كتب نجيب فراج- العاشر من أيار عام 2002 كان يوماً حزيناً لكافة الفلسطينيين عموماً حينما شاهدوا الحافلات الاسرائيلية وهي تحمل المحاصرين في كنيسة المهد في بثٍّ حيٍّ ومباشرٍ لنقلهم، إما إلى غزة أو إلى الخارج.مشهدٌ لا يمكن نسيانه، بحسب العديد من المواطنين، لا سيما أن المبعدين ما زالوا يعيشون أحداث نكبتهم في ظروف صعبة للغاية، وحتى أولئك الذين يتواجدون في الخارج، فهم يواجهون مضايقات لا يمكن وصفها، ويطالب أهالي المبعدين القيادة الفلسطينية ببذل الجهود الجدية لعودتهم إلى منازلهم وعائلاتهم. يقول الناشط إبراهيم مسلم: "ظل جرح المبعدين ليس فقط لضحايا هذا الحصار وأهاليهم، بل لكافة أهالي محافظة بيت لحم وللشعب الفلسطيني عموماً، نازفاً بالرغم من مرور ثمانية عشر عاماً على إبعادهم".وحاصر جيش الاحتلال العشرات في الكنيسة لمدة 40 يوماً. وكان بين المحاصرين رهبان وراهبات وعائلات لجأت إلى الكنيسة هرباً من دبابات الاحتلال التي أطلق جنودها النار عشوائياً على المحاصرين، ما أدى إلى استشهاد تسعة مواطنين، منهم قارع أجراس الكنيسة سمير إبراهيم سلمان.وعقب الحصار، أبعد الاحتلال 39 ناشطاً، بينهم 26، إلى قطاع غزة، والباقي أُبعدوا إلى أكثر من 12 بلداً أوروبياً.وحينها كان الحديث يدور عن إبعاد مؤقت لثلاث سنوات بضمان من الاتحاد الأُوروبي، إلا أن 18 سنة مرت دون عودة المبعدين، باستثناء عبد الله داود الذي عاد في كفن، حيث استُشهد في أحد مستشفيات الجزائر العاصمة.ويوضح مسلم: "حتى اللحظة لا أمل في عودتهم، فمنهم من فقد أقارب له، ومنهم من تزوج وأنجب بعيداً عن أحضان العائلة الكبيرة، ومنهم من لم يشاهد أفراد عائلته، وهناك من كبر أبناؤه واعتُقلوا لدى قوات الاحتلال كعائلة المبعد جمال أبو جلغيف الذي اعتُقل أبناؤه الثلاثة".ويقول: "إن ذكرى اجتياح ومحاصرة كنيسة المهد هي ذكرى أليمة، ليست فقط على المبعدين وأهاليهم أو على الشهداء وأهاليهم، وإنما على أهالي بيت لحم وفلسطين عموماً.ويضيف: "إنه عندما أُبعدنا عن أرض وطننا بعد أربعين يوماً من حصارٍ مميتٍ وخانقٍ كان الاحتلال يهدف إلى كسر شوكة المناضلين ومعنوياتهم وإحباطهم، ولكن هذا لم يحصل، وبقي المبعدون يتحلون بمعنويات عالية جداً ومتمسكين بحقهم في العودة إلى منازلهم، وواصلوا مسيرة النضال والحياة على رغم صعوبة المنفى، لافتاً إلى أن 18 مبعداً فقدوا آباءهم وأُمهاتهم وهم في المنفى، وهو من بينهم، حيث فقد والده قبل ثلاثة أشهر، ولم يتمكن من وداعه أو المشاركة في تقبُّل العزاء.ويشير إلى أنه ومنذ الإبعاد كان هناك تقصير بحقهم، فلدى حصول الإبعاد قيل لهم إن مدة النفي مؤقتة، وهي سنتان، "لنكتشف فيما بعد أن هذا الاتفاق مع الإسرائيليين الذي كان بشهود من الاتحاد الأوروبي واللجنة الرباعية الدولية، لم يُوثَّق، والآن مضى على الإبعاد ستة عشر عاماً، وهذه هي المأساة بعينها لكافة المبعدين وذويهم*...أسماء المبعدين*: والمبعدون إلى قطاع غزة هم: صامد مصطفى خليل، وياسين محمد الهريمي، وفهمي محمد كنعان، وحاتم محمد حمود، ومحمد نصري خليف، وجواد أحمد العبيات، ورائد جورج شطارة، وجمال أحمد أبو جلغيف، وإياد عبد عدوي، وحسن عيسى علقم، وناجي محمد العبيات، ونادر محمد حميدة، وموسى أحمد شعيبات، ومجدي عبد المعطي دعنا، وسامي عبد الفتاح سلهب، ورائد موسى العبيات، وسليمان محمد عبيد الله، وزيد محمود سالم، ورامي حسن شحادة، وعيسى عزات أبو عاهور، وسلطان محمود الهريمي، وخالد سليمان صلاح، وفراس محمد عودة، ومؤيد فتحي جنازرة، وخالد حمد الله مناصرة، ومازن حسين.أما المبعدون إلى خارج الوطن، حيث وزع ثلاثة منهم إلى إسبانيا، وثلاثة إلى إيطاليا، واثنان إلى اليونان، وآخران إلى إيرلندا، وواحد لكل من البرتغال وبلجيكا وقبرص، وهم: إبراهيم سالم العبيات، إبراهيم موسى العبيات، خليل محمد نواورة، جهاد يوسف جعارة، رامي كامل الكامل، ممدوح إحسان الورديان، أحمد عليان حمامرة، خالد محمد أبو نجمة، محمد سعيد سالم، محمد فوزي مهنا، عنان محمد طبنجا، عزيز خليل العبيات، إضافة إلى الشهيد عبد الله داود الذي أُبعد أولاً إلى قبرص، ومن ثم ذهب إلى موريتانيا والجزائر.ولا يمكن أن يتذكر أي أحد، سواء أكان داخل الكنيسة أم خارجها، وسواء أكان مسؤولاً أم مواطناً عادياً، أحداث الحصار الرهيب بحسب ما يصفه العديد من المتابعين دون أن يتذكر ملابسات المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي التي قادها في بداية الأمر القيادي المعروف صلاح التعمري، الذي كان آنذاك نائباً في المجلس التشريعي ووزيراً، بشأن إنهاء الحصار، حيث كانت هذه المفاوضات صعبة للغاية، وبلغ عدد أعضاء الوفد الإسرائيلي أحد عشر مفاوضاً، وجميعهم من العسكريين والأمنيين.ويقول صلاح التعمري في هذا الشأن: "كان أعضاء الوفد الإسرائيلي أحد عشر مفاوضاً جالسين أمامنا على طاولة المفاوضات في بيت لحم، ومن جميع المستويات، ولديهم قناعة بأن الوفد الفلسطيني ليس سهلاً، وتجاربه أعطته الخبرة الكافية في التفاوض ونتائجه".وأشار التعمري الذي كان أسيراً في معسكر أنصار في لبنان بعد اجتياحه من الإسرائيليين مع آلاف المقاتلين الفلسطينيين، حيث كان يفاوض الإسرائيليين في مطالب الأسرى، إلى الثوابت، وهي: لا إبعاد خارج الوطن للمحاصرين، ولا تسليم قائمة بأسماء المحاصرين إلا في التوقيت الذي نختاره نحن، وإن إطلاق النار على المحاصرين يوقف التفاوض".ولكن، كما يقول التعمري، حصلت مفاجآت وتطورات، وبالتالي قدم استقالته من رئاسة الوفد المفاوض!!.
بيت لحم : تاريخ الإبعاد: 10 أيار 2002.. 18 عاماً مرت دون عودة مبعدي كنيسة المهد!!
11.05.2020