أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
173 74 75 76 77 78 791135
البحث عن الذهب يخلف الأمراض ودمار البيئة في السودان!!
21.07.2022

تشتبه السودانية عوضية أحمد بأن كومة من مخلفات التعدين قرب منزلها في قرية نائية بشمال السودان كانت وراء ولادة أصغر أطفالها الذي يحمل اسم طلب مصابا بالعمى والشلل.
خلال السنوات الأخيرة، توافد عدد متزايد من عمال المناجم إلى قرية بانت في ولاية نهر النيل شمال الخرطوم والتي تقطنها أحمد، بحثا عن الذهب، ما جعل القرية موقعا يتخلّصون فيه من نفاياتهم المحملة بمواد كيميائية سامة مثل مادة الزئبق التي تستخدم في استخراج الذهب.وقالت أحمد التي كان يستلقي بجوارها طفلها طلب غير قادر على الحركة “أشقاؤه الأربعة ولدوا بصحة جيدة لكن طلب هو الوحيد الذي ولد بعد انتشار تراب الكرتة (مخلفات تعدين الذهب)”.وينتشر قطاع التعدين الأهلي أو التقليدي للذهب في معظم أنحاء السودان، ويعمل فيه أكثر من مليوني شخص ينتجون حوالي 80 في المئة من كمية الذهب الإجمالية المستخرجة في البلاد.وساهم انفصال جنوب السودان الغني بالنفط عن السودان في انتشار التعدين التقليدي وازدهاره، خصوصا في ظل معاناة السودانيين من الظروف الاقتصادية الصعبة وعقوبات دولية تحت حكم الرئيس المخلوع عمر البشير الذي أطاحه الجيش في أبريل 2019 إثر احتجاجات شعبية حاشدة.ويشكّل التلوث الكيميائي الناجم عن استخراج الذهب أخطارا صحية على مجتمعات التعدين والمقيمين قرب الأماكن التي تنشط فيها أعمال التعدين.وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن التعرض للزئبق يشكّل خطرا على الأجهزة العصبية والهضمية والمناعة لدى الإنسان، وقد يكون قاتلا.إلا أن التعدين يعتبر مصدر ربح سريع ويجذب عددا كبيرا من الأشخاص الذين يعانون ظروفا معيشية صعبة في أحد أفقر بلدان العالم.وفي بانت، القرية التي يبلغ عدد سكانها حوالي ثمانية آلاف نسمة، لاحظ العديد من القرويين وبينهم أحمد، ظهور العديد من حالات تشوهات المواليد الجدد وإجهاض النساء بعد انتشار نشاط التعدين.
وفي منزل مجاور لمسكن أحمد، قال عوض علي حاملا ابنته البالغة 8 سنوات “نفيسة (ابنته) ولدت طبيعية جدا ونمت بصورة عادية وعندما بلغت الثالثة صارت لا تقوى على الحركة ولا الحديث”.
وقال الجعلي عبدالعزيز وهو ناشط مجتمعي في قرية بانت “منذ خمس سنوات ومع انتشار الكرتة، بدأت تظهر ولادات مشوهة وعمليات إجهاض”، مشيرا إلى أنه في هذا العام ولد 22 طفلا مشوهين.
وأظهر تقرير صدر في يناير عن مجموعة من الباحثين السودانيين، أن حوالي 450 ألف طن من مخلّفات تعدين الذهب المليئة بالزئبق تنتشر في المنطقة في ولاية نهر النيل.
وأظهرت عينات من الدم والبول ومياه الشرب والتربة في أرجاء عدة من الولاية، مستويات مرتفعة من آثار الزئبق وفق التقرير.
وأكد الباحث السوداني في مجال البيئة صالح علي أن التخلص من هذه المخلفات يحتاج إلى “متخصّصين وتعامل محدد ويجب أن يتم ذلك بعيدا عن أماكن السكن ومصادر المياه”.
وفي بانت، غالبا ما يُشاهد المعدنون اليائسون وهم يحاولون استخراج المعدن النفيس من أكوام الكرتة، آملين في تخفيف وطأة الضغوط الواقعة على عائلاتهم نتيجة الاضطرابين السياسي والاقتصادي في السودان.
وأدى الانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر إلى تعميق الأزمة الاقتصادية في البلاد، خصوصا بعدما أوقف المجتمع الدولي بعض المساعدات المالية للبلاد التي تشهد ارتفاعا شديدا في معدل التضخم تصاحبه أزمة في توافر النقد الأجنبي.
وفي أحد مواقع التعدين، على مسافة حوالي 50 كيلومترا من قرية بانت، كان محمد عيسى يخلط الزئبق بالرمل في وعاء معدني كبير، آملا في أن يفصل الذهب عن المعادن الأخرى.
وقال عيسى إنه ترك الزراعة والرعي في ولاية شمال كردفان في وسط البلاد بحثا عن المعدن الأصفر.
وأَضاف الشاب البالغ 25 عاما وهو يمسك بيديه العاريتين مزيجا مليئا بالزئبق “هذه هي الطريقة التي يفعلها الناس هنا”.
وفي العام 2019 أصدرت حكومة السودان الانتقالية التي حلّت بموجب الانقلاب العسكري قرارا يحظر استخدام الزئبق بعد احتجاجات ضد استخدامه في مناجم الذهب في منطقة كردفان.
لكن القرار لم ينفّذ إلا بشكل محدود واستمر عمال المناجم في تنفيذ نشاطاتهم في مناطق معزولة بعيدة، وفقا للأستاذ في جامعة النيلين السودانية صالح علي صالح.
ورفضت الشركة الحكومية التي تشرف على نشاطات التعدين في السودان التعليق.
ويُعد السودان أحد أكبر منتجي الذهب في القارة الأفريقية، إذ بلغ إنتاجه 30.3 طن من الذهب في النصف الأول من العام 2021 وحده، بحسب الإحصاءات الرسمية.
وبلغت عائدات الذهب لخزينة حكومة السودان 720 مليون دولار خلال الربع الأول من العام 2022، وفق تقرير التجارة الخارجية الصادر عن بنك السودان المركزي.
ومع استمرار ازدهار النشاط، أعرب صالح عن قلقه بشأن الأثرين الصحي والبيئي للتعدين التقليدي.
وأوضح لوكالة فرانس برس “التعدين التقليدي خلّف دمارا للبيئة في مختلف مناطق السودان حتى الصحراوية بالأضرار الفيزيائية التي تسببها الحفر العميقة التي يتركها المعدّنون”.
وأضاف “من الصعب التحكم في هذا النشاط والآن انتقل المعدّنون التقليديون من استخدام الطرق البدائية إلى الآليات الثقيلة”.

1