باريس: تحت عنوان: “حرب عالمية ثالثة دون الرغبة في ذلك؟”، تساءل الجيوستراتيجي الفرنسي رينو جيرار، في مقال رأي بصحيفة “لوفيغارو”: “هل نعبر اليوم في مضيق فورموزا مرحلة جيوسياسية خطيرة تذكر بمرحلة أوروبا البلقانية في بداية صيف عام 1914؟ هل تتقدم الصين والولايات المتحدة وتايوان الآن نحو المواجهة المسلحة، على غرار النمسا والمجر ضد صربيا حليفة روسيا، بعد هجوم سراييفو؟”.
هي أسئلة يقول الكاتب إنها تطرح نفسها في ظل المواقف الخطيرة وبلا داع والتي اختارها الأمريكيون أولاً، ثم الصينيون.
وتابع الكاتب طرح الأسئلة: “هل كانت نانسي بيلوسي، الرئيسة الديمقراطية لمجلس النواب، بحاجة فعلاً لزيارة تايوان؟ وهي تعلم أن هذه الزيارة ستثير حفيظة القوة الشيوعية الصينية؟ ألم يكن كافيا لمعنويات الديمقراطية التايوانية الشجاعة، أن أكد جو بايدن في مؤتمر صحافي عقد في طوكيو في 23 مايو 2022 أن أمريكا ستتدخل عسكريا إذا تعرضت الجزيرة لهجوم من قبل قوات الصين الشيوعية؟”.
ويضيف: “فبعد احتجاجات بكين، أوضحت واشنطن أنه لم يتغير شيء في الوضع الراهن منذ عام 1978: اعترفت أمريكا رسميا بصين واحدة فقط، لكن بكين امتنعت عن اتخاذ إجراءات قسرية ضد تايبيه. هل كان من الضروري أن تبالغ السيدة بيلوسي؟ إذن ما هي المزايا الدبلوماسية التي تقدمها سياسة الخرقة الحمراء تحت أنوف الثور؟”.
وأوضح الكاتب بالقول إنه قبل ثلاثة أشهر من انتخابات التجديد النصفي (يوم الثلاثاء الأول من شهر نوفمبر) والتي تعد بأن تكون صعبة للغاية بالنسبة للحزب الديمقراطي الأمريكي -الذي قد يفقد أغلبيته في مجلس النواب لصالح الحزب الجمهوري- يمكننا أفهم أن السيدة بيلوسي تريد التحدث عنها. لكن اختيار مثل هذا النهج الدبلوماسي الاستفزازي كان غير مسؤول.
كون العالم قد عاش 72 عاما دون مواجهة مباشرة بين القوى العظمى، لا يعني أن السلام النووي سوف يطول ميكانيكيا
واعتبر الكاتب، أن رد الفعل الصيني الصيني المبالغ فيه لم يمكن أكثر مسؤولية، بعد المناورات الجوية والبحرية بالذخيرة الحية في مضيق فورموزا، وفي بعض الأحيان إلى ما وراء الخط الفاصل بين البر الرئيسي للصين والجزيرة. وهي أهم المناورات البحرية التي نظمتها الصين على الإطلاق حول تايوان.
وقال الكاتب رينو جيرار: “صحيح أنه تزامناً مع موعد انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة، سيعقد المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني.. ويعتزم الرئيس شي جين بينغ الترشح لفترة ثالثة ويريد أن يظهر كرجل قوي. ولا شك أن الغالبية العظمى من الصينيين تشترك في طلب ضم جزيرة تايوان إلى الوطن الأم”.
فالدوافع الرئيسية لنانسي بيلوسي وشي جين بينغ هي السياسة الداخلية حاليا، وليس هناك ما هو أخطر من سياسة خارجية تتم على أساس اعتبارات سياسية داخلية، يقول الكاتب، محذراً من مغبة أننا نتعامل مع وضع متفجر، نظرا لأن العديد من سفن البحرية الأمريكية تبحر في المياه الدولية في هذا الجزء من بحر الصين، وبالتالي لا يستبعد وقوع حادثة بحرية صينية أمريكية. وتحت ضغط الإعلام القومي في الصين كما في الولايات المتحدة، يمكن أن يحدث تصعيد لن يتمكن أي شخص من إيقافه.
ورأى الكاتب أنه من الخطر على الصينيين والأمريكيين على حد سواء لمس الوضع الراهن لتايوان، موضحا أن هناك غموضاً استراتيجياً يجب الحفاظ عليه بأي ثمن. وأشار إلى مقال نشرته “ناشونال إنترست” مؤخرا، قال فيه الأستاذ في جامعة هارفارد غراهام أليسون، إنه إذا استمرت سياسة المشي أثناء النوم التي تتبعها حكومتا الولايات المتحدة والصين كالمعتاد، فسيكون لدينا تاريخ كالمعتاد، أي الحرب. ليس من الصعب كتابة سيناريو نهاية العالم: ستنضم روسيا إلى الصين، ومن خلال لعبة التحالفات، سينتهي بنا الأمر بالدخول في حرب عالمية ثالثة.
وحذّر الجيوستراتيجي الفرنسي من مغبة أن عود ثقاب الصين أخطر من ذلك الذي أشعل في أوكرانيا. فعلى الرغم من كونها مروعة، فإن الحرب في أوكرانيا ما تزال مقيدة بالحدود، في ظل تأكيد البلدان الغربية أن قواتها لن تدخل أراضي أوكرانيا التي تعرضت للهجوم، وأنها ستمتنع عن إمداد كييف بأسلحة يمكن أن تصل إلى أراضي روسيا، وإعلان الروس أنهم لن يستخدموا أسلحتهم النووية التكتيكية، المخصصة في حالة تهديد مصلحة روسية حيوية. بالإضافة إلى ذلك، تمكنت الأمم المتحدة من التصرف بشكل إيجابي بشأن النزاع، كما يتضح من ممر الحبوب بين أوديسا ومضيق البوسفور.
ويختم الكاتب بالقول: “للأسف، مثل الحدود غير موجودة حاليا في بحر الصين الشرقي. وكون العالم قد عاش 72 عاما دون مواجهة مباشرة بين القوى العظمى، لا يعني أن السلام النووي سوف يطول ميكانيكيا”.
كاتب فرنسي: هل نتجه نحو حرب عالمية ثالثة دون الرغبة في ذلك؟!
09.08.2022