*شعبية كبيرة مستمرة لسباقات الحمام في البلدان العربية رغم عدم استقرار المنطقة وخصوصا مع انتشار كورونا.
القاهرة - أطلق عبدالرحمن جمال من أعلى عُش حمامه الخشبي المطل على أهرام الجيزة في مصر، صافرته ليحلّق حوالي 20 من طيوره في السماء التي تكسوها حمرة الشفق وقت الغروب.
وبدأ جمال (30 عاما) شغفه بتربية الحمام منذ أن كان في السادسة من عمره، قائلا إنها “هواية لطيفة تشغل وقتك عندما تكون في المنزل، وتُجنّبك القيام بأفعال خاطئة”.
وورث جمال حب الحمام عن جده وخاله، ويقوم مع شقيقه الأصغر عمر (28 عاما)، بتدريب نحو 40 طائرا أعلى سطح منزل العائلة في حي “نزلة السمّان”، عند سفح الأهرام غرب القاهرة.
وأوضح أحمد خليفة، رئيس الاتحاد المصري للحمام الزاجل، أن تربية الحمام في مصر ترجع إلى تاريخ العصر الفرعوني، مشيرا إلى أن “نقوشا تمثّل الحمام كانت موجودة على جدران المعابد”.
ولا تقتصر هذه الهواية على ضفاف النيل فقط، فقد برز نشاط تربية الحمام أيضا بين الذكور في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، بدءا من تنظيم سباقات وألعاب بين الطيور وأصحابها، وصولا إلى موائد الطعام.
ورغم عدم استقرار المنطقة وخصوصا مع انتشار جائحة فايروس كورونا، لا تزال سباقات الحمام تحظى بشعبيتها في البلدان العربية.
ويحرص السوريون على تنظيم أسواق بيع الحمام وشرائه حتى في مخيمات النازحين مثلما يحدث في إدلب (شمال شرق البلاد) في وقت دفعت الحرب مصحوبة بالأزمة الاقتصادية العديد من مربّي الحمام إلى بيع طيورهم.
واستمرت سباقات الحمام كذلك في اليمن، خلال العام الماضي رغم الصراع الدائر هناك، في أكثر من منطقة.
180 ألف دولار ثمن حمامة سباق نادرة بيعت في العراق، بينما يصل سعر بقية الأنواع إلى عشرات الآلاف
وفي العراق، وبعد أن شاعت هواية تربية الطيور بين الناس، بدأت نظرة المجتمع تتغير بالنسبة إلى المربّين الذين لطالما اُتهموا بانعدام الأخلاق والمسؤولية.
ويصل سعر حمام السباقات إلى عشرات الآلاف من الدولارات، وعلى سبيل المثال فقد بلغ بيع إحدى الحمامات في العراق 180 ألف دولار.
وتصل سرعة الطيور إلى حوالي 100 كيلومتر في الساعة ويمكنها السفر للمئات من الكيلومترات، بحسب خليفة.
وشهدت سباقات الحمام في المغرب فترة توقف العام الماضي بسبب جائحة كورونا.
وقال صلاح الدين خنوس، نائب رئيس الاتحاد الوطني لحمام السباق في الدار البيضاء، “نأمل أن نعوضها هذا العام بعدما أجريت سباقات عدة”.
أما في مصر، فينظم الاتحاد الوطني للحمام سباقين سنويا: أحدهما تبلغ مسافته 600 كلم من القاهرة إلى السلوم (شمال غرب) والآخر يبلغ 700 كلم من العاصمة إلى أسوان (جنوبا)، بمشاركة الآلاف من الطيور.
ولفت خليفة إلى أن المسابقات الأكثر شعبية في هذا المجال تتمثل في “الديربي” غير الرسمي الذي يحصل الفائزون به على جوائز مالية تصل إلى حوالي 159 ألف دولار.
وتنتشر منافسات الحمام بين أصحاب الطيور في مصر، خصوصا في المناطق الفقيرة، حيث تعلو العديد من المباني أعشاش الحمام الخشبية التي يتم طلاؤها بألوان زاهية ويطلق عليها اسم “غيّة”.
واعتاد المصريون على مسابقات الحمام اليومية، إذ يطلق كل مربٍّ طيوره في السماء، آملا في أن تتمكن من ضم طيور غيره إلى سربه.
ويعلّق جمال، الذي اعتادت عائلته وضع خواتم في أرجل الطيور تحمل بياناتها مثل تواريخ الميلاد والأسماء وتفاصيل الاتصال به، “إذا هبطت عندي حمامة غريبة، تصبح ملكا لي.. أسيرتي”.
ويحاول الخصم، بحسب جمال، استعادة طائره خلال منافسة الأيام التالية أو بدفع فدية مباشرة.
وأوضح الشاب الثلاثيني، الذي تتراوح أسعار طيوره بين 1.2 و64 دولارا لكل طائر، أن أسعار هذه الطيور تُحدد وفقا لمعايير معيّنة مثل السلالة ولون الريش أو حتى التحمل.
ولا يشغل شقيقه الأصغر عمر باله سواء بالمنافسة أو التحدي، حيث يقول مازحا “الحمام مثل لاعبي كرة القدم حينما يدخلون إلى أرض الملعب، وأنا مدربهم”.
وتهز سماء لبنان في وقت الغروب المنافسة نفسها تحت اسم “حروب الحمام”، وفي بيروت كان يطلق اسم “صخرة الحمام” على معلم العاصمة السياحي الشهير “صخرة الروشة” في البحر الأبيض المتوسط.
ومن جهة أخرى، هناك شعوب في المنطقة تفضل الحمام على موائد الطعام. وتوجد وصفات طهو للحمام توارثتها الأجيال من المغرب إلى الخليج، مرورا بمصر، حيث يعتبر طبق “الحمام المحشي”، سواء بالأرز أو القمح، من أشهر الأطباق المرغوبة خصوصا بين الرجال بسبب ما يُعتقد عن فوائده للصحة الجنسية.
ويقول خالد علي مدير مطعم الحمام المصري الشهير “فرحات”، في حي المهندسين غرب القاهرة “يعتقد المصريون منذ القدم بأن الحمام يمنح الزوج الطاقة في ليلة الزفاف”.
وأكد طالب الطب الأردني بشار الملكاوي، وهو أحد زبائن المطعم، “إذا كنت تريد حقا احتضان القاهرة بأفضل طريقة، فعليك بتناول الحمام المحشو”.
"ديربي الحمام" يلهب حماسة الشباب العربي!!
11.03.2021