أحدث الأخبار
الخميس 16 تشرين أول/أكتوبر 2025
هل انتهت الحرب؟!
بقلم : د.جمال زحالقة ... 16.10.2025

أثارت تهديدات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، باللجوء إلى استعمال القوّة لفرض نزع سلاح حماس، تساؤلات حول مصير “نهاية الحرب”، التي تباهى بها ترامب وأعلنتها قمة شرم الشيخ الدولية، التي عُقدت هذا الأسبوع. وفي مقابلة مع قناة “سي. إن. إن” الأمريكية، قال نتنياهو إن الخطوة المقبلة بعد إعادة المحتجزين يجب ان تكون “نزع سلاح حماس وتجريدها من قدراتها العسكرية.. عليها أن تتنازل عن أسلحتها ويجب التيقّن من عدم وجود مصانع إنتاج أسلحة ومن منع تهريب الأسلحة”. وكرر نتنياهو في هذا التصريح بندين من أهداف الحرب الخمسة، الأول نزع سلاح حماس (وبقية الفصائل) والثاني تحويل غزة إلى منطقة خالية من السلاح، ما يشمل عموما منع إنتاج وتهريب وبيع وشراء الأسلحة، إضافة إلى تدمير الأنفاق.
وفي خضم الاحتفاء بالإعلان عن انتهاء الحرب، اهتم نتنياهو بوضع علامة استفهام كبيرة حول هذا “الانتهاء”، وبالتلويح بورقة “تجديد الحرب” تبعا لشرط “نزع سلاح حماس”. وكرر موقف حكومته مرات عديدة حتى لا يلومه أحد في المستقبل، إن هو لجأ إلى حل العنف العاري مرّة أخرى. ويلتزم نتنياهو وحكومته بموقف معلن وواضح ومباشر وهو، “منح فرصة للسلام” مع الاستطراد المناقض بالسعي لتجريد حماس من أسلحتها وقدراتها العسكرية بالمفاوضات، وأن لم يحدث ذلك فسوف “تفتح أبواب جهنّم”، كما قال نتنياهو مقتبسا شروط ترامب “الواضحة”، كما قال. هذا الانسجام بين ترامب ونتنياهو في تحويل قضية “سلاح حماس” إلى قضية محورية قد يحسم سؤال الحرب والسلم، ويفتح المجال لإمكانية تقويض اتفاق “إنهاء الحرب”.
لقد أصبح الإصرار على نزع سلاح حماس بالكامل هو العائق الأكبر أمام تثبيت وقف إطلاق النار. والطامة الكبرى أن هذا لم يعد شرطا إسرائيليا فحسب، فقد تبنته أيضا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وحتى دول عربية وأطراف فلسطينية. ويزيد هذا الإجماع من عناد إسرائيل ومن خطر تحويل تهديداتها إلى فعل بادعاء التعبير عن الرغبة الدولية وليس انطلاقا من الانفلات الإسرائيلي المعهود. من هنا وجب التعامل مع هذه المسألة الحساسة والقابلة لأن تصبح خطيرة بحذر شديد، ولزم طرح حلول يمكن أن تغلق الباب أمام ميل إسرائيل “الطبيعي” نحو حل الخلافات بالعنف وبالقتل وبالتدمير. التهديد الإسرائيلي لا يعني أن الحرب سوف تتجدد قريبا، بل يشير إلى أن خطر تجديدها لم يختف عن الوجود ولم يغادر عقل نتنياهو.
سلاح حماس
ترفض حركة حماس قبول الشروط الإسرائيلية بشأن نزع السلاح، وتطرح في المفاوضات الجارية بدائلَ تشمل تخليها عن الأسلحة الثقيلة وقبولها بعدم إنتاج أو تهريب أسلحة، واستعدادها للتعاون مع رقابة عربية ودولية لضمان التزامها بتعهداتها. لكنّها ترفض التخلي عما تعتبره “أسلحة الدفاع عن النفس” الفردية، وتطرح بأنها كفيلة بضمان عدم الانزلاق إلى حالة فوضى عارمة في غزة، ما يستلزم عبر نشر قوات شرطية مسلحة تحرس المساعدات، وتحمي الناس من العصابات، التي انتشرت في القطاع خلال الحرب. من حيث المبدأ تعتبر حماس “نزع السلاح خطّا أحمر”، وتصر على حقّها في الإبقاء على سلاحها طالما بقي الاحتلال، وتؤكّد قيادات حماس أن “السلاح حق شرعي” لا يجوز التخلي عنه إلى أن تقوم الدولة الفلسطينية وعندها يتم إدماجه في إطار أمن الدولة. ومن الناحية العملية، أبدت حماس بعض المرونة، استجابة لقيود وتعقيدات المرحلة الراهنة، التي يمر بها القطاع وتمر بها هي. فهي مستعدة للاكتفاء بالإبقاء على الأسلحة الخفيفة ولإجلاء عدد من القيادات، لكنّها لا تقبل بنزع كامل وشامل لأسلحتها.
خلال اجتماعهما بقيادة حماس مطلع الأسبوع الحالي، أجاب المبعوثان الأمريكيان ستيف ويتكوف وجاريد كوشنير، على سؤال خليل الحيّة بشأن تعهّد الإدارة الأمريكية بوقف الحرب، وأكّدا أن الولايات المتحدة (والرئيس شخصيا) تلتزم وتضمن وقف الحرب. وكان هذا هو السؤال الأهم بالنسبة لحركة حماس. في المقابل طرح ويتكوف المطلب الأمريكي المركزي وهو ضرورة “نزع السلاح”، من دون الدخول في تفاصيل عملية حول معنى هذا “النزع”، مبقيا الباب مفتوحا أمام تسويات مختلفة تستطيع أن تتعايش معها حماس. ومع ذلك يبقى الموقف الأمريكي بهذا الشأن قابلا للذهاب باتجاه الليونة والحل الوسط، أو إلى التشدّد تماشيا مع موقف نتنياهو. وهنا يمكن للدبلوماسية العربية أن تلعب دورا في إيجاد مخرج يقي غزة من تجديد الحرب ومن عقوبات جماعية إسرائيلية إضافية.
إسرائيل ما زالت تتوعّد
هناك تبسيط مفرط ومبالغة كبيرة في الحديث عن أنّ ما جرى ويجري هو فرض خطّة أمريكية على نتنياهو وحكومته. ويبدو أن من يقول ذلك لم يشاهد سوى جزء من الحلقة الأخيرة في المسلسل. هناك مؤشّرات على أن الخطة هي أصلا مقترح إسرائيلي أعدّ لإقناع إدارة ترامب بأن إسرائيل “تريد حلّا” ومستعدة أن تنهي الحرب بشروط معيّنة. ولم يجر التعامل بجدّية مع هذا المقترح، الذي طرحه “وزير نتنياهو” رون ديرمر في واشنطن، إلّا بعد القصف الإسرائيلي للعاصمة القطرية. فبعد ما أثاره هذا القصف من ردود فعل عربية وإسلامية ودولية غاضبة، وجدت الإدارة الأمريكية أنّها فرصة لا تعوّض لتحويل المقترح الإسرائيلي إلى مبادرة أمريكية قابلة لأن ترضى بها الأطراف المختلفة. وجرت “أمركة” الخطة الإسرائيلية، وتسويقها للدول العربية والإسلامية باعتبارها تنهي حرب الإبادة. بعد ذلك جرت “أسرلتها” ليقبل بها نتنياهو، بعد أن زرعها بالألغام لتفجيرها حين يشاء. لعل أخطر الألغام في خطة ترامب – نتنياهو هو إبقاء أدوات ضغط من الوزن الثقيل بيد أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفا، التي تسعى إلى فرض شروطها وإملاءاتها مع التهديد باللجوء إلى تفعيل ضغوط فظيعة في حال عدم تحقق هذه الشروط. وفي مقدمة المطالب الإسرائيلية نزع سلاح حماس، فإسرائيل تهدد باستعمال ما لديها من أدوات لتحقيق مآربها: أولا، هي تتوعّد بتقليص أو حتى بوقف المساعدات الإنسانية، إن لم يتحقق مبتغاها؛ ثانيا هي تهدد بمنع إعادة الإعمار إن لم يتم تجريد حماس من السلاح، وهذا ما اقترحه منذ أكثر من عام الجنرال المتقاعد جيورا آيلاند، وما تحوّل إلى رأي سائد لدى النخب السياسية والأمنية الإسرائيلية؛ ثالثا، تربط إسرائيل بين انسحاب قواتها من مناطق إضافية من القطاع ونزع سلاح حماس، وهي تحظى بدعم أمريكي جرى تدوينه في نص اتفاق العشرين نقطة؛ رابعا، تلوّح إسرائيل بأنها ستغلق معبر رفح بعد فتحه، إذا لم يعجبها سير الأمور في قطاع غزة؛ وخامسا، وهذا الأخطر يتوعّد نتنياهو علانية باستعمال القوّة العسكرية إذا لم تنجح المساعي الدبلوماسية لنزع سلاح حماس.
ثلاث مراحل
يبدو حاليا أن اتفاق وقف إطلاق النار سوف يصمد في المرحلة المقبلة. ومع ذلك فهو بحد ذاته اتفاق هش قابل للانهيار إذا لم تجر دعامته وتثبيته كي لا يتهاوى. وقد أعطت قمة شرم الشيخ والكفالة الأمريكية والحراك الدولي ضمانات وازنة لوقف الحرب، لكن الاتفاق الذي وقعت عليه الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا هو بداية للتفاوض وليس تلخيصا لمباحثات. ويمكن تقسيم الاتفاق إلى ثلاث مراحل: الأولى، وقد جرى تنفيذها بشكل شبه كامل وشملت تبادل الأسرى وانسحاب إسرائيلي جزئي، وبقي إتمام عملية تبادل الجثامين متعثرا لصعوبات عملية واضحة؛ الثانية، ترتيبات المرحلة الانتقالية وتشمل قضايا في غاية التعقيد مثل من يحكم غزة؟ نزع السلاح في غزة؟ دور السلطة الفلسطينية وكيف ستتم عملية إصلاحها؟ الانسحاب الإسرائيلي؟ كيف سيتم الإعمار وكيف سيجري تمويله؟ ومسائل أخرى لا تقل صعوبة وتركيبا؛ الثالثة، وهي مسار للحل الدائم وقد جرى إدخالها للخطة كضريبة كلامية، إذ كيف يمكن التقدم إلى دولة فلسطينية عبر خطّة تضع العراقيل أمام إقامة دولة فلسطينية؟
كان من المفضل، ومن البداية أن يجري التفاوض عبر وفد فلسطيني موحّد ومقبول من جميع الفصائل، لكن من المؤكّد أن التفاوض حول المراحل المقبلة في غزة، تلزم تمثيلا فلسطينيا واحدا وشاملا، لأن المسائل المطروحة لا تخص حماس وحدها، بل هي شأن فلسطيني عام بشكل واضح. ومن شأن التوافق الفلسطيني على وحدانية التمثيل مسنودا بالدعم العربي فعلا لا قولا، أن يساهم في منع تجديد الحرب، وفي تحويل علامة الترقيم بعد “إنهاء الحرب” من علامة استفهام إلى علامة تعجّب!

1