أحدث الأخبار
الاثنين 16 أيلول/سبتمبر 2024
تعديل قانون الأحوال المدنية ظلم لحقوق المرأة وخطوة لتفتيت العراق!!
بقلم : أمير المفرجي ... 31.08.2024

عاد موضوع تغيير فقرات قانون الأحوال المدنية، الذي يهدد بضرب طبيعة المجتمع العراقي عرض الحائط إلى الذاكرة، ليضاف إلى مسلسل النكبات والكوارث المتكرّرة، التي شهدها العراق في السنوات الأخيرة، وطالت مزايا العراقيين وخصوصيتهم، ودمرت بنى بلدهم، على الرغم من الفرصة الكبيرة التي توفرت في التغيير وتطوير المجتمع، وضخامة حجم الثروات التي أتيحت للنظام السياسي الجديد منذ 2003.
لكن هذه الثروات الهائلة لم توظف في بناء المجتمع العراقي، بل وظفت في التركيز على طمس الهوية الوطنية، وأتاحت الفرص للدين السياسي الثيوقراطي، في التأثير على دور السلطات التشريعية والتنفيذية، من خلال دورها المفترض في تطوير البلد والمجتمع لمواكبة التطور الحضاري للمجتمعات المتحضرة.
تعديل قانون الأحوال المدنية يكرس النزعة الطائفية، التي قسمت العراقيين، وأشعلت الحروب والانقسامات، وباتت تشكل خطرا على وحدة المجتمع العراقي
لا شك أنه في حال قبول مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية، وخاصة تعديله للبنود المتعلقة بحقوق العنصر النسوي، التي يكفلها القانون الدولي الخاص بمنعه زواج القاصرات، ونقض حماية المرأة في حقوقها في الطلاق والميراث، من شأنه القضاء على جميع اتفاقيات حظر التمييز ضد المرأة، التي صادق عليها العراق عام 1986، وذلك بحرمان النساء والفتيات من حقوقهن، بسبب الاختلاف البيولوجي. كما إن التعديل ينتهك اتفاقية حقوق الطفل، التي صادق عليها العراق عام 1994، من خلال تشريع زواج الأطفال، وتعريض الفتيات لخطر الزواج القسري والمبكر.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذا المشروع، الذي يرمي إلى تعديل الأسس القانونية، التي تنظم علاقة المواطن، من حيث النسب والزواج، وما ينشأ عنه من حقوق وواجبات متبادلة، ما قد يؤدي إلى اضمحلال حقوق المرأة قانونيا في الإرث، ناهيك عن الخطورة الناتجة عن القبول بزواج القاصرات، وهو ما يضرب عرض الحائط، طبيعة المعادلة الطبيعية للمجتمع العراقي ووضع الأسرة فيه، وينافي في نفس الوقت الاتفاقيات الدولية الهادفة لحماية وتطوير حقوق النساء والإناث التي صادقت عليها الدولة العراقية، والتي تحظى بحماية الدستور. ما قد يثير موجة من الجدل والانتقادات الواسعة داخل الأوساط السياسية والشعبية في البلاد، ويكرس النزعة الطائفية، التي قسمت العراقيين، على حساب الهوية الوطنية، وأشعلت الحروب والانقسامات، التي باتت تشكل خطرا حقيقيا على وحدة المجتمع العراقي.
وهنا لابد من التأكيد أيضاً أن المادة الثالثة المراد تعديلها الخاصة بتحديد العمر، التي نصت على «إبرام عقد الزواج حسب المذهب السني والشيعي وتفويض الوقفين السني والشيعي»، على الرغم من الاختلاف المذهبي بينهما، لا يشكل انتهاكا كبيرا لحقوق الطفل فحسب، بل قد يكون خطوة جديدة لتفتيت العراق، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار اختلاف الرؤى والاجتهادات الطائفية، التي ستؤدي لا محالة إلى استمرار تفكك اللحمة الاجتماعية، وتقود في النهاية الى تقسيم العراق «شرعاً وقانوناً».
ثمة من يرى أن الأسباب الخفية في طرح مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، الذي استطاع سحب البساط من هيمنة المؤسسة الدينية في تنظيم قوانين الأحوال الشخصية، والعمل على تحديث قوانين الدولة وفق مبدأ المواطنة، يكمن في إرادة البعض العودة إلى الوراء، لاحتكار قوانين الدولة وتجييرها لحسابات شخصية، من خلال أسلمة الدولة، وفرض مشروع الإسلام السياسي المذهبي على القوانين والتشريعات، في عمل وإدارة المؤسسات، وتحت ذريعة حق الأغلبية في الحكم، لتكون الغاية في النهاية فرض هذه الإرادة على الدولة وقوانينها، من خلال الرموز الدينية، التي باتت تُميز العراق الجديد منذ أن أرست القوات الأمريكية ديموقراطيتها في هذا البلد.
وفي الوقت الذي تعمل فيه الأحزاب الطائفية على توسيع الهوة بين المكونات العراقية، من خلال طرحها لمشروع تغيير فقرات قانون الأحوال المدنية، تعود الدعوات الطائفية الهادفة إلى إنشاء إقليم سني يتمتع بالحكم الذاتي إلى الظهور، ويزداد انشغال السياسيين الكرد بتثبيت واقعهم الفيدرالي وتوسيع صلاحيته الانفصالية، ردا على حالة التشظي الطائفي، في خطوة قد تجر العراق إلى المزيد من الانقسام والتشرذم.
يبدو أن الخصوصية التاريخية التي يتمتع بها العراق بقوانينه المدنية، التي سجلها التاريخ، باتت تخيف سلطة الأوليغارشيات الطائفية وحكم الزعامات، المتمثلة في الرغبة في ترسيخ الأيديولوجية المستوردة لبقائهم في السلطة والنفوذ، على الرغم من حجم الصعوبات والعقبات التي يمثلها العراق بتاريخه وقوانينه التي يعرفها العالم المتحضر.
إن «من لا يقرأ التاريخ والماضي لا يفهم الحاضر ولن يستشرف المستقبل». وتاريخ بلاد الرافدين ليس قصة أو أسطورة بل حقيقة. فبناء الإنسان العراقي للحضارة هو تراث بلاد الرافدين عبر السنين.
إن خصوصية العراق في التنوع الإنساني وأصالة الثقافة الوطنية المتسامحة كفيلة بإخراج العراق من دائرة التأثير الخارجي، ومن تأثير قوانين الآخرين التي تحاول تغيير معالم العراق التاريخية والثقافية والاقتصادية، إلى حد المساس برمز العطاء والأصالة والتنوع العراقي، صانع قوانين الإنسانية والحضارة التي أرستها بلاد الرافدين في العالم، وكانت رمزا من رموز الشموخ العراقي، على الرغم من المحاولات الفاشلة لكسره وتفتيته من خلال توثيق تبعيته للآخرين.

*المصدر : القدس العربي
1