أحدث الأخبار
الخميس 20 تشرين ثاني/نوفمبر 2025
التّهديد باعتقال محمود عباس!!
بقلم : سهيل كيوان ... 20.11.2025

في الوقت الذي أصبح نتنياهو مطلوبا إلى محكمة الجنايات الدَولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، أعلن وزير الأمن القومي الفاشي بن غفير أنّه يجب إسقاط الحصانة عن محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية واعتقاله، وقال إنّ زنزانته جاهزة. وجاء إعلان بن غفير هذا، في اليوم الذي كان مجلس الأمن الدولي يستعد لاتخاذ القرار 2803 المكتظ بالإشكاليات والبنود المفتوحة على التأويلات العديدة، والذي أيّدته 13 دولة، وامتناع روسيا والصّين عن التصويت.
يتمتّع الرّئيس الفلسطيني بحصانة دبلوماسية تمنح لرؤساء الدول، إضافة إلى اتفاقات أوسلو الموقعة بين السّلطة الفلسطينية وإسرائيل، التي تحكم هذه العلاقة. بن غفير لا يستطيع اعتقال محمود عباس، حسب القانون الإسرائيلي نفسه، قبل قرار تتخذه الحكومة الإسرائيلية ورئيس الوزراء نتنياهو، أي أنّه يجب أن يسبق اعتقال عباس قرارٌ من الكنيست يلغي هذه الاتفاقات، التي تمنح عباس ومسؤولين فلسطينيين كبارا الحصانة، وحسب القانون الدولي كله غير جائز.
هذا يعني أن الاعتقال غير وارد في الوضع الحالي، إذن، لماذا يصرح بن غفير بمثل هذه التصريحات غير القابلة للتنفيذ على الأقل في الوقت الحالي؟ إنها ببساطة أداة ضغط، وتلويح بأنّه بالإمكان العمل على اتخاذ قرار كهذا في الكنيست، يسمح بإسقاط الحصانة عن محمود عباس، أو أيّ شخصية أخرى من رجال السُّلطة في رام الله، هذا يعني أن الفكرة قائمة، ولكنها مؤجلة لأسباب تكتيكية. هو ضوء أخضر للمستوطنين بأن يستمرّوا في هجماتهم على الفلسطينيين، خصوصاً في الفترة الأخيرة، وأن لا يلتفتوا إلى أي احتجاجات، أو ضغوط من أية جهة كانت، لأنّ نهاية السّلطة الفلسطينية تقترب بيد بن غفير، سواء مع هذه الحكومة، أم التي ستأتي من بعدها ما دام بن غفير هو أحد قوائمها الأساسية. هذه المقولة تعني أنّ القرار2803 الذي يتحدّث عن إدخال السّلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، “بعد تأهيلها”، أيضا مرفوض، لأنّ السُّلطة نفسها في طريقها إلى الزوال، وأنها غير قابلة للتأهيل مهما فعلت. وهي رسالة إلى الشّعب الفلسطيني والحكومات العربية أن ربط التطبيع بأفقٍ تفاوضي لإنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة مرفوض، وأن الدولة الفلسطينية ليست سوى أحلام يقظة. حكومة الاحتلال لن تقدم على إسقاط الحصانة عن محمود عباس، خصوصا أنّ هناك موجة كبيرة في العالم ترى في حكومة الاحتلال الحالية حجر عثرة أمام الاستقرار في المنطقة، ترافق هذا موجة اعترافات دولية بالدّولة الفلسطينية، وحركة احتجاج عالمية شعبية كردّة فعل على المجازر وجرائم الحرب، التي ارتكبها الاحتلال في قطاع غزّة. تصريحات بن غفير لا تعكس الموقف الشّخصي لهذا الوزير الفاشي فقط، بل تعبّر عن نهج الحكومة واستراتيجيتها في التضييق على السّلطة ومطالبتها المستمرة بالإصلاحات المالية والأمنية وغيرها. يرافق هذا ضغط ماليٌ من خلال خصم من أموال المقاصّة، بهدف دفع السلطة نحو الانهيار أو إضعاف دورها إلى الحد الأقصى، بحيث تصبح غير قادرة على لعب أي دور سياسي، لا في قطاع غزّة ولا في الضّفة الغربية، وأن يقتصر عملها أو وظيفتها على إدارة الحياة اليومية داخل التجمعات الفلسطينية، وأن تنحصر وظيفتها الأمنية بقمع أية بوادر لمقاومة الاحتلال. يرافق هذه العقوبات المالية منع عشرات آلاف العمال الفلسطينيين من الدخول للعمل في داخل إسرائيل، خصوصا بعد أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو يعني إغلاق متنفّس أساسي لاقتصاد عشرات آلاف الأسر الفلسطينية، الأمر الذي يضيف عبئاً آخر على السُّلطة الفلسطينية.
الإصلاح الماليّ والأمني الذي ذكر في خطة ترامب، مصطلح واسع وفضفاض وقابل للتفاوض، وفي الواقع لن يكون تفاوضا، بل ضغطا على السُّلطة في مختلف الاتجاهات لقبول الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية، خصوصا في الجانب المالي الذي يتحدّث عن إهدار المال. الضغط الإسرائيلي – الأمريكي في الموضوع المالي، يركّز على وقف دعم عائلات الشّهداء والأسرى، بحجة أن في هذا تشجيعا على العنف والإرهاب. بلا شك أنّ هناك ما يجب إصلاحه في قضايا الشفافية المالية، والوظائف وغيرها، ولكن ترامب الذي يحارب “فساد السّلطة الفلسطينية” هو نفسه الذي يتدخّل لدى يتسحاق هيرتسوغ رئيس دولة إسرائيل، ويطلب منه العفو عن نتنياهو المتّهم بالفساد، هذا إضافة إلى قضايا شبهات فساد هو نفسه ما زال ملاحقا بسببها. تتقاطع شروط الإصلاح المفروضة على السّلطة الفلسطينية، مع تصعيد غير مسبوق لعنف المستوطنين في الضّفة الغربية، تحت شعار وهتافات “فلتحترق قريتهم”. هذا يجري في ظل غياب أي إلزام دولي لإسرائيل بوقف هذه الاعتداءات اليومية، التي تستهدف السّكان المدنيين. تتضمن الإصلاحات المطلوبة من السُّلطة “التربية على السّلام” وهو مفهوم واسع لا يمكن إدراك حدوده، فمجرّد اعتبار الضّفة الغربية منطقة محتلة، يعتبر تحريضا على العنف، أما اعتبار القدس الشّرقية منطقة محتلة وأنها عاصمة دولة فلسطين فهذه دعوة للإرهاب وعداء للسّامية. الإصلاح يعني تجاهل الحقائق التاريخية، والبدء بكل شيء من جديد، والتربية على السّلام والتعايش مع الجيران المستوطنين “الذين جاؤوا لإعمار البلاد الخاوية”. تهمة الإرهاب واللاسامية والعداء لليهود جاهزة لمن يشكّك بالرواية الصهيونية، التي تحمّل القيادة العربية والفلسطينية مسؤولية النكبة وتداعياتها.
مناهج التعليم التي تعتبر محرّضة على التطرّف والعنف لا تشمل فلسطين فقط، هنالك دائرة إسرائيلية مختصّة، تبحث في المناهج التعليمية في كلّ الدّول العربية، على سبيل المثال تعتبر مناهج دولة الكويت عدائية ومحرّضة على العنف، كذلك مناهج سوريا الجديدة، التي أصبحت تحت المجهر، ويبدو أنّها لم تعجب الجهات المختصّة، إذ لم يتغير عليها شيء، سوى أنّها أخذت طابعا دينيا أكثر من الطابع القومي السّابق. دفع مخصصات لعائلات الأسرى والشهداء، يعتبر نقطة خلاف أساسية. فالسّلطة الفلسطينية لا تستطيع تجاهل هذه الأسر، وتتعرّض لضغوط هائلة لإدخالها ضمن خطة الإصلاح المالي، الاتحاد الأوروبي يطالب أن يكون الدعم المالي في إطار النشاط الاجتماعي للسلطة، في مكافحة الفقر والأسر المحتاجة، وليس على أساس دعم أسر الأسرى والشهداء. الهدف الأساسي من هذا “الإصلاح” هو أن لا تشعر عائلات الأسرى والشّهداء بأنّ هناك من يهتم بوضعها المعيشي، بعد أن دفع أبناؤها الثّمن سواء بأرواحهم أو بسني أعمارهم. إسرائيل تعتبر دعم هذه العائلات خرقا للاتفاقات وتشجيعاً للعنف والإرهاب.
القرار2803 فيه شروط لعودة السّلطة إلى غزّة وللحصول على الدعم الدولي، وفي المقابل لا يقدّم القرار 2803 أي معالجة للانفلات الاستيطاني المتصاعد في الضّفة الغربية الذي يهدف إلى فرض واقع جديد، قبل أيّ تحرّك سياسي دولي، عبر توسيع السّيطرة على الأرض وتقويض وقضم وجود السّلطة الفلسطينية خصوصاً في المناطق الريفية.
بن غفير الذي تفاخر قبل أيام خلال عملية هدم في النقب، بأنّه هدم 5000 وحدة سكنية لعرب النقب منذ تسلمه منصبه كوزير للأمن القومي في ديسمبر/كانون الأول 2022، يقوّي مكانته بين الجمهور أكثر وأكثر من خلال خطابه الشّعبوي الفاشيّ، في مجتمع بات يرى في الطّرد السّكاني الواسع حلا للقضية الفلسطينية، سواء من قطاع غزة أو من الضّفة الغربية أو من داخل مناطق الـ48.

1