بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 29.06.2009
معظم الكتاب والمحللين، والمثقفين، والمفكرين، والنشيطين السياسيين يتحدثون عن أهمية الوحدة الوطنية، وعن ضرورة إنهاء حالة الانقسام، وعن سلبية تواصلها، وانعكاس ذلك على القضية السياسية الفلسطينية، ويتفق معظم كتاب الرأي على المقدمات، ولكن في نهاية المقال، أو التحليل ينطق الكاتب برأيه السياسي الذي يدين الآخر، ويخطئ موقفه، ويعيب عليه عدم التزامه بالشروط التي يضعها حزبه. في حاله من الاحتكار المطلق للصواب، وتعظيم النفس، وتهميش الآخر، لتبرز الدعوة إلى الوحدة مشروطة بتغيير الآخر لمواقفه، وتجاوبه، واقترابه مع فكرة الكاتب الناطق باسم التنظيم، فإن كان صاحب الرأي مناصراً لحماس فإنه يناشد حركة فتح أن تؤثر مصالح الوطن على مصالح بعض الأشخاص الذين تعودوا الاتجار بالوطن، وأن يكون الوفاق الفلسطيني بعيداً عن أجندات خارجية تصل إلى أمريكا، وتمر بتل أبيب، وبالتالي يجب التمرد على شروط الرباعية. أما إذا كان صاحب الرأي من حزب السلطة، فإنه يتوجه إلى حماس بأن تتصرف بواقعية بعيداً عن المراهقة السياسية، وأن تتوقف عن تطبيق أجندة خارجية تصل إلى حدود إيران، وأفغانستان بعد مرورها بدمشق.
معظم كتاب الرأي ضد الانقسام، وجميعهم يطالب الآخر أن يقترب إليه دون أن يغير هو من مواقفه، أي أن الآخر دائماً على باطل، والحق كل الحق مع الطرف الذي يعبر عنه صاحب الرأي، وأحسب أن هذا النمط من التفكير يؤشر على ضعف الجدية الفلسطينية في الخروج من حالة الانقسام، مع عدم الاستعداد الذهني الفلسطيني لتفهم الآخر، وتقبله، والتعايش معه، والاجتهاد على مسايرته، وترطيب خاطره، والتفتيش عما يطمئنه في التعبير عن أفكاره السياسية، والاحتكام سواسية فيما بعد إلى الشارع الفلسطيني صاحب القرار.
بهذه الطريقة من الاعتداد بالتنظيم لن يسهم الكتاب في تقريب وجهات النظر، ولن يكونوا مميزين، وسيكون دورهم أقرب إلى دور شاعر القبيلة الذي تعود أن يعبر عن مصالح قبيلته فقط، يرفع من والاه، ويخفض من عاداه دون أن يسهم في دق أوتاد المصالحة الفلسطينية على أساس الكشف عن الأخطاء، والبحث في أصل المشكلة، والحلول التي قد لا ترضي طرفي المعادلة، وإنما ترضي كل الوطن، وتحقق مصالح السواد الأعظم من الناس، وقادرة على مواجهة عدو ظالم له جبهة تحالفات عريضة.
سنقترب من المصالحة الوطنية عندما يتجرأ الكتاب المنتمون إلى الأحزاب، والتنظيمات السياسية على نقد تنظيماتهم أولاً قبل نقد الآخر، والكشف عن عيوب قادتهم التي تعرقل الوحدة قبل الإساءة للآخر، والعمل على تحديد الخط السياسي الذي يلتقي مع الآخر، والمراجعة الموضوعية للتجربة السياسية الفلسطينية مع الحرص على عدم نفي الآخر.