أحدث الأخبار
الجمعة 12 أيلول/سبتمبر 2025
طلاب مخيمات الضفة... عام دراسي مشتّت وتمسّك بمدارس "أونروا"!!
بقلم :  محمود السعدي ... 12.09.2025

رام الله..انطلق العام الدراسي وسط استمرار التهجير القسري لعشرات الآلاف من اللاجئين من مخيمات شمالي الضفة الغربية، حيث التحق آلاف الطلاب بالمدارس الحكومية، رافضين جعلها بديلاً دائماً عن مدارس "أونروا".
للمرة الأولى منذ عقود، يحلّ العام الدراسي في الضفة الغربية من دون أن يتمكّن آلاف الطلاب اللاجئين من العودة إلى مدارسهم المعتادة في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، شمالي الضفة الغربية المحتلة، حيث أدى العدوان الإسرائيلي المتواصل إلى تهجير السكان، وتدمير المنازل والبنى التحتية، وحرم الطلاب من بيئتهم التعليمية، وتركهم مشتتين بين مدارس بديلة لا تشبه مدارسهم الأصلية التي شكّلت جزءاً من ذاكرتهم وهويتهم.
منذ أن نزحت نهاية الجندي من مخيم نور شمس، شرقي طولكرم، في 9 فبراير/ شباط الماضي، أصبحت العملية التعليمية لابنتها سلمى جابر (14 سنة) أحد هواجسها، فابنتها انقطعت لأشهر عن التعليم الوجاهي بسبب النزوح الذي تزامن مع بدء الفصل الدراسي الثاني. ولم تعد سلمى إلى التعليم الوجاهي إلا في أواخر العام الدراسي الماضي، وليومين فقط من كل أسبوع، كما تقول والدتها لـ"العربي الجديد".
ومع بدء العام الدراسي الذي انطلق في الثامن من سبتمبر/ أيلول الجاري، تتوقع الجندي عاماً صعباً على ابنتها وعلى عموم طلاب مخيمي نور شمس وطولكرم اللذين نزح سكانهما قسراً، على وقع عدوان الاحتلال واجتياح المخيمين، ما أدى كذلك إلى تعطيل العملية التعليمية في مدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
ستدخل سلمى الصف التاسع الأساسي هذا الشهر من دون أن تتمكن من العودة إلى مدرستها في المخيم، بعد عام دراسي صعب تراجع خلاله تحصيلها التعليمي، كون الفصل الدراسي الأول من العام الماضي لم ينتظم بسبب الاقتحامات المتكررة، في حين كان معظم الفصل الدراسي الثاني عبر تقنية التعليم الإلكتروني.
ومع بداية النزوح، رفضت الجندي إلحاق ابنتها بأي مدرسة، بسبب انعدام الأمان في شوارع طولكرم، إلى أن افتُتحت مدرسة في حي إكتابا، كانت تقصدها بواسطة وسيلة نقل، في حين كانت مدرستها تبعد دقيقة عن المنزل. وقد أُبلغت عائلات المخيمين بشكل مبدئي بأن المدارس التي ستستخدمها "أونروا" في كل من ضاحيتَي إكتابا وذنابة ومدينة طولكرم، ستقتصر الدراسة فيها على ثلاثة أيام أسبوعياً، بعضها في الفترة الصباحية وأخرى في الفترة المسائية.
ويأتي هذا في ظل وضع اقتصادي صعب، كما تقول الجندي، بعد أن فقدت معظم العائلات مصدر رزقها ومنازلها وممتلكاتها، وهي بحاجة لتوفير الملابس والقرطاسية، وحتى أجور المواصلات، في ظل بُعد مراكز التعليم المؤقتة عن أماكن سكن الطلاب. صحيح أن جهات عدة بما فيها "أونروا" وزعت حقائب على الطلاب، ولا سيما المراحل الابتدائية، لكن ذلك لا يكفي لعائلات نازحة تحتاج إلى كل شيء، وفقاً لقولها.
حال سلمى كحال أكثر من 1400 طالب وطالبة في مدارس مخيم نور شمس في الضفة كما يؤكد رئيس اللجنة الشعبية في المخيم، نهاد الشاويش، لـ"العربي الجديد"، وأكثر من 1300 طالب وطالبة في مدارس مخيم طولكرم، وفقاً لإحصاءات "أونروا". ويشير الشاويش إلى أن طلاب المخيم مشتتون في أماكن نزوحهم، فمَن نزح إلى قرية أو بلدة بمحافظة طولكرم العام الماضي التحق أبناؤه بالمدارس الحكومية فيها، لكنهم كانوا فقط مستمعين، حيث واجهوا مشاكل استيعاب، قبل أن تتدخل وزارة التربية والتعليم العالي. ويرى أن المشكلة تكمن بأن هؤلاء الطلاب انتقلوا من نظام الوكالة إلى نظام المدارس الحكومية، ومن بيئة مدرسية يعرفون فيها زملاءهم ومعلميهم إلى مدارس لا يعرفون فيها أحداً.
ويؤكد الشاويش أنه حتى الآن لا بدائل حقيقية عن مدارس الوكالة، وجرت محاولة لتشغيل مدرسة مخيم طولكرم من أجل استيعاب الطلاب من المخيمين، كونها على طرف مخيم طولكرم وأقرب إلى مدينة طولكرم، لكن الاحتلال أبلغ الارتباط الفلسطيني رفضه ذلك. ويفسر الشاويش ذلك بالقول "إن أحد أهم ما يستهدفه الاحتلال في المخيمات هو وكالة أونروا ومؤسساتها، ولذلك يرفض إعادة خدماتها سواء المدارس أو الخدمات الأخرى، بعد أن أعدم كل شيء في المخيمين، من شوارع وكهرباء ومياه وبنى تحتية". ويشدد على أن الأهالي بحاجة ماسة لكل شيء، ولا يستطيعون تلبية احتياجات أبنائهم الطلبة، في ظل عدم وجود مصدر دخل لمعظمهم.
بالرغم من استعداد الطفلة هبة غريب، من مخيم جنين، لدخول الصف السادس الأساسي هذا العام في مدارس "أونروا"، فإن النزوح القسري الذي عانته برفقة عائلتها ترك أثراً بالغاً على صحتها النفسية ومصير دراستها، كما يروي والدها مؤنس لـ"العربي الجديد"، وهو أمين سر اللجنة الشعبية لخدمات مخيم جنين.
هبة التي اعتادت على مدرستها وبيئتها التعليمية في مخيم جنين، أنهت العام الماضي فصلها الأول بمعدل 97%، غير أن انتقالها لمدرسة أخرى بسبب النزوح أدى إلى خفض معدلها بنهاية العام الدراسي، والسبب، كما يوضح والدها، ليس ضعف قدراتها، بل صدمة التهجير وفقدان الصديقات والمعلمات والبيئة التي اعتادتها. اليوم تجد هبة نفسها في مدرسة برقين الحكومية، غربي جنين، لكنها ترفض أي بديل عن مدرستها الأصلية.
ويتحدث مؤنس عن تداعيات النزوح القسري على المسيرة التعليمية لطلاب المخيم، حيث إن غيابهم عن مدارس أونروا يشكل "كارثة بحد ذاتها" انعكست سلباً على تحصيلهم الدراسي، واستقرارهم النفسي والاجتماعي. ويقول: "طلابنا فقدوا ملاذهم الطبيعي، حيث كانوا يجدون أصدقاءهم ومعلميهم، ما أدى إلى حالات تسرب مدرسي وصعوبة في التكيف، وانعكست بعض الآثار على سلوكياتهم داخل البيوت، وظهرت بوادر عنف لدى بعضهم". ويتطرق إلى مقترحات وزارة التربية والتعليم لتخصيص دوام مسائي ببعض المدارس القريبة من سكن النازحين، يلتحق بها طلاب المخيم، مع توفير حافلات تقلّهم إلى هذه المدارس، وذلك بهدف الحفاظ على هويتهم التعليمية كطلاب لاجئين يتبعون لوكالة أونروا، وعدم ذوبانهم في المدارس الحكومية.
ويشير مؤنس إلى أن قسماً من الأهالي اضطر هذا العام لدمج أبنائه في مدارس حكومية كـ"طلبة زائرين"، وهو خيار مؤقت بحكم الظروف، لكنه لا يلبي حاجة الطلاب في الحفاظ على بيئتهم التعليمية المعتادة. ويؤكد رفض اللجنة الشعبية دمج طلاب المخيم الذين كانوا في مدارس "أونروا" ضمن المدارس الحكومية، مطالباً بتفعيل دور الوكالة وبتحمّل مسؤوليتها تجاه اللاجئين بمخيم جنين، حفاظاً على هويتهم التعليمية، وحقهم الأصيل في التعليم كلاجئين، إلى حين عودتهم لديارهم التي هُجروا منها عام 1948.
لا يزال الواقع التعليمي لطلاب مخيم جنين صعباً ومعقداً، حيث يواصل نحو 3000 طالب وطالبة حياتهم الدراسية في مدارس حكومية بديلة منذ نزوحهم القسري في 21 يناير/ كانون الثاني الماضي، لكنهم يعانون التشتت والضياع، وفقاً لنائب رئيس اللجنة الشعبية للاجئين في محافظة جنين، فداء تركمان. ويقول لـ"العربي الجديد": "من بين مجموع الطلبة نحو 1500 طالب وطالبة من الصف الأول حتى التاسع الأساسي كانوا يلتحقون بست مدارس تابعة لوكالة أونروا في مخيم جنين، بينما البقية كانوا بمدارس حكومية تقع عند أطراف المخيم، وتستوعب الطلاب حتى مرحلة الثانوية العامة (التوجيهي)". هؤلاء الطلبة وفق تركمان، جرى استيعابهم بمدارس حكومية وأخرى تابعة لوكالة أونروا في بلدات وقرى محافظة جنين، في خطوة مؤقتة طارئة ليست بديلة عن مدارس الوكالة، لأن مدارس "أونروا" تشكل ركناً أساسياً في هوية اللاجئين، وشاهداً حياً على نكبة عام 1948.
ويضيف تركمان: "المخيم والوكالة هما الشاهدان الوحيدان على حق العودة، ولن نقبل بتحويل مخيم جنين إلى مجرد حي من أحياء مدينة جنين، وهو ما يسعى إليه الاحتلال". ويشير إلى أن الدراسة انتظمت العام الماضي في المدارس الحكومية ومدارس الوكالة في قرى وبلدات جنين، إلا أن الطلاب عانوا من تشتت نفسي واجتماعي أفقدهم أصدقاءهم ومعلميهم، وأبعدهم عن مدارسهم الأصلية، ما انعكس سلباً على تحصيلهم.
وبحسب تركمان، فاقمت الظروف الاقتصادية المتدهورة للعائلات النازحة من حدة الأزمة، وبالرغم من أن "أونروا" واللجنة الشعبية لخدمات مخيم جنين وفّرتا حقائب مدرسية للطلاب مع بداية العام الجديد، فإن "الجانب النفسي لا يزال هشاً". ويؤكد أن الأولوية تبقى لعودة الطلاب إلى مدارسهم داخل مخيم جنين.
ويلفت الناطق باسم وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، صادق الخضور، إلى أن آثار اجتياح المخيمات في جنين وطولكرم لم تقتصر على طلاب مدارس "أونروا" وطلاب المخيمين فقط، بل شملت مدارس حكومية إما متاخمة للمخيمات الثلاثة، طولكرم ونور شمس وجنين، أو أنها تقع بمناطق الاحتكاك مع الاحتلال. ويُقدّر الخضور عدد الطلاب المتضررين بـ15 ألفاً في محافظة جنين، و15 ألفاً في محافظة طولكرم، إضافة إلى نحو ألف من تلامذة رياض الأطفال.
ويضيف لـ"العربي الجديد": "تأثرت كذلك نحو 40 مدرسة في المحافظتين، إما أُغلقت وجرى تعديل أماكن الدوام، أو عُدّلت ترتيبات الدوام فيها". وحول خطط هذا العام، يتحدث الخضور عن خطة طوارئ أُقرّت ونُفّذت في الشهرين الأخيرين من العام الدراسي السابق، حيث أُعيد ترتيب دوام بعض الطلاب، وجرى تغيير بعض المدارس، وإغلاق مدارس متاخمة للمخيمات، وسيبقى هذا الخيار، حيث تعمل بعض المدارس بنظام الفترتين، الصباحية والمسائية.
وبخصوص طلاب "أونروا"، يؤكد الخضور أنه تم استيعاب النازحين في المدارس الحكومية بشكل مؤقت، مع بقاء تبعيتهم للوكالة، فيما أُتيحت بعض المدارس الحكومية للوكالة، حيث حولتها إلى مراكز لطلابها، وبشكل خاص في الفترة المسائية. ويتحدث عن تدابير خاصة بدوام رياض الأطفال في المحافظتين، حيث تضرر نحو ألف من تلامذة رياض الأطفال، وجرى دعم 12 روضة خاصة لاستيعابهم.
بحسب وزارة التربية، وبعد أسبوع على تأجيل العام الدراسي الجديد بسبب الأزمة المالية التي تمر بها السلطة الفلسطينية، توجه أكثر من 800 ألف طالب وطالبة في 8 سبتمبر الجاري إلى مدارسهم في الضفة الغربية. وبين أولئك نحو 300 ألف طالب في المدارس الحكومية، وأكثر من 47 ألف في مدارس "أونروا"، إلى جانب نحو 159 ألفاً في المدارس الخاصة. ويبلغ عدد المدارس في الضفة 2497 مدرسة، منها 1948 حكومية، و453 مدرسة خاصة، و96 مدرسة تابعة لـ"أونروا"، فيما يتجاوز عدد المعلمين في الضفة 53 ألف معلم ومعلمة، بينهم نحو 11 ألفاً في المدارس الخاصة، ونحو 2000 في مدارس الوكالة.
وفي المقابل، فإن أكثر من 700 ألف طالب وطالبة في قطاع غزة ما زالوا محرومين من حقهم في التعليم منذ عامين، بفعل حرب الإبادة المتواصلة.
ومنذ نحو ثمانية أشهر تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي حملتها العسكرية على مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، ما أدى إلى استشهاد وإصابة العشرات بالتوازي مع تنفيذ حملات اعتقال. كما أدى العدوان على تلك المخيمات إلى تهجير قسري لأكثر من 47 ألف لاجئ وتدمير 1250 منزلاً ومبنى سكنياً على الأقل بشكل كلي، وتضرر آلاف المنازل والمنشآت، في ظل استمرار إغلاق مداخل المخيمات بالسواتر والبوابات، وشق طرق وتدمير البنى التحتية.

**المصدر : العربي الجديد
1