
بهمة عائلاته العائدة من الشمال السوري، بدأ، بعض من الحياة يدب في عروق حي جوبر الدمشقي، الذي دمرته آلة حرب النظام السابق بشكل شبه كامل.الحي يقع إلى شرق منطقة العباسيين في العاصمة وإلى الجنوب منه قليلا باتجاه الزبلطاني وسوق الهال، أو إلى الشمال باتجاه حي القابون.وفي هذه المساحة غزت العمارة الحديثة بعض الأحياء، إلا أن مساحات أخرى مهمة حافظت على طابع البناء الكلاسيكي لمدينة دمشق وريفها، حيث الجدران المبنية من الطوب الطيني والسقوف الخشبية المغطاة أيضا بالطين، وكانت بمثابة الجسر الواصل بين العاصمة وريفها القريب ممثلا بالغوطة الشرقية.مئات العائلات من أهالي الحي عادت من الشمال السوري بعدما كانت قد اضطرت لمغادرتها منذ نحو خمس سنوات، وفق تسويات جرت حينها تحت رعاية روسية في إطار مناطق خفض التصعيد، وانتهت بخروج المعارضين وأسرهم إلى الشمال السوري، وتوقف عمليات القصف الممنهج التي استخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة من قنابل الطائرات الثقيلة وصواريخها أو المدفعية و»مدافع جهنم» وراجمات الصواريخ.الدمار كبير في جوبر وتشير التقديرات إلى أن 90% من منازل ومرافق الحي مدمرة بالكامل، ومع ذلك، فإن عائلات كثيرة عادت لتتفقد منازلها ولتجد معظمها وقد سويت في الأرض وتحتاج إعادة بنائها وترحيل الكم الكبير فيها من الأنقاض، إلى إمكانيات شركات ضخمة، وفق شهادات السكان.ولطالما ظل جوبر أحد أهم رموز الثورة السورية، فالحي الذي كان يقطنه ما يقارب من 300 ألف نسمة، دخل ركب الثورة منذ أيامها الأولى، وظل عصياً على جيش النظام، ودارت المعارك فيه بين منزل وآخر، وليس فقط فوق الأرض وإنما من تحتها عبر الأنفاق التي برع المعارضون باستخدامها، ما دفع جيش النظام السابق إلى قصفه بشكل عشوائي ومكثف وتدميره كله تقريباً، بعد أن عجز عن السيطرة عليه. وحتى بعد انتهاء المعارك وفق اتفاق خفض التصعيد، حاصره جيش النظام ومنع أي أحد من الدخول إليه بعدما وضع حواجزه العسكرية على مداخله. المصادر التي تحدثت إليها «القدس العربي» أوضحت أن الأهالي العائدين زاروا بداية الحي، لكنهم اليوم يسكنون في معظمهم لدى أقاربهم في العاصمة، أو في منازل تم تخصيصها لهم في بعض مناطق ريف دمشق إلى أن تتم إعادة إعمار الحي من جديد.وأشارت المصادر إلى وجود تخوف كبير من معظم الأهالي من استملاك منازلهم على غرار مشروع «المرسوم 66» الشهير في دمشق، والذي قامت بموجبه المحافظة في زمن النظام السابق، باستملاك عقارات الأهالي الواقعة في بساتين كفرسوسة والرازي بحجة تنظيم المنطقة.وبناء على هذا التخوف، واستجابة لمطالب المحافظة، قالت المصادر: تم تشكيل لجان تضم مهندسين من الحي ذاته، وقدمت مجموعة من المقترحات إلى محافظة دمشق حول علمية إعادة الإعمار، منها بناء مساكن حديثة مع الحفاظ على المدينة القديمة، أي أن يتم تنظيم المنطقة بشكل حديث إلى جانب الاحتفاظ بالطابع التراثي والمعماري للحي.كما اقترحت اللجنة العودة إلى المخطط التنظيمي لجوبر قبل عام 2011، بحيث تتم إعادة تأهيل المنطقة بشكل يتماشى مع الواقع السكاني والعمراني الذي كان قائماً قبل الثورة، مع السماح للأهالي بترميم منازلهم بدلاً من إزالتها.مصادر من محافظة دمشق تحدثت إليها «القدس العربي» قالت إنه بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بدأت المحافظة بوضع اللمسات الأخيرة على مخطط جديد للحي، وإن مديرية التنظيم العمراني في المحافظة تقوم بدراسة المخطط لتقوم بعرضه لاحقاً بهدف إقراره، مشيرة أن المخطط يهدف إلى الحفاظ على حقوق الملكية للأهالي، وأن الأمور تسير بشكل أفضل.وأصدرت محافظة دمشق في عام 2022 مخططاً تنظيمياً بموجب أحكام قانون التخطيط وعمران المدن رقم 23 لعام 2015، أعطى الحق للوحدة الإدارية بالاقتطاع المجاني بنسبة تصل إلى 50 % من الملكيات الخاصة في مراكز المحافظات.وأكثر ما يميز حي جوبر الدمشقي هو في وجود معالم دينية هامة ضمنه، وكان يقطنه سكان من أتباع الطائفة اليهودية، لكن معظم هؤلاء هاجروا بعد قيام كيان الاحتلال الإسرائيلي.ويقع في الحي كنيس «إلياهو هانابي» الذي يعتبر أحد أقدم المعابد اليهودية في العالم، ويعود تاريخ بنائه إلى 720 سنة قبل الميلاد، وقد تعرض لأضرار جسيمة نتيجة القصف وجاءت عليه بشكل كامل تقريبا.وبعد سقوط نظام الأسد استقبل الحي العديد من الوفود الرسمية وغير الرسمية، كان من بينهم وفد من اليهود السوريين المقيمين في الولايات المتحدة الذين زاروا الكنيس في شهر شباط/ فبراير الماضي، إلى جانب مواقع أخرى ذات أهمية تاريخية وثقافية لهم، وتعهدوا بإعادة ترميم الكنيس المدمر.وفي آذار/ مارس الماضي، زارت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك الحي، وأكدت التزام ألمانيا بمواصلة المساعدات الإنسانية لسوريا، كما زار الحي في نيسان/أبريل الماضي وفد من الكو الكونغرس الأمريكي ضمن جولة تهدف إلى تقييم الوضع في سوريا بعد سقوط النظام.
*المصدر : القدس العربي
