
نشرت صحيفة “الغارديان” مقالًا للمعلقة نسرين مالك قالت فيه إن قادة الغرب المشاركين في قمة شرم الشيخ هم من مكّن ورعى هذه المذبحة، ولهذا فهم لا يستطيعون بناء مستقبل فلسطيني.
وأضافت أن شرم الشيخ استقبلت، اليوم الإثنين، أبرز تجمع لقادة العالم في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة.
واجتمع دونالد ترامب وكير ستارمر وإيمانويل ماكرون وبيدرو سانشيز وآخرون في قمة “لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وتعزيز الجهود الرامية إلى تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وبدء عهد جديد من الأمن والاستقرار الإقليمي”.
وعلّقت قائلة إنه إذا صمد وقف إطلاق النار، فإن هذه اللغة تنذر بمستقبل خالٍ من المحاسبة ومعالجة الأسباب الجذرية. وستكون مجرد اندفاع نحو ضرورات التطهير والإصلاح. وفي الوقت نفسه، يستمر الاحتلال غير الشرعي، ويُطوى فصل آخر من انتهاكات إسرائيل سرًا دون محاسبة، ليس فقط لإسرائيل، بل لرعاتها أيضًا.
وقالت مالك إن هناك تعبيرًا عربيًا يتبادر إلى الذهن بينما يتجمع أولئك الذين أمدّوا إسرائيل بالسلاح ليبحثوا عن طريقة لتحقيق السلام في غزة، ألا وهو: “حاميها حراميها”.
وخلال الأسابيع والأشهر القادمة، ستظهر غزة أكثر دمارًا مما عُرض على العالم حتى الآن. لقد بدأ يتضح بالفعل حجم ما يحتاج إلى إعادة إعمار. ويعود الناس إلى منازلهم في مدينة غزة ليجدوا أرضًا قاحلة سوتها القنابل ثم الجرافات بالأرض.
و”في صور المنطقة، حتى ضوء الشمس يبدو مختلفًا وخارقًا للطبيعة، لم أستطع فهم السبب، حتى أدركت أنه بسبب عدم وجود مبانٍ لتصفيته وليس هناك ظل. المنزل الذي يعود إليه ليس سوى قطعة أرض لنصب خيمة أخرى وانتظار المساعدات، لكن هذه المرة، مع خطر أقل للتعرض للقصف أثناء النوم”.
وأضافت: “لقد تحرر الناس في غزة من خوف الموت، ولكن ماذا عن الحياة التي يواجهونها الآن؟ ماذا عن آلاف الأيتام والأطفال الجرحى أو المشوهين الذين ليس لديهم عائلات على قيد الحياة؟
لم تُدمَّر البنية التحتية لأجزاء كبيرة من غزة فحسب، بل طال الدمار النسيج الاجتماعي أيضًا. لقد مُحيت سلالات العائلات على مدى جيلين أو ثلاثة أو أربعة أجيال.
الكاتبة: ستظهر غزة أكثر دمارًا مما عُرض على العالم. بدأ يتضح حجم ما يحتاج إلى إعادة إعمار. ويعود الناس إلى منازلهم في مدينة غزة ليجدوا أرضًا قاحلة
ماذا عن آلاف الآباء الذين دفنوا أطفالهم؟ وماذا عن كل من جمعوا أشلاء أحبائهم؟ كيف يمكن حتى البدء في التفكير في معالجة هذه الصدمة الجماعية في ظل انعدام أي سقف للتجمع تحته؟ يقول رجل من غزة عن أخيه الذي فقد جميع أطفاله وزوجته في غارة واحدة إن أخاه “يتجول باستمرار، يدور حول الأنقاض” في الموقع الذي ماتوا فيه”.
ومن المؤكد أن عدد القتلى سيرتفع، حيث يتم انتشال الجثث التي لم يكن من الممكن انتشالها من بين الأنقاض. لقد قُتل أو جُرح ما لا يقل عن 10% من سكان غزة، وهذا تقدير متحفظ.
وتؤكد مالك على أهمية جمع هذه الحقائق باعتبارها تكاليف الحرب: “يجب أن ينتهي الهجوم، لكن الشروط التي تنهيها، والتي يُبنى عليها مسار صنع السلام وإعادة الإعمار، بالغة الأهمية، ولا يمكن تصحيح الجرائم التي ارتُكبت، أو حتى منع تكرارها، إذا استمرت الظروف التي مكّنت مرتكبيها من الاستمرار”.
وهذا أمر يصعب الإصرار عليه عند التعامل مع إبادة جماعية، كما تقول. فحجم الموت والعنف ومحو شروط الحياة يجعل وقف هذا المحو هو الأكثر إلحاحًا، والأمر الوحيد الذي يجب التركيز عليه.
ولكن مع ذلك تأتي التبرئة، وما هو أسوأ. يستعد دونالد ترامب بالفعل للاحتفال بنصره في صنع السلام، بعد أن مكّن ما حدث منذ أشهر. وأشاد جاريد كوشنر بسلوك إسرائيل قائلًا: “بدلًا من تكرار همجية العدو، اخترتم أن تكونوا استثنائيين”، فيما أشاد ستارمر بترامب لتأمينه الصفقة، وركز على أهمية السماح بدخول المساعدات الإنسانية. وقال مكتب رئاسة الوزراء إنه سيشيد “بشكل خاص” بالرئيس الأمريكي في شرم الشيخ.
“وهكذا أصبح لدينا الآن جريمة بلا مجرمين، وإبادة جماعية بلا مرتكبي إبادة جماعية، وشعب بائس، نعتقد أن “حماس” هي من أذلته، ويجب إطعامه وسقيه بينما يفكر العالم في كيفية التعامل معه. يُمحى من جديد تاريخ كامل على امتداد فلسطين وتاريخ من الإفلات الإسرائيلي من العقاب والهيمنة، وتاريخ من التطهير العرقي المتكرر والحكم العسكري وتوسيع المستوطنات، والآن الرفض الصريح لحق الفلسطينيين في تقرير المصير”.
وهذه المرة، تصبح هذه التبرئة، وهذا التأطير لما حدث على أنه مأساوي وانتهى أخيرًا، أكثر إلحاحًا، لأن مسؤولية الدول التي دعمت إسرائيل وأسكتت منتقديها أصبحت أوضح من أي وقت مضى.
وبالطبع، ستهرع إلى شرم الشيخ لو كنت تمثل حكومة زودت إسرائيل بالسلاح وقيدت الاحتجاجات، ورفضت إما تأييد تصريحات الإبادة الجماعية، أو الالتزام بأحكام المحكمة الجنائية الدولية عندما أصدرت مذكرة توقيف بحق بنيامين نتنياهو.
يمثل السلام في غزة فرصة للنسيان، لمحو حقبة من الوعي الجماعي، لجأت فيها بعض الدول الغربية إلى استخدام هراواتها ضد الأعراف والمؤسسات الدولية، بل وسياساتها الداخلية، لفرض تدمير غزة.
مالك: يمثل السلام في غزة فرصة للنسيان، لمحو حقبة من الوعي الجماعي، لجأت فيها بعض الدول الغربية إلى استخدام هراواتها ضد الأعراف والمؤسسات الدولية، بل وسياساتها الداخلية، لفرض تدمير غزة
ومع ذلك تؤكد مالك أن الكثيرين في جميع أنحاء العالم ممن شهدوا المذبحة، وكل من ساهم في استمرارها لمدة عامين كاملين، لن ينسوا بسهولة. إن المستقبل الآمن لسكان غزة، وفلسطين عمومًا، ليس بالأمر الذي يمكن أن يحققه اللصوص الذين تحولوا إلى حماة. فبدون تمكين الشعب الفلسطيني وتقرير مصيره، لا يمكن أن يكون هناك ثقة أو إيمان بإسرائيل أو حلفائها لتحقيق ذلك “السلام الدائم” الذي يُنادى به باستمرار.
لقد توقفت عمليات القتل في غزة، لحسن الحظ، مؤقتًا، ولكن لا بد من رفض تطبيع ما سيأتي لاحقًا والعودة إلى وضعٍ راهن حيث نستمر فيه جميعًا في التظاهر بأن حياة الفلسطينيين قابلة للاستمرار تحت سلطة إسرائيل.
وسيستمر قتل الفلسطينيين ونهب منازلهم وتعذيب أسراهم واحتجازهم دون محاكمة عادلة. ما تعلمناه في العامين الماضيين لا يمكن نسيانه، على الرغم من كل الطاقة التي ستبذل لتحقيق ذلك. لا يمكن إعادة القضية الفلسطينية إلى هامش السياسة “المعقدة” والهامشية، وهو إطار مكن من عامين من الدمار. لقد تخلى مرتكبو هذا الدمار، منذ زمن طويل، عن أي ولاية على الشعب الذي ساعدوا في قتله وتحطيمه. وما سيُكشف الآن في عدد القتلى والحطام في غزة يجب أن يجعل إنكار ذلك مستحيلًا.
ومع نزول قادة العالم، يخيم على شرم الشيخ سطر من قصيدة “غيرونشن” للشاعر تي. إس. إليوت: “بعد هذه المعرفة، أي غفران؟”.
