**ثمانينية تدرب سوريات على صناعة أثواب الحرير بالطريقة الحموية...."صرّ القز" حرفة يدوية احتفظت بعراقتها على مدار السنوات بعيداً عن المكننة والآلات الصناعية، ورغم تعرضها للكثير من التغيرات التي أدت إلى تراجعها تعمل السورية الثمانينية شمسة محمد بلال على إحيائها على أمل أن تعمل المتدرّبات على تطويرها بإبداع لصناعة مناديل وأزياء تراثية وشالات من الحرير الطبيعي.
دمشق- تقضي السورية شمسة محمد بلال، البالغة من العمر ثمانين عاما، معظم يومها وهي تعلم الشابات مهنة “صر القز” حرفة خيوط الحرير في عقد وتشكيله على هيئة قطع قماشية وهي شكل من أشكال الفنون يخشى كثيرون اندثاره في جميع أنحاء البلاد.
وتتكبد السيدة الثمانينية عناء السفر من حماة إلى دمشق لتدريب عدد من السيدات على مهنة إنتاج الحرير في خان أسعد باشا بدمشق القديمة حيث بينت أنها تعلمت هذه المهنة من والدة زوجها منذ أكثر من 60 عاماً.
وتبدأ حرفة الحرير بتربية شرانق القز التي تحتاج من أربعين إلى خمسين يوماً لتصبح الدودة جاهزة للإنتاج حيث يتم وضع هذه الديدان بغرفة نظيفة ومعقمة وتوضع في أطباق بلاستيكية أو قش وترفع عن الأرض بواسطة حوامل خشبية ويتم في الأسبوع الأول تقديم ورق التوت مفروماً بشكل ناعم لتتمكن الشرانق من تناوله، وفي الأسابيع التالية تتم زيادة كمية الورق المفروم كون الدودة ستكبر تدريجياً وتتغذى على أوراق نبات التوت ذي الثمار البيضاء لتنتج أجود أنواع الحرير.
وتتألف عملية صرّ القز التي تستهدف صناعة أثواب القز بالطريقة الحموية في سوريا من طريقة تقليدية يتم فيها ربط عقد بأقمشة حريرية خام بأشكال معينة، ثم يتم صبغها بألوان مختلفة لتشكل في النهاية أنماطا ملونة بعد فك العقد.
وقالت شمسة بلال “صحيح أنا مريضة لكنني ما زلت أشتغل كمشرفة، أوجه الفتيات في عملية صرّ القز وأصلح أخطاءهن أثناء العمل”. وصر القز وصناعة الحرير حرفة تراثية عمرها أكثر من ثلاث مئة عام اشتهرت بها منطقة دير ماما بمحافظة حماة التي تعرف بغناها بشجر التوت الذي يعد المادة الأساسية لتربية دودة القز.
وعلى مدار قرون، اعتادت العرائس في أنحاء سوريا على تلقي أردية ذات تصميمات معقدة باستخدام طريقة صرّ القز، لكن هذا النوع من الحرير أصبح نادرا بشكل متزايد مع استمرار عدد قليل من النساء الماهرات في هذه الحرفة.
وأوضحت الفنانة التشكيلية عفاف النبواني وهي صاحبة فكرة مشروع تدريب السيدات، أن هذه الحرفة تأثرت صناعتها كثيراً عبر الزمن بفعل انتشار الآلات الحديثة واستبدال الحرير الطبيعي بالصناعي مشيرة إلى الإقبال على اقتناء المشغولات اليدوية كتحفة تراثية شغلت حيزاً من ذاكرة السوريين.
وأضافت، “إن هذه الحرفة باتت تعاني من عزوف أصحاب الخبرة بسبب قلة أرباح عوائد المبيعات وارتفاع أسعار المواد الخام إضافة إلى كساد القطع التي تنتج بأسعار باهظة وصعوبة شراء شرانق للمرحلة التالية”.
قالت السيدة شمسة: “اليوم تطورت مهنة الحياكة ومنتجاتها بسبب وجود الآلات الحديثة ودخول الألوان والتصاميم والشك والتزيين عليها لكن تبقى للطريقة التقليدية في صناعة الأثواب وتطريزها يدويا نكهتها وفخامتها رغم ارتفاع أسعارها حاليا”.
وأشارت إلى أن عدداً قليلاً من النساء ما زلن يعملن في نسج وتصميم الأزياء التقليدية من المنسوجات الحريرية كالشال الذي يعد من أهم الأزياء التراثية للنساء في سوريا إذ يستخدم في الأعراس وحفلات الخطوبة كما يحرصن على حياكة قطع حريرية بواسطة صنارة واحدة وبأشكال متعددة.
وأوضحت أنها تواظب منذ أربعين عاماً على عرض منتجاتها في معرض دمشق الدولي وخان رستم باشا بحماة وتتمنى أن ينتقل هذا التراث إلى خارج سوريا مؤكدة ضرورة تشجيع الشباب وتدريبهم على الحرف اليدوية التقليدية للحفاظ عليها من الاندثار.
وعملت السيدة شمسة في البداية بتربية دودة القز وطورت عملها لتصنع من منتجاتها أشكالاً مختلفة من الشالات والثياب التي تناسب جميع الأذواق مشيرة إلى أن مشروعها الصغير الذي يدر عليها ربحا ساعدها في تحسين مستوى معيشتها وتمكنت من تعليم أبنائها وأوصلتهم إلى التعليم الجامعي إضافة إلى تدريب عدد كبير من السيدات ليكون لهن مشاريعهن الخاصة.
ولفتت إلى أنها صنعت الكثير من أثواب الأعراس من الحرير الخالص لفتيات قريتها اللواتي رغبن في الاحتفاظ بالثوب الحموي الذي يعد رمزاً من رموز تراث مدينتهن وفلكلورها تحمله العروس معها إلى بيت الزوجية وتتفاخر بارتدائه في المناسبات مؤكدة أهمية إنقاذ هذه الأزياء التراثية من الاندثار. وأشارت شمسة بلال إلى أنها متحمسة لتعليم الشابات كيفية القيام بذلك. وأضافت أن هدفها هو إحياء هذه الحرفة، ومحاولة تبديد فكرة أن هذه الحرفة يمكن أن تسبب فقدان الأسنان.
وعلى أمل مساعدة شمسة بلال في الحفاظ على هذا الفن، نظمت الفنانة التشكيلية السورية عفاف نبواني ورشة عمل لمدة عشرة أيام لتعليم هذه الحرفة. وقالت عفاف نبواني “ إنها المعلمة الوحيدة التي مازالت في سوريا تتقن هذه الحرفة، فنحن نسابق الزمن للحفاظ على صرّ القز فالحاجة شمسة في عمر يفوق الثمانين وهذا يشكل خطرا على الحرفة التي يمكن ان تنتهي بانتهاء حياة الحاجة لذلك نسعى إلى تدريب أكثر ما يمكن من النساء اللاتي يقبلن على التدريب والتعلم”.وسجّلت 13 امرأة في الدورة التدريبية، ثم عُرضت أعمالهن في معرض أقيم بمنطقة خان أسعد باشا التاريخية بدمشق. وقالت إحدى المتدربات وتدعى رزان أسعد إنها شعرت برغبة قوية في الحفاظ على هذه التقاليد من الاندثاروأضافت “نحن نتعلم حرفة قديمة لنحافظ على تراث البلاد الغنية بكنوزها وبأهلها وبالعلم الذي فيها وحضارتها التي تعود إلى أيام عشتار”. وتعد شرانق الحرير والمهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية من عناصر التراث الثقافي اللامادي السوري وتنتشر تربية دودة القز بمناطق وجود التوت الأبيض لكونه الغذاء الرئيسي لها وذلك في الجبال الغربية من الساحل السوري والمنطقة التي تمتد على نهر العاصي وصافيتا ومحافظة السويداء.
آخر معلمة "صر القز" تسابق الزمن لإنقاذ الحرفة من الاندثار!!
03.07.2022