أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
المرأة بين عنف ظاهر وآخر مستتر.. حكاية لا تنتهي وقصور في لجم الظاهرة !!
بقلم :  الديار ... 26.11.2015

تتنوع مظاهر العنف ضد المرأة ما بين جسدي ولفظي وجنسي وقانوني واقتصادي ونفسي وعاطفي، بدوافع يتقاطع فيها النفسي بالتربوي بالثقافي بالاقتصادي بالفهم الخاطئ للدين وبتعقيدات رهانات الحاضر، وتلتقي جميعها عند الفهم الخاطئ للأنا والآخر معا، وأيضا عند قصور أساليب التوعية والمتابعة والرصد، وضعف أو فشل الآليات القانونية المعتمدة في زجر وتأديب ومعاقبة المتورطين ووقاية وحماية الضحايا والتكفل بهم.
الرباط - أكدت تقديرات أممية أن واحدة من كل ثلاث نساء في العالم تعرضت لعنف جسدي أو جنسي غالبا من شخص مقرب، في ظاهرة لا تخص مجتمعا بعينه، وإنما تتخطى كل الحدود، وتزداد حدة في حالات الحرب واللجوء والتشرد والإعاقة والإدمان والعجز الناجم عن أمراض مستعصية أو مزمنة أو عن التقدم في السن.
ظاهرة فشلت ثقافة التمدن، وقصرت التشريعات والإجراءات عن لجمها، ولم تفلح التنبيهات والتحذيرات الأممية المضمنة في تقاريرها السنوية، في 25 نوفمبر اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء في كسر شوكتها وكبح توسعها، بل ما فتئت تزداد شراسة واستهدافا، كلما افتقر المجتمع إلى سكينة السلم والتسامح، وعصفت به سهام العنف والكراهية، وتاهت به المنعطفات في خضم اقتصاد مغامر غير عادل وغير آمن.
وبقدر ما تسرد الوقائع استفحال الظاهرة، بقدر ما تحكي الأرقام وتنزف من هول الوقائع؛ حيث تفيد أرقام أممية بتعرض نحو 35 بالمئة من النساء والفتيات على مستوى العالم لنوع من أنواع العنف الجنسي، وقد تصل في بلدان إلى نسبة سبع من عشر نساء.
كما تشير نفس الأرقام إلى إخضاع 130 مليون أنثى لتشويه أعضائها التناسلية بالختان، وإكراه 700 مليون فتاة على الزواج في سن مبكرة، 250 مليونا منهن تم تزويجهن دون سن الخامسة عشرة، مع ما يستتبع ذلك من حرمان كلي أو جزئي من التعليم، وتعريضهن بنسب أكبر لخطر المضاعفات الصحية الناجمة عن الولادة المبكرة، ولصنوف من العنف الزوجي.
وعلى سبيل المثال، في البرازيل، أحد البلدان اللاتينية الصاعدة، تم تشديد الانتباه، في دراسة بعنوان “خارطة العنف.. جرائم قتل النساء” تناقلت نتائجها صحيفة (فولها دي ساو باولو)، إلى مخاطر ارتفاع عدد النساء ضحايا جرائم القتل بنسبة 21 بالمئة خلال العشر سنوات الأخيرة، بتسجيل مقتل 46 ألفا و186 امرأة.
والمشهد لا يختلف كثيرا في باقي بلدان المعمورة، مع تفاوت ما بين بلدان الشمال والجنوب، ولكنه أدهى وأكثر قسوة وإيلاما في مناطق النزاع والأزمات وحيث يسود التخلف والعوز المادي.
وفي بلد عربي مثل المغرب هناك بحث أجرته المندوبية السامية للتخطيط حول انتشار العنف ضد النساء عن الفترة ما بين يونيو 2009 ويناير 2010، وعممت نتائجه في يناير 2011، وهو البحث الوطني الأول، الذي من المتوقع أن يتلوه قريبا بحث ثان لتحيين الأرقام واستيضاح تطورات الظاهرة.
البحث أظهر أنه من بين 9.5 ملايين امرأة، تتراوح أعمارهن ما بين 18 و64 سنة، تعرضت 6 ملايين منهن، أي 62.8 بالمئة، لشكل من أشكال العنف خلال 12 شهرا التي سبقت البحث (3.8 مليون امرأة بالوسط الحضري و2.2 مليون امرأة بالوسط القروي).
وبتصنيف أشكال هذا التعنيف، سجل البحث أن النفسي منها طال 4.6 ملايين امرأة بنسبة 48 بالمئة، والجسدي استهدف 1.4 مليون امرأة بنسبة 15.2 بالمئة، وبلغ عدد المعنفات منهن بآلة حادة 177 ألفا 1.9 بالمئة.
كما كشف عن تعرض 12 مليون امرأة للعنف المرتبط بتطبيق القانون بنسبة 17.3 بالمئة، و827 ألف امرأة للعنف الجنسي، بنسبة 8.7 بالمئة، واغتصاب 38 ألف امرأة بنسبة 0.4 بالمئة، وقهر 181 ألف امرأة لعنف ذي طابع اقتصادي، وفي مقابل هذه الأرقام، يتحدث التقرير الرابع للشبكة الوطنية لمراكز الاستماع للنساء ضحايا العنف (أناروز) عن تعرض 82 بالمئة من النساء للعنف الزوجي، و35 بالمئة للعنف الاقتصادي، و13 بالمئة للعنف الجنسي، و9 بالمئة للعنف القانوني، فيما يشير إلى أن حالات العنف الجنسي ضد النساء غير المتزوجات بلغت نسبة 50 بالمئة.
تنبئ الأرقام عن حجم الظاهرة لكن الكلمات تفجر المستور وتكشف عن عمق المعاناة النفسية. فعن التعنيف الأسري، تحكي (ع. م)، بنظرات شاردة، قصتها مع مرارة العنف ومذلة التبعية والركون إلى وضع مهين.. كانت تعتقد جازمة أن أبناءها يستحقون منها هذه التضحية.
ولكن الحقيقة التي لم تكتشفها إلا بعد فوات الأوان، هي أنها كانت منذ البداية، ضحية شخص مريض نفسيا وغير سوي خلقيا. وكانت بالدرجة الأولى ضحية إذعانها وسذاجتها.
ولم تتنبه إلا بعد حين من الزمن، وبعد أن تناوبت عليها صنوف شتى من أساليب التعنيف والتحقير والإهانة، أنها ساهمت بقسط في ما كانت تعانيه، باستسلامها وإذعانها، اعتقادا منها في البدء، بأن ما كان يمارس عليها من تعنيف جسدي ولفظي، وغالبا جنسي ببشاعة متناهية، هو في حكم العادي، وأنه "من صميم مهامها شرعا وعرفا كزوجة وأم".
طبعا في البداية كان الحب والحاجة إلى الآخر، تضمدان بعضا من تلك الجراح، لكن تراكم وتعمق المهانة والإحباط، ما كان لها في الأخير إلا أن تستفز كبرياءها، لتغدو جروح الباطن المتكلسة أكثر من آلام الجسد، وعلامات التعنيف سجلا لتاريخ عذابات الانسحاق وكره الذات قبل كره الآخر.
كثيرات، خاصة في البوادي وهوامش المدن لا تتفطن في الغالب إلى أنهن تتعرضن للتعنيف، وإن كن من بين ضحاياه الأكثر تضررا، إذ كثيراً ما يكنّ قد عايشن صورا منه في بيوتهن وهن صغيرات أو يافعات، وعاين تعرض أمهاتهن وأخواتهن وقريبات أو جارات لهن لصنوف منه من قبل الأب أو الأخ أو أحد من ذكور أسرة الأب أو الأم أو حتى إناثها من المتسلطات، وأحيانا من الأبناء أيضا.

1