أحدث الأخبار
الخميس 06 تشرين ثاني/نوفمبر 2025
زهران رغم أنف ترامب ونتنياهو!!
بقلم : سهيل كيوان ... 06.11.2025

كلُّ المهمّشين في الولايات المتحدة، من مختلف المدن والولايات، يشعرون اليوم بأنَّ النّصر الذي حققه زهران ممداني يخصُّهم بشيء ما، بل هو نصرهم. أما أولئك الذين لهم علاقة ما، مباشرة أو غير مباشرة بالصراع العربي الإسرائيلي، ويعرفون قوّة اللوبي الصهيوني في أمريكا، وفي نيويورك بصورة خاصة، يدركون مدى القوّة التي يحتاجها شخصٌ ما، كي يتحدّى هذا اللوبي، بل يفوز برئاسة مدينة مثل نيويورك. فاز زهران رغم تحريض ترامب، ووصفه بـ»الشّيوعي كامل الجنون». تهمة الشيوعية في أمريكا، توازي تهمة الانتماء لحركة الإخوان المسلمين المحظورة في أكثر من قُطرٍ عربي، وكما يعدُّ الشَّخصُ مخرّباً في إسرائيل، وربما أشدُّ وطأة.
ورغم تهديد ترامب بحجب الدّعم الفيدرالي عن بلدية نيويورك، في حال نجاح زهران. ترامب توجّه إلى اليهود خلال عملية التّصويت، في محاولة يائسة للتأثير على الناخبين، بقوله «إنّ من يصوّت لزهران من اليهود هو غبي، لأن زهران كاره لليهود».
يشكّل اليهود 20% من سكان نيويورك، وهم موحدّون عموماً في اتجاهات دعمهم لهذا المرشح أو ذاك، ولهم تأثير قويٌّ جداً على أي مرشّح، وبالتالي على سياسته، وبهذا المعنى، فإن زهران كسر القاعدة التي يعرفها جيّدا سكان نيويورك وغيرها من مدن وولايات أمريكية.
تعرّض ممداني إلى حملة منظّمة من اللوبي الصهيوني المعروف بقدراته التنظيمية، وبحثه في تاريخ الشّخص المرشّح، ومحاولة العثور على أدلّه تدينه وتضرّ بسمعته، وتشويه آرائه السّياسية، وغالباً ما يُتّهم من لا يرضخ لأهوائهم بكراهيته لليهود. وقد يمارسون نفوذهم الاقتصادي الهائل ضدّه.
في بداية الحرب على قطاع غزة، عوقب كلُّ من أعلن موقفاً مناوئاً ورافضاً للحرب، واعتبرها حرب إبادة وتضامن مع الفلسطينيين، نشروا اسمه وصورته في مجموعات على وسائط التّواصل، لإرغامه على التراجع عن موقفه وإسكاته، وتهديده بمصدر رزقه، ولتخويف غيرِه، كي لا يجرُؤ أحدٌ على الجهر بموقف مناوئ لسياسات الاحتلال الإسرائيلي. أما من يعتبر الصهيونية حركة عنصرية، فيتّهم بالعداء لليهود، وهو ما قاله دونالد ترامب عندما صرّح «بأنّ أي يهودي يصوّت لزهران ممداني هو غبي، لأنّ ممداني يكره اليهود». طبعاً ممداني ليس كارهاً لليهود، ولكنه يكره ما يمارسه الاحتلال في فلسطين، وهو لا يحبُّ غطرسة نتنياهو المطلوب للعدالة الدوليّة بشبهة ارتكاب جرائم حرب. زهران أعلن أنّه لا أحد فوق القانون الدولي، وأنّه سيعتقل نتنياهو إذا ما دخل إلى نيويورك. من المرجَّح أنّه لا يستطيع أن يفعل ذلك، بسبب القوانين الفدرالية نفسها. ممداني تحدى ترامب، الذي يدعم نتنياهو وحكومته المتطرّفة الفاشية، بكلِّ ما تحتاجه في حرب الإبادة والضّم وقهر الفلسطينيين. ترامب الفاسد الذي طالب رئيس دولة إسرائيل بإعفاء نتنياهو من تهم الفساد، لأنّه هو نفسه فاسد.
فوز ممداني هو نقطة ضوء، تعني أنّ هناك إمكانية للتغلّب على هذا التابو التاريخي، الذي جرى تكريسه على مدى أجيال، بأن أحداً لا يستطيع الوصول إلى مواقع مهمة كهذه، من غير دعم اللوبي الصهيوني. ممداني رفض القبول بإسرائيل دولة يهودية، ويقرّ بحقها في الوجود، ولكنه يراها دولة مساواة للجميع، لليهود وغير اليهود.
*فوز ممداني مُلهم، ويعني أنّ ما يبدو منتهياً لا أمل منه، يمكن أن يتبدّل، ويمكن لنيويورك أن تكون نوراً لمدن وولايات أخرى، وحتى إلى خارج أمريكا نفسَها
وهو مطلب ديمقراطي ليس فيه أي عداء للشّعب اليهودي، وهذا يُغضِب العنصريين. ممداني مؤيّد لحركة المقاطعة (بي دي أس)، ويعتبرها وسيلة مشروعة للضغط على أصحاب القرار في إسرائيل، بهدف تغيير سياستها تجاه الفلسطينيين، وليس لأنّه يكره اليهود. هذا الفوز مُلهم، ويعني أنّ ما يبدو منتهياً لا أمل منه، يمكن أن يتبدّل، ويمكن لنيويورك أن تكون نوراً لمدن وولايات أخرى، وحتى إلى خارج أمريكا نفسَها. لقد ذهب زهران في دعايته ومواقفه إلى الحاضنة الشعبية، وهي الفئات الضعيفة في مواجهة حيتان رأس المال وأصحاب المليارات الذين ناصبوه العداء، ورفض دعم «إيباك» – أقوى جماعات الضغط الداعمة لإسرائيل- لكنّه تمكّن من كسب أولئك الذين يعانون في حياتهم اليوميّة، ووعد بالكثير لتحسين ظروف معيشتهم، وجعل نيويورك مدينة حاضنة لجميعهم. مميز جدّا أن يكون في الرّابعة والثلاثين من العمر، وأن يصل إلى رئاسة واحدة من أهم مدن العالم، اقتصادياً وسياسياً. لأوّل مرّة نسمع مرشّحاً لمنصب كهذا يخاطب جمهوره بالعربية بقوله بتحبب «منكم وإليكم»، بهذا يعلن أنّه فخور بأصوله، وبالشّرائح التي ينتمي إليها، من المهاجرين من أصول عربية وإسلامية وغيرها من شعوب دول العالم الثالث. في خطاب النصر قال «اخترنا الأمل ضد الغطرسة والتحكُّم».
دافع عن المهاجرين، وهذا يناقض تماماً خطاب ترامب، الذي يعجُّ بالكراهية للمهاجرين، والذي يرى فيهم جسماً غريباً في جسد الدولة الأمريكية يجب التخلص منه، من منطلق نظرة الرجل الأبيض العنصرية الفوقية، الذي لا يقرّ بحق الملوّنين بالمساواة والحياة الكريمة. أما رسالة زهران للمحرضين دينياً فكانت واضحة بقوله، «سنتعاون مع اليهود ولن نتهاون في معاداة السّامية، ولن يكون في المدينة خوف من الإسلام». بهذا جمع بين الديانتين والمؤمنين بهما على قدم المساواة. عندما أعلن ممداني أنه سيعتقل نتنياهو إذا دخل نيويورك، وصف نتنياهو قوله هذا بأنّه «سخيف»، وقال إنّه «ليس قلقاً من احتمال اعتقاله في نيويورك».
قد يحظى نتنياهو بحماية من القانون الأمريكي نفسه، ولكن المهم هو أنّ رئيس بلدية نيويورك ذات الثّقل العالمي، لم يتأتئ، ولم يتردّد من توعّده بهذا المصير. هذا يعني أنّ المطالبين بمحاكمته ليسوا قلّة ولا هم ضعفاء، وأن العدالة ممكن أن تتحقّق في يوم ما، ويدفع المجرمون ثمن إجرامهم.
هذا يعني كذلك أنّ العربدة التي ميّزت سياسة ترامب وخطابه هي ظاهرة مؤقتة، وأن الشّعب الأمريكي الذي يتشكل كله في الأساس من المهاجرين على حقب متفاوتة باستثناء قلّة من الهنود الحمر، يستطيع تقويم نفسه، وأن ينحاز إلى إنسانيته، وبإمكانه هزيمة ترامب وداعميه وأمثالهم.
هنالك تجارب سابقة لمهاجرين مثل النائبتين رشيدة طليب من أصل فلسطيني، وإلهان عمر من أصل صومالي، إلى جانب تجارب سابقة وتراكمات، ووصول ممثلين عن الفئات الضعيفة إلى مواقع التأثير.
حركة التاريخ لا يمكن أن تستمر بالصورة التي يريدها الصديقان ترامب ونتنياهو وذيولهما، من فوضى وتحكّم القوة والمال بمصائر الشّعوب وبمن يحكمها. هي رسالة مهمّة إلى الفئات الضعيفة بأنها قادرة على تحقيق شيء من العدالة إذا ما توحّدت ووقفت دون خوف في مواجهة الظّلم والعسف.
هنالك من يقول بأنَّ مهاجراً من أصول افريقية وصل إلى رئاسة الولايات المتحدة هو باراك أوباما، و»يومها فرحنا كثيراً وأملنا منه الكثير، و»لكنّه خيّب ظنّنا». بغضّ النّظر عن قدرة ممداني في تحقيق جميع وعوده لناخبيه التي قطعها على نفسه، عادة هذا لن يحدث، ولكن حتى لو حقّق القليل، فإنّ وصوله هو إنجاز تاريخي للمهاجرين الجدد، ولناخبي نيويورك الذين منحوا أكثرية لمن يُتّهم بأنّه شيوعي، إضافة إلى تهمة «مسلم متطرّف» و»كارهٌ لليهود».

1