بقلم : د.خالد الحروب ... 09.09.2009
يشتد سعار عنصري في دوائر اليمين الصهيوني، في إسرائيل والولايات المتحدة، لمواجهة مطلب "تجميد الاستيطان". وكما في كل معركة يخوضها هذا اليمين ضد فلسطين والفلسطينيين وحقوقهم التي يقر بها كل ذي ضمير، فإنه "يبدع" في تخليق خطاب يتجاوز ما كان قد وصل إليه من وقاحة وفجور في قلب الحقائق. ومؤخراً أصدرت بعض الجماعات اليمينية المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة "قاموس مصطلحات" خاص بمفاهيم ومفردات الصراع يكون دليلا في أيدي المدافعين عن إسرائيل. والهدف من هذا القاموس، كما تقول مجموعة "مشروع إسرائيل"، هو "توضيح الحقائق" للصحفيين وصناع الرأي العام في الولايات المتحدة والعالم حول الصراع مع الفلسطينيين والعرب.
و"القاموس" مُصاغ وموجه للناشطين يحثهم على كيفية التعامل مع الإعلام والإعلاميين والسياسيين. أحد الدوافع وراء إصدار هذا القاموس هو ما يراه مؤلفه من وضع كارثي للمعرفة "الحقيقية" حول إسرائيل ودعمها عند الأجيال الأميركية الجديدة. وهو يتحسر بسبب انتشار اللامبالاة وسط هذه الشريحة، ويشير إلى نتائج استبيان حول عدد من الأسئلة السياسية الأولية حول معرفة تلك الشريحة لبعض الشخصيات السياسية المحلية والعالمية. فبحسب ذلك الاستبيان (الذي لا يقول لنا القاموس من أجراه، ومتى وكيف،) فإن 35 في المئة فقط من المستجوبين عرفوا من هو رئيس وزراء إسرائيل، مقابل 55 في المئة عرفوا من هو رئيس السلطة الفلسطينية. نتيجة كهذه ترفع الحاجب تعجباً لناحية صدقيتها أولا، لكن المهم أنها تدفع بكل مؤيدي إسرائيل نحو الشعور بالخطر وضرورة العمل السريع والواسع للوصول إلى ذلك الشباب الجامعي وغيره.
تصفح "القاموس" الذي يقع في 116 صفحة يثير الأعصاب ويكشف عن أعماق وأركيولوجيا عنصرية مدهشة. ومن المفيد تقليب بعض الصفحات هنا من الفصول الثمانية عشر والملاحق الأربعة التي يتضمنها "القاموس"، وفي أغلب الأحيان فإن عناوين الفصول نفسها تكاد توجز المضامين المريعة في لا إنسانيتها تجاه الفلسطينيين والعرب عموماً. فهناك فصل بعنوان "25 قاعدة للإعلام الفعال"، وآخر عن "قائمة بالكلمات المُستخدمة"، ثم فصل بعنوان "كيف نتحدث عن الحكم الذاتي الفلسطيني والازدهار"، وفي هذا الفصل يطلب القاموس من مؤيدي ٍإسرائيل الإشارة إلى ما حققه الفلسطينيون من "ازدهار" بسبب دعم إسرائيل وتسهيلاتها، وبأن الفلسطينيين يحكمون أنفسهم بأنفسهم. وطبعاً يترك القاموس العتيد قراءه غارقين في الوهم وكأن الفلسطينيين قد تحرروا وليس هناك سيطرة أو حتلال إسرائيلي مطبق. وهناك فصلان عن "عزل حماس المدعومة من قبل إيران والمعارضة للسلام" و"لغة التعامل مع إيران النووية". وفي فصل "غزة: حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وعن حدودها"، هناك ترداد للمقولات الإسرائيلية الرسمية ومزايدة عليها، ولا إشارة إلى حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم ضد الاحتلال. ثم هناك فصل "السلام: الرسالة المركزية" وفيه كلام يثير الغثيان حيث يشدد "القاموس" على مؤيدي إسرائيل بأن يظل "السلام" رسالتهم الأساسية: نقتل، نحتل، نبني جداراً للفصل العنصري، نحافظ على نقاط التفتيش، ونقوم بكل شيء، لأننا نريد السلام ولخدمة السلام! وفي فصل "المستوطنات" يصل "القاموس" ذروة الازدراء بالحقائق والمفاهيم حيث يصف المطالبة بإزاحة المستوطنات في الضفة الغربية باعتبارها "إبادة إثنية". والتفسير الذي يقف خلف هذا المفهوم "الجديد" يقول بأن المطالبة بوجود أية أراض لا يتواجد فيها غير الفلسطينيين وإخلائها من اليهود، يعتبر فعلا عنصريا ووجهاً من أوجه الإبادة الإثنية. طبعاً في فصل "القدس" هناك المعلقة اليهودية الشهيرة بأن القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل وأنها تقع في ضمير اليهود وأن أهميتها للعرب والمسلمين ثانوية. أما فصل "الضمانات طويلة الأمد والمساعدة العسكرية" فيصف إسرائيل كدولة مستهدفة دائماً من قبل جيرانها العرب، زاعماً أن أي سلام يجب أن يرافقه ضمان لتفوق إسرائيل عسكرياً وإلى الأبد. ثم يبرر القاموس في فصل "العازل الأمني ونقاط التفتيش" كل الإجراءات العنصرية والوحشية الإسرائيلية، وفيه تركيز على استخدام مفردة "العازل الأمني" والابتعاد دوماً عن لفظة "الجدار" لما تحويه هذه الأخيرة من مضامين فصل عنصري وتشابه مع جدار برلين. وهناك فصول أخرى لا تتيح هذه العجالة الصحفية التوقف عندها مثل "حق العودة يساوي حق المصادرة"، "الأمم المتحدة"، "عرب إسرائيل"، "الحديث عن الأطفال وثقافة الكراهية"، "دروس للتعلم من لغة أوباما"، "الحديث عن اليسار الأميركي"، "إسرائيل في الجامعات الأميركية"، وهنا يقول القاموس بضرورة وأهمية العمل على تغيير الصورة السلبية عن إسرائيل في أوساط الشباب الجامعي الذي يحمل انطباعا مؤيدا لـ"أعداء إسرائيل" عامة.
وفي قسم الملاحق الأربعة هناك أربعة عناوين، أولها "القضايا الأكثر صعوبة" وتتضمن لماذا لا يجب الحديث مع "حماس"، ولماذا استخدمت إسرائيل قوة مفرطة في الحرب على غزة، ولماذا لا يجب تقسيم القدس، ولماذا لا يجب قبول حق العودة. أما الملحق الثاني حول "مشاركة حماس" فيتلخص في التركيز على "ميثاق حماس" واقتباس المقولات التي تعادي اليهود كأصحاب دين وتتوعد بإنهائهم. الملحق الثالث "حقائق مهمة" وهو عبارة عن جداول رقمية سمتها الأساسية أنها لا تتضمن أي شيء له علاقة بـ "الحقائق المهمة" من الطرف الآخر. فهنا نقرأ عن عدد الشاحنات التي تسمع بها إسرائيل كمساعدة إنسانية لقطاع غزة، لكن لا نقرأ عن نتائج الحصار الإسرائيلي الوحشية واللاإنسانية، ونقرأ أن "حماس" أطلقت أكثر من عشرة آلاف صاروخ على إسرائيل منذ عام 2001 (ولا نعرف بالطبع مدى دقة هذا الرقم)، لكن لن يكون بمقدور القارىء غير المتخصص أن يفهم أن استخدام كلمة "صاروخ" مضللة هنا وسوف يظن بأن إسرائيل دُمرت بسبب آلاف الصواريخ تلك. ثم لا يقرأ بطبيعة الحال كيف أن قطاع غزة يعتبر أرضا وسماء مستباحة من قبل دبابات وطائرات إسرائيل التي أبادت عدة آلاف من الفلسطينيين منذ ذلك التاريخ، مقابل عشرات من الإسرائيليين فقط قتلوا جراء كل "الإرهاب الفلسطيني". أما العنوان الرابع فهو "بوسترات للاستخدام" و يتضمن عدة أمثلة على "بوسترات فعالة" ومؤثرة، وفيه إرشادات حول أهمية التركيز على بعض الكلمات والأرقام وإبراز أهمها. فهناك مثلا بوستر يحمل عنوان "حماس والسلطة: وفروا فرص عمل وليس قنابل، وفيه جدول إحصائي طويل عن ضحايا "الإرهاب الفلسطيني" وعمليات التفجيرات، وكل ذلك تحت عنوان آخر يقول: "لماذا تحتاج إسرائيل إلى عازل أمني".