمريكي، في مكالمة هاتفية مع رئيسة المكسيك كلاوديا شيمباوم، تدخل قوات النخبة الأمريكية لقيادة مكافحة الجريمة المنظمة في المكسيك، وبالتالي الحد من تصدير الكوكايين، وخاصة مخدر الفنتانيل الخطير.وكشفت رئيسة المكسيك، نهاية الأسبوع، عن مضمون المحادثة الهاتفية، وقالت: “أراضينا مصونة، وسيادتنا مصونة”.من جانبه، أكد ترامب الاقتراح العسكري، ويشدد عليه، وانتقد نظيرته المكسيكية، مدعيًا أنها “خائفة جدًا من كارتلات المخدرات لدرجة أنها لا تستطيع حتى التفكير بشكل سليم”.ومن جهتها، تبرز جريدة “الباييس” في طبعتها الخاصة بأمريكا اللاتينية، أن إدارة ترامب منقسمة حول المكسيك، حيث يطالب طرف بضرورة التدخل العسكري لإنهاء تصدير المخدرات القوية، وطرف يُحذّر من أن التدخل العسكري سيؤدي إلى توتر خطير في العلاقات.وتنشر جريدة “أونيفرسال” المكسيكية، في عدد الثلاثاء من الأسبوع الجاري، مقالًا بعنوان “ماذا سيحدث في حالة تدخل عسكري أمريكي في المكسيك”، أن ترامب يسعى إلى فرض تدخل عسكري مباشر للجيش الأمريكي في الأراضي المكسيكية لمحاربة عصابات المخدرات.وترفض المكسيك بشدة هذا التدخل، لانعكاسات كثيرة، منها الصورة التي ستصبح لها في المنتظم الدولي بأنها دولة عاجزة عن محاربة المخدرات، ثم التوتر الداخلي في البلاد، الأمر الذي قد يؤدي إلى حالات تمرد.وكانت الولايات المتحدة قد وقّعت اتفاقًا مع كولومبيا، سنة 1999، لمحاربة عصابات المخدرات، وتضمّن المشاركة العسكرية، إلا أن النتائج أكدت، مع مرور الوقت، بأن تصدير المخدرات لم يتراجع، وسجلت المناطق المستهدفة ترحيلًا قسريًا للكثير من المواطنين، وخروقات خطيرة لحقوق الإنسان، بما فيها الاغتيالات والمفقودون.وتكتب جريدة “أونيفرسال”، في مقالها المذكور، أنه أخذًا بعين الاعتبار نتائج التنسيق العسكري الأمريكي مع كولومبيا، ستكون النتائج في المكسيك كارثية.ويسود الاعتقاد بتمهيد ترامب للتدخل العسكري في شمال المكسيك، ولو بشكل محدود، أو سيفرض التنسيق مع رئاسة هذا البلد، وذلك بعدما أعلنت ست عصابات مكسيكية لتهريب المخدرات، يوم 20 فبراير الماضي، بأنها منظمات إرهابية. وهذا التصنيف الجديد لعصابات المخدرات بالإرهاب، يسمح للقوات العسكرية الأمريكية بالتحرك خارج الحدود للقضاء على مصدر الخطر إذا توصلت بأوامر من الرئيس.والمثير أنه، بالتزامن مع هذا القرار، بدأت طائرات مسيّرة عسكرية أمريكية من نوع “إم كيو 9” التحليق في بعض مناطق شمال المكسيك لمراقبة عصابات المخدرات، الأمر الذي يتسبّب في حرج للرئيسة والجيش في المكسيك أمام المواطنين.الولايات المتحدة وقّعت اتفاقًا مع كولومبيا لمحاربة عصابات المخدرات، إلا أن النتائج أكدت بأن تصدير المخدرات لم يتراجع وكما رفع ترامب من توظيف الجيش في مواجهة الهجرة القادمة من المكسيك، بمعنى “عسكرة الهجرة”، قد يُقدم على قرارات مشابهة في مواجهة المخدرات، والبداية مع طلعات الطائرات المسيّرة التي تبحث عن مصانع إنتاج مخدر الفنتانيل، وربما قصفها في المستقبل.وتعتبر الولايات المتحدة المخدرات القادمة من المكسيك الخطر الأكبر عليها، حيث توفي، ما بين أكتوبر 2023 وسبتمبر 2024، أكثر من 87 ألف شخص بسبب المخدرات، خاصة مخدر الفنتانيل.وكان ترامب قد اتّهم، في حملته الانتخابية الأخيرة، الصين بالوقوف وراء تصنيع هذا المخدر عبر عصابات المكسيك، وتشجيع تهريبه إلى الولايات المتحدة لتدمير المجتمع الأمريكي.
