علّقت مجلة “إيكونوميست” على نظام الاعتقال في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنه يعتقل الأشخاص بتهمة “الإرهاب” لكنه لا يحدد المنظمة الإرهابية التي ينتمون إليها.
وقالت المجلة إن الرئيس السيسي قرر فجأة في حفل إفطار الأسرة المصرية بنهاية شهر رمضان الماضي، أنه يريد الحوار مع المعارضة المضطهدة، قائلا: “الوطن أكبر منا جميعا” و”خلافات الرأي لا تفسده”. ومن أجل أن يظهر حسن النية، أحيا لجنة العفو الرئاسية، وتم الإفراج عن عدد من السجناء العاديين، عدد قليل منهم سجناء سياسيين، مع أن الرئيس لم يظهر نبرة تصالحية منذ أن أطاح بحكومة الإسلاميين في عام 2013. وعلى أية حال، سيبدأ الحوار الوطني في شهر تموز/ يوليو الحالي، ولن يؤدي إلى وقف انزلاق مصر نحو الاستبداد، فقد تم استبعاد حركة الإخوان المسلمين التي لديها أكبر عدد من المعتقلين السياسيين، من الحوار. والأحزاب المشاركة في الحوار، تفعل هذا كي يتم الإفراج عن معتقليها، فقد شوهد حمدين صباحي، اليساري المعتدل وهو يعانق السيسي أمام كاميرات التلفزيون بعد إعلان الرئيس عن الحوار، ليفرج عن أحد رفاقه المقربين بعد يومين.
وعندما وصل السيسي إلى السلطة، قام أولا بملاحقة خصومه الإسلاميين، خاصة الإخوان المسلمين. لكنه في السنوات الماضية، وسّع من قمعه، ليشمل كل من ينتقدون سياسات الرئيس الاقتصادية مثلا، أو يشتكي من التحرش الجنسي (إن كان المشتكى عليه من أصحاب الصلات القوية مع النظام) أو يتحدى الأخلاق والأعراف المحافظة، كل هذه تعرض الشخص للسجن الذي لا تُعقد فيه محاكمات عادلة، إلا نادرا.
وتظل القوات الأمنية أقل الأجهزة عرضة للمحاسبة، ففي كانون الثاني/ يناير، سُرّب تسجيل فيديو كشف عن التعذيب في مركز شرطة بالقاهرة، وبدلا من التحقيق مع الشرطة، قرر المدعي العام، محاكمة الضحايا المزعومين، ووجه لهم تهما بتقويض سلطة الشرطة من خلال تزوير حكاية التعذيب.
ويتم التحكم بالخطاب العام بشكل كبير، وبعد صول السيسي إلى السلطة، اشترت أجهزة المخابرات عددا من القنوات التلفزيونية. ويقوم المسؤولون بتغذية الحوارات في برامج شؤون الساعة، والموافقة على النصوص الدرامية، ويجب على الروائيين الالتزام بالخط العام الذي ترسمه الدولة.
أما المصريون الذين يتجرأون على تشويه صورة السيسي، فهم يعيشون في الخارج، حيث تلجأ قوات الأمن لاعتقال أقاربهم لإسكاتهم. أما دعاة حقوق الإنسان في مصر، فقد عوقبوا بالحرمان من السفر وتجميد أرصدتهم لجعل حياتهم بائسة. وتم حجب مئات المواقع على الإنترنت اعتبرها النظام ناقدة له. ورغم حديث النظام عن الحوار والإفراج الرمزي عن بعض المعتقلين، إلا أن وتيرة الاعتقالات السياسية لم تتوقف، بما في ذلك اتهامات بتشويه صورة مصر. وشهدت مصر في الأسابيع الماضية، اعتقالات لمصريين انتقدوا الحكومة عبر منشورات على فيسبوك، أو لنشرهم لقطات فيديو على “تيك توك” لأشخاص يرقصون في مسجد أو يرتدون زي “باتمان”. ويرى باحث في حقوق الإنسان “أنها آلة قمع من الصعب وقفها”.
وتعلق المجلة أن عدد المعتقلين خلف القضبان لأسباب لا تتعلق بالعنف، من الصعب حصرها، وربما كان عددهم بعشرات الآلاف. ولعل السبب وراء عدم الوضوح في الأرقام، هو أن معظم الاعتقالات تخضع لصلاحية مؤسسة تابعة للدولة غامضة، اسمها نيابة أمن الدولة العليا. وزادت هذه المؤسسة من حالات الاعتقال في ظل السيسي من 529 حالة عام 2013 إلى 2.800 حالة العام الماضي. وعادة ما يُتهم المعتقلون بالانتماء لمنظمات إرهابية أو نشر الأخبار الكاذبة. ولا يتم إخبارهم عادة أي منظمة إرهابية ينتمون إليها “لأسباب تتعلق بالأمن الوطني”.وبعد عام من سيطرة السيسي على الحكم، أحصت جماعات حقوق الإنسان عدد المعتقلين الذين قُدّموا للمحاكم بحوالي 45 ألف شخص، وتم تحميل قوائم الحالات في مصدر مفتوح على الإنترنت: “ويكي ثورة”، لكن بات من الصعب متابعة الأرقام. فعندما يتم اتخاذ قرار بإسكات ناقد للنظام، يُتهم بالإرهاب، ويتم التعامل مع حالته أو حالتها من خلال نيابة أمن الدولة العليا، والتي لا تسمح عادة للمحامين بالدفاع عن موكليهم، وتمارس السرية على الأدلة والحالات، ومرة أخرى لأغراض حماية الأمن القومي. وعندها يصبح من الصعب إحصاء أو التعرف على مصير المعتقلين.وهناك مشكلة أخرى تتعلق بتحديد عدد المعتقلين، وهي أن قضية واحدة قد تشمل أعدادا كبيرة منهم.
وقالت جماعات حقوق الإنسان التي تدقق في الحالات التي تقدمها نيابة أمن الدولة العليا، إنها قدمت في العام الماضي 2.800.وفي عام 2016، قدرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وهي منظمة مصرية أُجبرت على التوقف هذا العام، أن أعداد المعتقلين ارتفعت إلى 60 ألفاً، وكان آخر تقدير لباحثيها هو 65 ألف معتقل. وهناك عدد كبير من المعتقلين ينتظرون المحاكمة حيث يقبعون وراء القضبان لأشهر وأحيانا لسنوات. ويحدد القانون المصري مدة عامين للمعتقلين كي تتم محاكمتهم أو يطلق سراحهم. لكن المدعين يتحايلون على القانون من خلال توجيه اتهامات جديدة للمعتقلين، وهي عملية معروفة لدرجة أنها أصبحت تعرف بـ”المناوبة”.وبهذه الطريقة تقوم نيابة أمن الدولة العليا، بإعادة عقارب الساعة للوراء واحتجاز المعتقلين لأمد غير محدد، حتى لو كانت تهمتهم الأولى وضع منشورات ناقدة على الإنترنت. والحالة الأشهر، الناشط علاء عبد الفتاح الذي اعتُقل عام 2013 بتهمة التحريض عبر الإنترنت على تحدي قرار السيسي منع التجمع.
وبعد قضائه خمسة أعوام في السجن، أُعيد اعتقاله من جديد، وقضى عامين في مرحلة ما قبل المحاكمة. وفي كانون الأول/ ديسمبر، قضت محكمة بسجنه لخمس سنوات أخرى، وهذه المرة لمشاركته منشورا عبر فيسبوك يتحدث عن الانتهاكات في السجون. وبدأ عبد الفتاح من نيسان/ أبريل، إضرابا عن الطعام في محاولة للحصول على حريته.في مواجعة الاتهامات بالتعذيب والقمع، قامت السلطات بإعادة تسمية السجون وأطلقت عليها “مراكز التأهيل والإصلاح”، وأُطلق على حراس السجون “مدراء”ويقوم المحققون بتعذيب المعتقلين واستخدام الصعقات الكهربائية وتعليقهم من أطرافهم لإجبارهم على الاعتراف.
وأصبحت الأحكام أكثر قسوة، ففي العام الماضي، حكم قضاة المحاكم بالموت على 356 شخصا، وهو أعلى رقم في العالم بعد الصين وإيران. والسجون نفسها هي بيوت رعب، حيث تُمنع العائلات من زيارة أبنائها المعتقلين، كما يمنع المعتقلون من التريض في الهواء أو الحصول على العلاج الصحي. وأحيانا تكون الزنازين ضيقة لكي يتمدد فيها السجين بسبب ازدحامها.
ومات أكثر من 100 شخص في الزنازين منذ عام 2013 بمن فيهم الرئيس المخلوع محمد مرسي، الذي توفي نتيجة سكتة قلبية في المحكمة عام 2019، بعد حرمانه من تناول دواء ضغط الدم المرتفع والسكري.وعندما مات أيمن هدهود، الباحث الاقتصادي في السجن في آذار/مارس الماضي، لم تعلم عائلته بوفاته إلا بعد شهر. وقال المدعي العام إن الوفاة كانت نتيجة سكتة قلبية، ونفى تعرضه للتعذيب كما قال باحثون في حقوق الإنسان. ويثعتقد أن معتقلا واحدا مات كل أسبوع في العام الماضي أثناء الاعتقال بسبب الإهمال الطبي.وينفي السيسي وجود معتقلين سياسيين، فيما يرى المسؤولون أن حالات التعذيب نادرة، لكن السلطات حساسة من هذه الاتهامات. وقامت السلطات بإعادة تسمية السجون وأطلقت عليها “مراكز التأهيل والإصلاح”، وأُطلق على حراس السجون “مدراء”
صحافة : إيكونوميست: سجون مصر مكتظة بالسجناء.. كلهم “إرهابيون” ولا يعلمون المنظمة التي ينتمون لها !!
20.07.2022