رغم أن جرح الفقد سيظل قائما إلا أن ذلك منح فسحة من الأمل ليحيا اللبنانيون الذين يحيون ذكرى مفقودين بالآلاف ولا تعرف عائلاتهم شيئا عن مصيرهم منذ سنوات حرب الأهلية (1975-1990).بيروت - بالألوان والألحان، شاءت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن تذكّر هذه السنة في اليوم العالمي للمفقودين بالآلاف من هؤلاء في لبنان والذين لم تعرف عائلاتهم شيئا عن مصيرهم منذ سنوات الحرب الأهلية (1975-1990)، فأطلقت الجمعة أغنية تتناول هذه القضية وعرضت كراسي حوّلها الأهالي المنتظرون، برسومهم عليها، قطعا فنية.وقالت الناطقة باسم اللجنة ومسؤولة العلاقات الإعلامية سالي عون "نحيي منذ سنوات في 30 أغسطس من كل سنة اليوم العالمي للمفقودين، وهذه السنة أردنا أن نعطي الاحتفال طابعا ثقافيا" يقرّب القضية من الناس. وشهد الاحتفال إطلاق أغنية بعنوان “وبقيت” كتبت كلماتها ولحّنتها وغنّتها وتولت إخراج النسخة المصوّرة منها الفنانة متعددة المواهب جمال أبوحمد.وقالت أبوحمد (32 عاما) التي أهدت الفيديو في مطلعه “إلى كل الذين انتظروا وكافحوا، ولا يزالون، من أجل عودة أحبائهم المفقودين. حاولت أن أضع نفسي مكان الأهالي وأن أعبّر من خلال الأغنية عن أحاسيسهم". وأملت أبوحمد التي تتولى مسؤولية إنتاج المواد السمعية والبصرية في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان، في أن تتمكن من "إيصال هذه المشاعر إلى الناس”، إذ “من المهم الاستمرار في إثارة القضية والمطالبة” بكشف مصير المفقودين.وهذه الأغنية، على ما شرحتها الشابة التي درست الإخراج والتمثيل، هي عبارة عن "حوار بين امرأة وزوجها المفقود"، يُظهِرها في حالات نفسية متنوعة وفي مراحل مختلفة. وحرصت أبوحمد، من الناحية البصرية، على “إبقاء الكاميرا ثابتة في مكان واحد، وكذلك الديكور والإضاءة لا يتغيران، ووحدها المرأة تتقدم في السن” في ما يمرّ الوقت وهي تنتظر.
أما الموسيقى فهي "معبّرة عن القلق، ليشعر المستمع (..) بثقل ما يعيشه الأهالي"، على ما شرحت الكاتبة والملحّنة والمغنية والمخرجة التي أرادت إصدار عمل عن قضية تقول إنها تعنيها منذ أن كانت صغيرة، مع أن لا مفقودين من أفراد عائلتها. وروت أنها تأثرت وهي في العاشرة برؤية خيم كان الأهالي يقيمونها في وسط بيروت للاعتصام فيها، وواظبت على متابعة القضية في السنوات اللاحقة حتى كتبت الأغنية. ورأت الناطقة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر سالي عون أن الأغنية تذكّر “بأهمية عدم نسيان هذا الملف (..) وتعبّر عن ألم الأهالي وعن انتظارهم ونضالهم".وفي القاعة نفسها التي أدّت فيها أبوحمد الأغنية خلال الاحتفال مساء الجمعة في مركز للأنشطة الفنية في بيروت، عُرض عدد من الكراسي الملوّنة هي نماذج من مجموعة أكبر أدرجت صورها وشروح عنها في كتاب بعنوان “كراسٍ فارغة، عائلات تنتظر". وأوضحت عون أن “عائلة كل مفقود رسمت تصورها وأفكارها وأحلامها على كرسي” ضمن مشروع لتخليد ذكرى المفقودين.وبحسب الكتاب، هذه الكراسي “من تصميم أشقاء أشخاص فقدوا في لبنان جراء النزاعات المسلحة منذ عام 1975 وآبائهم وبناتهم وأبنائهم وحتى أحفادهم، ومن تنفيذهم”. و"تمثل هذه الكراسي الفراغ الذي خلّفه المفقودون. ويُعّدُّ كلّ منها عملا إبداعيا أنتجته عائلات المفقودين علما أن معظم أفراد هذه العائلات" لم يسبق أن أمسك فرشاة رسم أو طلاء، وفق الكتاب. وأوضحت اللجنة في الكتاب أن “كل كرسي يمثّل شخصية الشخص المفقود والذكريات التي ما زالت راسخة في أذهان أفراد عائلته".وجرى العمل على هذه الكراسي "خلال جلسات جماعية أتاحت للعائلات فرصة التعبير عن معاناتها مع آخرين عاشوا تجربة مماثلة”، على ما جاء في النص أيضا. وشدّد الكتاب على أن “هذا العمل الجماعي قرّب بين عائلات من مختلف الخلفيات وسلّط الضوء على قضيتها المشتركة (..) وشجّعها على نضالها لمعرفة مصير أحبائها”.وتثبت هذه الكراسي "أن كل مفقود هو أكثر من مجرد رقم من بين الآلاف الذين فقدوا خلال النزاعات المسلحة، فخلف كل كرسي، عائلة لا تزال تنتظر معرفة مصير أحد أحبائها وتبحث جاهدة عن طريقة لتكريم ذكراه".وتناول أكثر من عمل سينمائي وتلفزيوني قضية المفقودين على مدى السنوات الماضية، ومنها فيلما "شتي يا دني" الروائي و"مختطفون" الوثائقي لبهيج حجيج، و"وينن؟" (“أين هم؟") لجورج خباز. وعرض خلال شهر رمضان عام 2022 مسلسل بعنوان "النار بالنار" أدى فيه خباز دور ابن لمفقود. وتحدث الكاتب والممثل عن هذين العملين في مقابلة مصوّرة عُرضت خلال الاحتفال الجمعة.
بيروت تحيي ذكرى مفقودي الحرب بالألوان والألحان!!
31.08.2024