بقلم : جميلة الطرابيشي ... 19.05.2009
إن العنف ضد النساء ظاهرة تشترك فيها المجتمعات كافة لكن ما تختلف فيه المجتمعات هو مدى شيوعه وأشكاله وأسبابه, وفي مدى الإدانة له والحلول التي يضعها المجتمع والحكومات له. لكن ما زال العالم العربي في مرحلة الاهتمام الخجول الذي ينحصر في لفت النظر لهذه الظاهرة دون البحث عن حلول جدية لها.
قد يكون السبب الأرضية الثقافية للمجتمع التي تعطي مشروعية وتوفر الحماية والمبررات, أو قد يكون السبب هو تقاعس الحكومات عن البحث عن حلول جدية تحت إشراف القانون.
إن العنف الموجه ضد النساء هو نتيجة حتمية لعلاقات القوى غير المتكافئة بين الرجل والمرأة عبر التاريخ وأهم أسبابه في العالم العربي:
* النظرة الدونية للمرأة ووصفها بمخلوق قاصر يحتاج إلى وصاية وتقويم والفهم الخاطئ للرجولة.
* الخلط المتواصل في العالم العربي بين سجلين مختلفين هما سجل الدين باعتباره تجربة روحية تربط المخلوق بالخالق,وسجل المواطنة باعتبارها انتماء للدولة.
* التعامل مع قضايا المرأة كقضايا دينية رغم أنها اجتماعية بامتياز.
* وجود خطاب ثقافي ديني رائج يكرس العنف ضد المرأة, ويتشدد في الأحكام الخاصة بالمرأة أكثر من الفقهاء القدماء أنفسهم, ويضفون طابع القداسة على عادات لم يرد ذكرها في القرآن وينصبون أنفسهم سلطات على خطاب الآخر للحد من فعاليته وإقصاءه واستخدام سلاح التكفير على كل من لا يماشيهم.
* تقاعس الحكومات عن إصدار القوانين اللازمة لحماية المرأة, إضافة لسنها تشريعات وقوانين تنطوي على التمييز والإجحاف ضد المرأة بحجة العادات والتقاليد, علنا ان القانون وجد كأداة لرفع الظلم وليقود المجتمع إلى التمدن والعدالة والمساواة.
* التمسك بالقوانين التمييزية في مجال الأحوال الشخصية.
* الصراعات المسلحة واستخدام العنف ضد النساء كسلاح في الحروب.
* عدم وجود منظمات مجتمع مدني تهتم بهذه الظاهرة وتساهم في محاربتها وتنشر المعلومات والإحصاءات عنها وان وجدت فهي تعاني من التهميش وضعف التمويل.
* تجاهل وسائل الإعلام إلا فيما ندر.
* التربية الشرقية التي تعلم المرأة أن تكون سلبية خاضعة راضية وتلقينها أن تكون المضحية الأولى دائما للحفاظ على علاقتها الزوجية وأن تكون متزوجة مهما كان الثمن.
* حرص الزوجة على البقاء في بيت الزوجية رغم الذي تتعرض له والسكوت عنه لأسباب متعددة اقتصادية, اجتماعية, ولكن الأهم أن التعنيف من الطفولة يؤثر على ثقتها بنفسها ويجعلها تعتقد أن ما يحدث هو الأمر الطبيعي.
* العنف الأسري الذي يسبب للأطفال آثار نفسية تدوم حتى الكبر وتخلق منهم مشروع معنف مستقبلي.
كما تساهم المشكلات الاقتصادية والضغوط الناجمة عنها في ازدياد معدلات العنف الأسري خاصة عندما تجتمع مع التخلف.
وأخيرا يعتبر الإدمان على الكحول والمخدرات والأمراض النفسية من جملة الأسباب المؤدية للعنف, والذي يكون الأطفال والنساء هدفه الأول.
كيف نحارب هذه الظاهرة:
إن محاربة هذه الظاهرة هي مسؤولية تقع على عاتق الحكومات والمجتمع والأفراد ولكن المسؤولية الأساسية تقع على الحكومات كونها صاحبة السلطة التشريعية والتنفيذية حيث أن الحلول تبدأ ب:
* إلغاء المادة 548من قانون العقوبات وأمثالها التي تتناقض مع القانون والشرع, والتي أثبتت تجربة الدول التي ألغتها أنها المسؤول الرئيسي عن الجرائم التي ترتكب باسم الشرف حيث أنها أصلا مأخوذة عن القانون الفرنسي وألغيت أولا هناك.
* أن تسن أحكاما جزائية للمعاقبة والجبر في حالات الاعتداء على النساء والفتيات سواء في المنزل أو العمل أو المجتمع عموما وأثناء الحجز وحالات النزاع المسلح، وأن تتخذ إجراءات للتحقيق في أعمال العنف ومعاقبة مرتكبيها.
* تعديل القوانين بإلغاء كافة المواد التي تميز بين المرأة والرجل كقانون الجنسية وقوانين الأحوال الشخصية وبعض مواد قانون العقوبات.
* التنديد العلني بالعنف والإصغاء للنساء وتصديقهن.
* تفنيد المواقف الاجتماعية والثقافية والمنسوبة إلى الدين ودحض الأفكار والمعتقدات الجامدة التي تحط من شان المرأة وتنتقص من آداميتها.
* مساندة النساء في تنظيم صفوفهن للنضال من أجل وضع حد للعنف.
* تنشيط مؤسسات المجتمع المدني والهيئات الاجتماعية الثقافية والعمل على نشر هذه الثقافة والدفاع عن حقوق المرأة.
* العمل على نشر ثقافة بديلة تحترم المرأة كإنسان كامل الحقوق واحترام حرياتها الرئيسية.
* تغيير النظرة الدونية للمرأة من خلال المناهج الدراسية ووسائل الإعلام ومنابر العبادة وإدخال مواد تربية أسرية كجزء من المناهج التي تدرس للجنسين وتغيير الأنماط السلوكية لكلا الجنسين في المناهج المدرسية.
* إعطاء المرأة الفرص التعليمية والوظيفية التي تساعدها للمساهمة في مختلف مجالات العمل المتاحة لتحسين وضعها المادي وتعزيز استقلاليتها.
* إنشاء مراكز استشارية أسرية تساعد في تخفيف التوتر بين الزوجين.
* إنشاء مراكز لإيواء النساء المعنفات والمتضررات لتقديم الدعم والعلاج وتدريب الكوادر اللازمة لها.
* إدخال مادة جديدة في المناهج الدراسية تهتم بتدريب الطلبة على كيفية السيطرة على الغضب وطرق حل المشاكل والنزاعات أسوة بالدول المتقدمة.
وأخيرا يتحمل الإعلام عبأ كبيرا مع منظمات المجتمع المدني في إبراز هذه الظاهرة ومواجهة المسؤولين إذا ما تقاعسوا عن محاربتها ومعاقبة مرتكبيها وإنصاف ضحاياها.
نعم,في السنوات الأخيرة ازداد الاهتمام بظاهرة العنف ضد النساء إلا أن الاهتمام تركز غالبا,خاصة في العالم العربي حول ظواهر محددة تتعلق بالعنف الجسدي كجرائم الشرف والاغتصاب, إلا أن الأنواع الأخرى من العنف وخاصة النفسي والاقتصادي لم تلقى الاهتمام المطلوب, رغم أن ضحاياها هن الغالبية العظمى من المعنفات.