بقلم : الهام لطيفي ... 18.03.2009
[ العلامة السید محمد حسین فضل الله: یؤکد علی مساواة المرأة مع الرجل و رفض العنف ضدّ المرأة و ختان الإناث .. العلامه فضل الله اشتهر بفتاويه المثيرة للجدل في الوسط الشيعي وخاصة في مجال حقوق المرأة ومنها فتوي العنف ضد المرأة التي افتي به في العام الماضي في يوم مکافحة العنف ضد المرأة]
الهام لطیفی - اكد العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله في حوار حول يوم الثامن من شهر مارس يوم المراه العالمي علي حقوق المرأة و قال " ان الإسلام لا يفصل بين الجانب التشريعي والجانب الإنساني الأخلاقي" في هذا المجال و "حتّى الرضاعة لا تُلزم بها المرأة تشريعاً" کما رفض العنف ضد المراة وختان الإناث , وقد طرحت السيده الهام لطيفي الاسئله التاليه على سماحة السيد فضل الله:
ما رأيکم بمقولة المساواة بين المرأة والرجل؛ هل هي مطلقة أم نسبيّة؟
لعلّ من المفيد طرح المسألة من زاوية العناصر الإنسانيّة المشتركة و زاوية العناصر التي تتّصل بالاختلاف بين الجنس في طبيعة الدور الموكل إليه، من دون الدخول في الإجابة عن السؤال بالطريقة الحادّة التي قد تبتعد بالمسألة عن واقعيّتها. أمّا فيما يخصّ العناصر الإنسانيّة، فنحن نؤمن بأنّ المرأة إنسانٌ كامل الإنسانيّة كما الرجل، وليس هناك من خصوصيّة لأحدهما على الآخر في الإنسانيّة وعناصرها من حيثُ هو ذكر أو أنثى، بل الخصوصيّة الإنسانيّة تتبع ما يحقّقه الإنسان، سواء أكان رجلاً أم امرأة، من معنى إنسانيّته، سواء في العقل والفكر أو في الممارسة والإنتاج. ونحن نعتقد أنّ الإسلام أكّد على هذا الجانب عندما ساوى بين الذكر والأنثى في العقل والمسؤوليّة والنتائج، كما قال تعالى: " أنّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض" ، وكما قال تعالى:" والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، وما إلى ذلك.. حتّى أنّنا نجد في القرآن الكريم حديثاً عن نماذج من النساء تمثّل قدوةً للإنسان كلّه، رجلاً أو امرأة، كما في حديث القرآن عن السيّدة مريم التي عاشت الطهارة كلّها فضربها الله لذلك مثلاً للذين آمنوا من الرجال والنساء، أو في امرأة فرعون التي تبرّأت إلى الله من ظُلم زوجها وطغيانه، وعرض لنا نموذجاً للمرأة التي أظهرت من الحكمة ما تفوّقت به على الرجال، وهي ملكة سبأ. ولذلك نحن نجد أنّ القاعدة العامّة التي بيّنها القرآن الكريم في عالم الحقوق الزوجيّة هي التساوي في الحقوق والواجبات بين الزوج والزوجة، فقال تعالى: "ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف". نعم، تحدّث القرآن الكريم عن تفضيل الرجل الزوج درجة على المرأة الزوجة، فقال تعالى: "وللرجال عليهن درجة"، وهي ليست لبيان التفضيل الذاتي للرجل من حيث كونه رجلاً، بل التفضيل الذي تقتضيه طبيعة التكوين فيما يعطيه للإنسان من حرّية الحركة بما لا يعطيه للطرف الآخر، حيث الرجل ليس مثقلاً بأعباء الحمل والإرضاع وغيرها، كما أنّه يُفرض عليه أن يتحمّل المسؤوليّة الاقتصاديّة للأسرة، وهذا ما يقتضي أن يتحمّل مسؤوليّة إدارة الحياة الزوجيّة، تماماً كأيّ كيانٍ تُفرض فيه الإدارة لمن يملك القدرة على القيام بأعبائها أكثر من الأطراف الآخرين. على أنّ الزوجيّة لا تقوم على المواد القانونيّة، وإنّما تشكّل تلك حكماً في حال الاختلاف والجور؛ فإنّ الله تحدّث عن عنصرين أساسيّين في أسس الحياة الزوجية، وهما "المودّة" التي يندمج فيها الإنسان عاطفيّاً مع الطرف الآخر بما يجعله لا يقف عند حدود القانون، بل ينطلق بعفويّة الحبّ الذي يفيض بالعطاء للإنسان الآخر إلى حدّ الإيثار، و"الرحمة" وهي التي يستشعر فيها كلّ طرف نقاط ضعف الآخر، فيتحمّل منه ما قد يصدر في الحالات الضاغطة. نعم، تبقى مسألة الإرث أو بعض الجوانب الماليّة التي تخضع ـ في الإسلام ـ لفلسفة تقوم على أساس طبيعة الأدوار المفروضة لكلّ طرف في الحياة؛ فطالما أنّ التشريع يحمّل الزوج ـ الرجل مسؤوليّات ماليّة أكثر ممّا يحمّله للمرأة، كان من الطبيعي أن يلحظ تشريع الإرث هذا الجانب، فيُعطي الرجل حصّة مضاعفة بالنسبة إلى ما يعطيه للمرأة إذا كان الورثة ذكوراً وإناثاً؛ فالمسألة منطلقة من طبيعة الأعباء لا من تفضيل الذات. والرأي الذي يذهب إليه الشيعة الإماميّة أن البنت إذا ورثت وحدها، أو الأخت كذلك، فإنّها ترث التركة كلّها؛ النصف بالفرض والنصف الآخر بالقرابة؛ فلا خصوصيّة للذكر عليها من هذه الجهة أيضاً. ـ
ما هو إطار الحرّية للمرأة؟
حرّية المرأة كحرّية الرجل تتبع حدود التشريع الذي كلّف الله سبحانه كلاًّ منهما والذي يلتزم به كلّ منهما على نفسه.. كما تتبع حدود القيم الأخلاقيّة التي يجعلها الإنسان كحدود لممارسته الإنسانيّة في جوانب مختلفة من الحياة. وبعبارة أخرى: ليس لدينا في العالم حرّية مطلقة، من دون قيود، وإنّ الحرّية دائماً تخضع للفلسفة التي يرتكز إليها الاتجاه الديني أو الفكري أو ما إلى ذلك؛ فدائماً هناك قيود، والمسألة هي في طبيعة النظرة التي يختزنها الإنسان في تقييمه لأي دين أو فكر أو اتّجاه، ليجعل نفسه في إطار الالتزام تجاهه أو يعتبر نفسه غير معنيّ به!!
ـ ما هو رأيكم باختيار الثامن من آذار بعنوان يوم المرأة العالمي؟
إنّ الزمن يكتسب أهمّيته من خلال الخصوصيّات الحضاريّة والإنسانية التي يعكسها الإنسان نفسه، ويجعل الزمن إطاراً لها، ونحن لا نتعقّد من أيّ تاريخ؛ لأنّ التاريخ ـ في عمقه ـ هو الإنسان، وهو عناصر القيمة التي يؤكّدها الإنسان في إطار الزمن. ولذلك نحن نعتبر أنفسنا معنيّين بتأكيد قيمنا الحضاريّة تجاه أيّ عنوان حضاري يُطرح له يومٌ للذكرى، ومنه قضيّة المرأة التي نعتبر الإسلام أكّد الجانب الإنسانيّ للمرأة بما سبق به كثيراً من الاتجاهات لاحقاً، وإن أسباب ابتعاد المسلمين عن تمثّل ذلك الجانب في ممارساته فيعود إلى عوامل عديدة لعبت دوراً في صوغ الذهنيّة العامّة للإنسان في مراحل تاريخيّة معيّنة، سواء أكان مسلماً أم لا
ـ من وجهة نظرکم ما هي واجبات وما هي حقوق المرأة من وعلى الرجل؟
في الجانب التشريعي هناك حقّ للمرأة في أن يتحمّل الرجل الزوج تجاهها القيام بالنفقة عليها في شؤون حياتها بالمعروف. وفي غير ذلك يتساويان في الحقوق، ومنها حقّ الجنس، حيث على كلّ منهما أن يلبّي رغبة الآخر إلا إذا كان هناك مانع شرعي أو صحيّ أو ما أشبه ذلك، ويلزم على الرجل تأمين كل المستلزمات الحياتيّة من ناحية المسكن وشؤونه والأولاد والتربية، حتّى الرضاعة لا تُلزم بها المرأة تشريعاً، وإنّما تُركت لتكون جزءاً من عطاء المرأة على أساس عاطفتها التي تعتبر فيها مسؤولةً عن التربية والرعاية وما إلى ذلك. والذي نؤكّد عليه أنّ الإسلام لا يفصل بين الجانب التشريعي والجانب الإنساني الأخلاقي، بحيث يكون الجانب التشريعي أساساً لضبط الظلم والجور من أيّ طرف تجاه الآخر، كما يؤسّس لكي تفيض الإنسانيّة في عطائها العفويّ لتكون المساحة الإنسانيّة في الحياة الزوجية أوسع دائرةً وأكثر فاعليّة من المواد القانونيّة التشريعيّة التي لا تجعل في الحياة أيّ معنىً سوى كما تكون الآلة في المصنع، لا روح فيها ولا حياة. ومن هنا تجدر الإشارة إلى أن الإسلام يؤكد على حق المرأة في ممارسة العمل الإداري والسياسي والاجتماعي العام بحدود الضوابط الشرعية والأخلاقية الإسلامية العامة وتشمل هذه المسالة من الحرية التي منحها الإسلام للمرأة الحق في الانتخاب والترشح للمناصب السياسية والمدنية العامة التي يشترك الرجل والمرأة فيها لخدمة المجتمع بشكل عام .ولكن كما أسلفنا بلحاظ الضوابط الشرعية!!
, ـ ما هو رأيکم في الظواهر القاسية، كالعنف ضدّ المرأة وختان الإناث؟ وما هو دور العلماء في تقليل هذه الظواهر أو ازديادها؟
يحرم على الإنسان أن يعنف ضدّ أيّ إنسان آخر، ولا سيّما المرأة التي قد تعاني من الضعف الجسدي والاجتماعي ما يغري ضعاف النفوس من الرجال بتعنيفها واضطهادها وظلمها. وقد أفتينا أنّ المرأة تملك حقّ الدفاع عن نفسها ولو بضرب الرجل الذي يضربها بغير حقّ عندما لا تجد وسيلة لردّ عدوانه عليها سوى ذلك، تماماً كما يملك أيّ إنسان اعتدي عليه أن يردّ الاعتداء بمثل ما اعتدي عليه، وإن كان لا بدّ للإنسان دائماً أن يعتبر الرفق هو الأساس حيث يُمكن فيه توجيه الأمور بما لا يؤدّي إلى سلبيّات أكبر، أو يؤدّي إلى تصحيح الواقع، كما قال رسول الله (ص): "إنّ الرفق ما وضع على شيء إلا زانه، وما رفع عن شيء إلا شانه، وإن الله رفيق يحبّ الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف".
أما بالنسبة إلى ختان الإناث، فالأدلّة عندنا تؤكّد أنّه ليس بسنّة، وإنّما كان من ضمن العادات الاجتماعيّة لتجمّل المرأة، ووجّهت بعض الأحاديث في ذلك الوقت الذين يمارسون ذلك بتوجيهات لا تضرّ بالمرأة. ولذلك، فهو حرامٌ عندما يؤدّي إلى الإضرار بالمرأة في شهوتها الجنسيّة، فكيف عندما يؤدّي إلى القتل..
وهذا الأمر ينبغي محاربته، ووضع الضوابط له؛ والتي نرى أنّ من ضمنها التأكيد على أنّه ليس من السنّة في شيء.
ـ هل الإسلام يقاوم التقاليد السائدة والظالمة للمرأة في المجتمعات؟ ما هي مدلولاته؟
إنّ الإسلام جاء ليؤكّد العدل في الحياة، في كلّ دوائرها الاجتماعيّة حتّى أنّه يؤكّد العدل في الدائرة الفرديّة أيضاً؛ فلا يملك الإنسان حرّية أن يظلم نفسه، بأن يدخلها مداخل الضرر أو القتل أو ما إلى ذلك. ولذلك فيقف الإسلام موقفاً مبدئيّاً ضدّ الظُلم والجور، ولا سيّما عندما يقع ضدّ الفئات المستضعفة اجتماعيّاً أو تكوينيّاً، كالظلم الموجّه ضدّ المرأة، سواء في إطار البيت الزوجي أو في العائلة بشكل عام، أو في المجتمع.