بقلم : منصور النصاصرة ... 13.07.2009
[**تقرير خاص من لندن]
تعتبر الارشيفات القومية التاريخية منها والعسكرية من اهم المصادر الاولية التي تساهم مساهمة كبيرة في عملية البحث الاكاديمي. ففي العقود الاخيرة نرى ان ظاهرة ارشفة التاريخ الشفوي وبالذات العسكري منه اصبحت ضرورة ملحة ومن مقومات الدول المتحضرة. ومن الأمثلة الحية على ذلك هو ارشفة القضية والنكبة الفلسطينية التي باتت توثق من جميع جوانبها على يد مراكز باحثين في مراكز جامعات مختلفة، ومع ذلك بقي الكثير منها دون توثيق رسمي.
فالبنسبة للنقب, فلا شك ان الرواية الفسطينية تعاني من نقص حاد في المعلومات والوثائق التي تتطرق الى تاريخ النقب العربي سواء ابان الحكم العثماني أو الاستعمار الانجليزي وحتى في ايامنا هذه. وهذا يشكل عقبة امام الباحثين في زمان نحن بحاجة فيه الى الشفافية والحرية الاكاديمية. وهذا النقص له أسبابه يضيق المجال هنا لشرحها وذكرها .
وفي هذه المقالة نلقي النظر ونسلط الضوء على محطة من محطات تاريخنا العربي في جنوب فلسطين في ابان الاستعمار الانجليزي. وبالتحديد سأتطرق الى حملة الجنرال ادموند اللنبي لاحتلال النصف الجنوبي من فلسطين عام 1917م ، هذا بالاضافة الى بيان الصعوبات التي واجهت الانجليز في محاولتهم السيطرة على القبائل من منظور بعض الوثائق التي وجدتها في الارشيفات البريطانية.
كذلك سوف أشير إلى بعض الشخصيات الاستشراقية التي عملت مع القبائل البدوية في النقب وشرق الاردن مثل لورنس العرب وغلوب باشا سعيا للسيطرة على القبائل. فمن خلال مساعيّ الحثيثة في كتابة رسالة الدكتوراة في سياسات الشرق الاوسط, طرقت ابواب ابرز الارشيفات الانجليزية. وقضيت الكثير من الوقت في الارشيف القومي البريطاني المسمى "مركز المحفوظات الانجليزي" الواقع في ضواحي مدينة الضباب لندن، كما وتجولت باحثا في ارشيف قسم دراسات الشرق الاوسط في جامعة اكسفورد ،وفي ارشيف جامعة كينغز كوليج في لندن. ووقعت بين يدي في هذه الارشيفات وثائق كتبها الانجليز حول النقب وشرق الاردن والتي تعتبر إضافة نوعية لتوثيق تاريخ نقبنا العربي.
لمحه سريعة: سقوط القسم الجنوبي من فلسطين تحت الاستعمار البريطاني
سقوط العقبة
بداية سنتطرق الى احتلال قضاء بئر السبع والنقب باكمله على يد المستعمر البريطاني. حيث سقطت فلسطين تحت الاستعمار الانجليزي منذ العام 1917 بعد ان ابدى الاتراك بسالة في الدفاع عنها.
خاض الانجليز اكثر من جبهة قتالية في ان واحد. فقسم من جيوشهم كانت تحارب في العقبة بمساندة بعض القبائل البدوية وقسم اخر كان يعد العدة على أهبة الاستعداد لاحتلال غزة وبئر السبع تحت قيادة الجنرال اللنبي الذي عين خصيصا لهذه المهمة.
ويعتبر سقوط مدينة العقبة بداية نهاية حكم الاتراك في فلسطين ،حيث تم تفجيرها على يد الاسطول البحري الفرنسي والبريطاني ابان نهاية الحرب العالمية الاولى. فقد ادى تحالف الانجليز مع القبائل البدوية في شرق الاردن الى اخضاع الاتراك، حيث نرى ان قبيلة الحويطات الحجازية وزعيمها عودة ابو تاية لعبوا دورا رئيسيا في احتلال العقبة ودحر الاتراك، بمساعدة الشريف ناصر و لورنس العرب الذي ساتطرق اليه لاحقا .
فسقطت العقبة في ايدي عودة ابو تاهية ولورنس العرب في اب من عام 1917 ، وأسروا ما يقارب ستمائة (600) من السجناء الاتراك فيها ، ولم يكن احتلال العقبة بالامر الهين إذا ما تذكرنا الطبيعة الصحراوية الجافة للمنطقة والتي تمتاز بشح مياهها.وباحتلال العقبة ظهرت مطامع الانجليز بجعلها تحت سيطرتهم في شرق الاردن الامر الذي تصادم مع مطامع القبائل الثائرة الساعية لبناء منطقة نفوذ لها. كما انه بسقوط العقبة اصبح الطريق الى ام رشرش-ايلات والنقب الجنوبي سالكه من العقبات ومهمة الوصول الى هذه المناطق صارت سهله ، إضافة إلى أن سقوط العقبة مهّد لاسقاط مدينة غزة التي فشل الانجليز باحتلالها مرتين ومن ثم فتح الطريق لضرب العاصمة الازلية للقبائل البدوية النقباوية وهي مدينة" بئر السبع".
الطريق الى الشريعة, غزة وبئر السبع
وعلى صعيد آخر, فقد تولى الحملة العسكرية لاحتلال فلسطين الجنرال ادموند اللنبي الذي ما زالت ذكراه تعيش في الذاكرة العربية والفلسطينية بشكل عام وفي ذكريات مدينة بئر السبع بشكل خاص. حيث ان حملة الجنرال اللنبي لاحتلال جنوب فلسطين لم تكن مفروشة بالورود, فقد واجه هو وجيشه صعوبات جمة في سبيل كسر شوكة الاتراك واخضاعهم. بداية في صعوبة حصول اللنبي على المياه لجيشه ابان التخطيط لاحتلال مدينتي غزة وبئر السبع. حيث ذكرت وثيقة اطلعت عليها في ارشيف كينكز كوليج- لندن المؤرخة بتاريخ 17 من شهر حزيران عام 1917م ان مصادر المياه التي احتاجها اللنبي لجيشه كانت شحيحة جدا وتخضع لسيطرة القبائل البدوية. مما اضطر الانجليز لوضع خطة للاستفادة من ابار البدو اثناء الحرب كما ذكرت الوثيقة.
فقد اعطيت الاوامر الى مجموعات الجيش المتمركزة في خط بئر السبع بوجوب التزود بالمياه من بئر ابو يحيى. واما المجموعة المقاتلة المنتشرة شرقي بئر السبع فعليها التزود بالمياه من بير الاعسم، بير الحمام وبير المشاش- تل الملح. كما نصت الأوامر على إمكانية تزودها بالمياه من بئر الصانع اذا قضت الضرورة. اما مجموعة راكبي الابل التي شاركت في الحرب فعليها ان تتزود بالماء من بير فطيس القريب من منطقة "ابوهريرة". كما أن هناك مجموعات اخرى من الجيش استعملت انبوب المياه في الشلالة. وسخّر الانجليز لمهمة نقل المياه قرابة ثلاثة آلاف (3000) من الابل, كما وضعوا تحت استخدامهم سكك القطار لتحقيق هذا الغرض.
من المهم ان نلفت الانتباه هنا إلى ان الانجليز خططوا جيدا للسيطرة على النقب ابان الحرب، ويظهر هذا جليا في مسحهم للبلاد ومعرفة جغرافيتها. واستعمالهم اسماء الاماكن ، الاودية ، الابار والتلول باسمائها التي اطلقها عليها السكان البدو الاصلانيون. وهذا دليل قاطع على وجود القبائل النقباوية في كل جانب من قضاء بئر السبع.و يذكر ان الجنرال اللنبي دوَّن في يومياته الخطط المختلفة التي رسمها وخاضها لاحتلال غزة . حيث اتخذ من تل الشريعة موقعا استراتيجيا له. كما ورسم خارطة ضمت اماكن استراتيجية في قضاء بئر السبع كان لا بد من احتلالها او المرور بها ليتمكن من التقدم نحو غزة وبئر السبع. ومن هذه المناطق التي بيّن اللنبي الاهمية الاستراتيجية لها ذكر : هوج ، الجمامة ، الكوفخة ، الشلالة، ابو هريرة، تل النجيلة، وادي السبع، الشريعة، وادي الحصي وطويل ابو جروال. (صورة رقم 1: جيوش اللنبي على تل الشريعة)
لم تكن مهمة المستعمر الانجليزي سهلة المنال رغم كل الخطط والتحضيرات. فقد خاض الانجليز وحلفائهم معارك عسيرة لاسقاط غزة هاشم ، وفشلوا في ذلك في المحاولتين الاوليتين ، الاولى في ايار والثانية في نيسان من العام 1917، وذلك اثر تصدي الاتراك لهم ببسالة وقدرة عسكرية صلبة. فقد خسر الانجليز وحلفائهم في معركة غزة الاولى أربعة آلاف (4000) جندي وفي المعركة الثانية التي كانت اعنف سقط سبعة آلاف (7000) من الجنود الانجليز وحلفائهم ، ورغم هذه الخسائر الفادحة إلا أنهم احرزوا بعض التقدم في خط بئر السبع- الشريعة.وتذكر قصاصة صحفية وجدتها بين (اوراق اللنبي في ارشيف كينكز كوليج) ان اللنبي اعترف بقسوة المقاومة التركية ضد الانجليز وحلفائهم اثناء محاصرة غزة وبئر السبع في مواقع اخرى في فلسطين. وبعد المحاولة الثالثة فقط استطاع الانجليز بقيادة الجنرال اللنبي احتلال غزة ،بعد ان ذاقوا مرارة الهزيمة في المعركتين الاولى والثانية.
بعد سقوط غزة كانت الطريق الى بئر السبع قصيرة, حيث سقطت في ايدي جنرالات اللنبي بعد وقت قصير. وتذكر يوميات اللنبي ان الجنرال جون شيه - و الذي كان تحت قيادته -هو الذي تولى احتلال الشريعة و مدينة بئر السبع، حين حاصرها في مساء 31- تشرين اول من العام 1917. وليس كما يظن البعض انه الجنرال اللنبي بنفسه . وهذا ما تظهره يوميات الجنرال نفسه والتي تشير إلى برقية وصلت اللنبي من الجنرال جون شيه يبلغه فيها بخبر سقوط مدينة بئر السبع. وبعد سقوط الجزء الجنوبي من فلسطين اكمل الانجليز مشوارهم حتى سقطت زهرة المدائن- القدس- في ايدي جيشوهم في مساء التاسع من كانون اول عام 1917. فقد دخلها اللنبي سيرا على الاقدام من باب يافا. (صورة رقم 2) صورة من الجو لبئر السبع من العام 1917 قبل سقوطها في يد اللنبي, يظهر فيها مسجد بئر السبع بوضوح).
صعوبات الانجليز في السيطرة على القبائل البدويه في النقب: لورنس العرب وغلوب باشا
نعود الى النقب عنوان هذه المقالة وهذه المرة للتفصيل في كيفية نجاح الانجليز في كسب ثقة القبائل في الجنوب ومحاولة السيطره عليها.
من الناحية التاريخية واجهت الدول الحديثة صعوبات في السيطرة على القبائل الرحّل او شبه الرحّل. وهذا الأمر ينطبق أيضا على الانجليز وما واجهوه في النقب ايضا. فقد وصف اللنبي البدو في النقب بانهم "غير ودودين للغرباء". ويبدو ان مشاكل اخضاع البدو لم تقتصر على منطقة النقب فحسب ، بل وجدنا مثيلا لها في مناطق نفوذ الانجليز الاخرى كالعراق وشرقي الاردن، حيث بسطوا سيادتهم على الصحراء هناك كما هو الحال في النقب الذي سكنته القبائل البدوية منذ امد بعيد، وهو ما يؤكد أن هذه القبائل تعتبر من الشعوب الاصلانية القديمة التي استوطنت كافة انحاء الجنوب الفلسطيني كما ذكر رحالة، مستكشفون ومؤلفون اجانب عدة زاروا النقب قديما مثل الكونت فولني، بركهاردت السويسري ، اليوس موصيل ، نعوم بيك شوقير وغيرهم.
وحتى يذلل الانجليز هذه الصعوبات في السيطرة على البدو نراهم اتبعوا سياسة مميزة للتعامل مع القبائل في مناطق نفوذهم سواء في شرق الاردن أو العراق أو جنوب فلسطين.
تركزت جهود الانجليز وسياستهم في خرط بعض خبرائهم بين صفوف البدو لايجاد طرق كفيلة بكسب ثقة القبائل. ومن هؤلاء الخبراء برز اثنان: الاول غلوب باشا والثاني لورنس العرب . وسنبين في الأسطر القادمة ماهية دورهما في كسب ثقة القبائل البدوية في مناطق استعمار الانجليز.
السير غلوب باشا ودوره
السير جون باغوت غلوب الملقب ب (غلوب باشا) كان قائدا بريطانيا قاد الجيش الاردني المعروف انذاك بالجيش العربي ابان الحرب العالمية الثانية حتى عام 1956م. وكان غلوب باشا شخصية مميزة وفريدة في تاريخ العلاقات البريطانية العربية والاردنية, فهذا الضابط البريطاني عمل في العراق والاردن لمدة 36 سنة (1920-1956). وكما يبدو فإن غلوب باشا عمل جاهدا لكسب ود القبائل في العراق وشرق الاردن ، فعلى سبيل المثال: نجح غلوب باشا بنيل ثقة القبائل في العراق بواسطة خرطهم في الجيش أو في مهام بوليسية مختلفة في الصحراء. فقد قام بتاسيس حرس البادية ، وهي قوة مكونة من البدو بشكل حصري ، ووصفهم بالبارعين في ساحة القتال رغم كونهم لا يجيدون القراءة والكتابة.
وبعد ان نجح في هذه المهمة ، تم ارساله الى شرق الاردن للعمل مع القبائل هناك. وفي نهاية المطاف تولى غلوب باشا قيادة الجيش العربي الاردني حتى سنوات الخمسينات بعد ان كسب ود القبائل - كما ذكر في مذكراته وكتابه (حرب في الصحراء).
وما لبث أن أقال الملك حسين غلوب باشا من منصب قيادة الجيش العربي عام 1956 في خطة لتعريب قادة الجيش العربي مما ادى الى توتر في العلاقات الاردنية البريطانية انذاك. (صورة رقم 3 : كتيبة بدوية من جيش غلوب باشا, صورة نادرة من الاربعينات)
لورنس العرب ودوره
لم يكن غلوب باشا الشخصية الاولى والاخيرة التي عملت مع القبائل في شرق الاردن ، بل نجد ذكرا لاسم مستشرق اخر فاقه شهرة وصيتا ، وارتبط اسمه بالبدو وحياتهم ارتباطا وثيقا ، وهو توماس ادوارد لورنس الذي عرف ب ( لورنس العرب) ، والذي كان احد ابرز الرموز التي ادت الى ثورة الشريف حسين (الثورة العربية الكبرى عام 1916م) ضد الامبراطورية العثمانية.
وللورنس العرب كتاب شهير اسمه (اعمدة الحكمة السبعة) ،ترجم الى عدة لغات رغم وجود انتقادات كبيرة على محتوى الكتاب. وعرض لورنس في هذا الكتاب تجربته السياسية في الشرق الاوسط ونتاج خبرته وقصته الشخصية خلال فترة عمله مع القبائل البدوية في شرق الاردن هناك. .ومما يجدر ذكره ان محتوى هذا الكاتب شكل المادة الخام والمعتمد لفلم شهير حمل اسم (لورنس العرب) ، والذي شارك فيه الممثل المصري الكبير عمر الشريف.
كان لورنس ضابط استخبارات بريطاني اشتهر كثيرا بعد تحالفه مع القبائل البدوية لضرب الدولة العثمانية، فقد عمل معهم طويلا واصبح واحدا منهم ، إلى درجة أنه كان يلبس لباسهم البدوي التقليدي ، حيث قابل اللنبي في القاهرة بهذا اللباس ،وبقدمين حافيتين....صوره رقم 4 (لورنس العرب ببزنه البدوية في الصحراء).
(صورة رقم5 : بيت اللنبي في شمال جنوب بريطانيا بعد ان زرته, فهو عبارة عن ارشيف تاريخي).
رغم دور لورنس واللنبي وغلوب باشا الريادي للسيطرة على القبائل البدوية في شرق الاردن والنقب الا انني اعتقد ان الانجليز لم يفلحوا في بسط سيطرتهم على القبائل كما فعل ذلك الاتراك. فقد ذكرت تقارير من داخل الارشيفات البريطانية الصعوبات التي واجهت الانجليز في إرغام القبائل وإخضاعهم لسيادتهم، فالبدوي كان سيد الصحراء الحقيقي لا المستعمر القادم من الغرب مشبعا باهداف ومطامع عسكرية واقتصادية. ومن هذه التقارير اذكر تقريرا طرحه السيد ارثير ووتشوب في اجتماع في اب عام 1939. وهو تقرير بوليسي صادر عن حكومة فلسطين من مقرها في القدس .والذي يجزم بحقيقة ان الانجليز وجدوا صعوبات جمة في السيطرة على القبائل البدوية. ففي هذا التقرير الذي اطلعت عليه في ارشيف جامعة كينكز كوليج تبرز محاولات الانجليز المختلفة لارغام البدو على تسجيل اسلحتهم تحت نظام رقابة معين لكن دون جدوى. كذلك ولمزيد من توضيح هذه الصعوبات فقد اطلعت على وثيقة من عام 1913 بعثت من القسطنطينية (اسطنبول) تبين صعوبات قائمقام بئر السبع نديم باشا في اخضاع القبائل تحت سيطرته بعد ان قام الشيخ فريح ابو مدين بتحذيره من مغبة التدخل في شئون القبائل.وقد خص هذا التقرير قبيلة الترابين بالذكر ، هذه القبيلة التي قطنت شمال بئر السبع والتي اغضبت القائمقام بمعاداتها ورفضها الانصياع لاوامر حكومته.
اخفاق الانجليز بالسيطرة على بئر السبع ابان الثورة (1936-1939)
وباعتقادي أن عدم سيطرة الانجليز على القبائل في النقب كان جليا خلال ثورة عام 1936-1939. حيث تذكر وثيقة رقم CO 733/390/1 انه تم ضرب محطات البوليس الانجليزي في النقب عام 1938 ابان الثورة.
ويعزو المندوب البريطاني الاعلى في هذه الوثيقة المشكلة التي تقف امام الانجليز للسيطرة على النقب الى مساحته الكبيرة وانتشار القبائل فيه. واعتبر ان وجود نقاط بوليس منتشرة في الصحراء يجعلها غير امنة ولقمة سائغة يسهل على الثوار الاستيلاء عليها والنيل منها .
هذا وأوضح السيد تشارلس تيغرت في هذه الوثيقة ان محطات البوليس في النقب تكلف الحكومة الانتدابية مبالغ باهظة ، فاقترح فكرة تقليص عدد افراد البوليس الفلسطيني في منطقة بئر السبع الى عشرة (10) قادة بريطانيين وثمانية عشر (18) رجل بوليس من اهل النقب.
وعلى ما يبدو فان السير تاغرت عرض تقليص نسبة البوليس بعد ان فشل في حماية بئر السبع ومحطات البوليس المختلفة عام 1938.
ففي خلال الثورة (1936-1939م) تم طرد الحامية البريطانية من بئر السبع بعد ان سيطر الثوار عليها بقيادة عبد الحليم الجيلاني وبمساندة بعض ابناء القبائل البدوية كما جاء في وثائق مختلفة. فمعظم نقاط البوليس تركت دون حماية وبعضها هُجر تماما وخلا من اي رجل بوليس بسبب الثورة.
ومما وثقه التاريخ ما ذكرته صحيفة التايمز اللندنية في تشرين اول 1938 من ان خلية عسكرية مكونة من ثلاث مائة (300) مسلح وصلت الى الخليل ابان الثورة وضربت مصالح الانجليز، هناك كما ذكر مفتش الشرطة الاعلى في فلسطين السيد سبيسير. ثم اكملت هذه الوحدة المسلحة طريقها الى بئر السبع واحرقت مركزالبوليس الانجليزي هناك وبعض مباني الحكومة. حيث استولت على خمس وسبعين (75) بندقية و الكثير من الذخيرة ومدفع من طراز لويس.
اذا هذه القصاصة الصحفية تبين بما لا يدع مجالا للشك ان بعض مراكز بوليس الهجانة تم احراقها مما حدا بالهجانة البدوية الى تركها وهجرها.
وللتلخيص نقول ان مهمة الانجليز لم تكن سهلة في النقب او في شرق الاردن، فقد كانت القبائل تجوب الصحراء دون عمل اي حساب للانجليز . لكننا نجد ان بعض القبائل تحالفت مع الانجليز في فترات مختلفة من اجل استقلالهم في مناطق نفوذهم كما حدث ابان الثورة العربية الكبرى.
اعتمد المقال على وثائق من الارشيفات الانجليزية تم ترجمتها وتحليلها على يد كاتب هذه المقالة