بقلم : رشاد أبو شاور ... 13.01.2010
أحسب أن أي مواطن عربي يتصادف أن يطّلع على حملة الشتائم التي تشغل صفحات بارزة في الصحافة الرسميّة لنظام كامب ديفيد هذه الأيّام، لن يدهش من استهدافها الشعب الفلسطيني (كله)، في غزّة، والضفّة، والـ48، والشتات، فكل فلسطيني بحسب أقلام أيتام السادات، ربائب وريثه، مستهدف، توجه له تُهم وشتائم نترفّع عن نقلها للقرّاء، لأنها تليق فقط بأبواق نظام التوريث والإفساد والاستبداد والدكتاتوريّة المزمنة.
في الصحافة الرسميّة التي توصف بالـ (قوميّة) مجموعة بلطجيّة، يأكلون على مائدة نظام حكم هوى بمصر إلى ما هي عليه ـ لا ضرورة لوصفه لأن الأوصاف السيئة والبذيئة تُقصّر عن وصفه ـ لا يضربون بسيفه إذ لا سيف له، ولكنهم يردحون على ورق غير نظيف، لا صلة له بمن أسسوا تلك الصحف، ومن بنوها وأعلوا بنيانها بجهد عرب بلاد الشام وإخوتهم أبناء مصر.
تصف هذه الصُحف نفسها بالصحف (القوميّة)، ولكن أي قوميّة؟ منذ كامب ديفيد وهي تزخر بمعارك لاقوميّة، استهدفت دائما القضيّة الفلسطينيّة، وشعب فلسطين، وكان هذا منسجما مع خيار نظام السادات ووريثه الأكثر سوءا وبؤسا.
كانت صحافة مصر صحافة تنوير، فمن أسسوها وفدوا غالبا من بلاد الشام، انطلاقا من رهانهم على دور شعب مصر، ورحابة صدرها، وخيارها النهضوي منذ محمد علي باشا (الأرنؤوطي) الذي عرف دور مصر ومهمتها القياديّة.
اختيار مصر كان رهانا عربيّا لمن أسسوا (الأهرام) و(الهلال) وغيرهما، حيث الأفق الفسيح الذي يتسع لطموحاتهم، وانطلاقا من (عروبة) صافية، وتقديرا لمصر الشعب والوطن، الأخ الأكبر الذي إن استيقظ ونهض بمهمته فإنه يقود (الأسرة) العربيّة، يحميها، ويمضي بها إلى المستقبل الزاهر.
من يقرأ بعض ما يكتبه (فريق) نظام كامب ديفيد، ويمر بنظرة سريعة على الشتائم والتهم التي تُكال للشعب الفلسطيني، سيحكم ربّما بكلمة، أو بكلمتين، على صحافيين حددوا لأنفسهم دورا يليق بهم، فلا لغة، ولا تحليل سياسيا، ولا وجهة نظر، ولا معلومات، ولكنه ردح يسخّر لخدمة نظام حكم يحكم عليه حال مصر المُحزن، وشعبها، وانحسار حضور مصر عربيّا، وأفريقيّا، وعالميّا.
سندع لكتّاب ومفكري ومناضلي مصر أن يحكوا على جرائم نظام حكم أفقر مصر، وشرّد ملايين أبنائها بحثا عن العمل وبشروط لا تليق، والفساد الذي يفكك الدولة والبلد ويأخذها في مهب الريح.
سيادة مصر جُرحت بسبب مقتل الجندي المصري أحمد شعبان ـ لروحه الرحمة ـ على الحدود مع فلسطين، لا نقول مع غزّة، وسقوط أكثر من ثلاثين جريحا فلسطينيّا برصاص رجال الأمن المصري الذين بعضهم في حالة الخطر، ودمهم جميعا خسارة لأنه ذهب هدرا في معركة (الجدار) الإلكتروني الذي سيخنق أهلنا في قطاع غزّة، ويحشرهم في مرمى نيران قوّات الاحتلال الصهيونيّ التي تتهيّأ لحرب أشد تدميرا وهولاً من حرب (الرصاص المصهور) والفسفور الذي أحرق المئات من أطفال غزّة!
صحافة الردح، ونظام السمسرة لم تجرح، ولا أسيء إليها من جواسيس الكيان الصهيوني، ولا من عمليات تهريب المخدرات لتسميم شعب مصر، ولا من جيش العدو الذي أعدم عشرات الجنود المصريين في سيناء في حربي 56 و 67فالجنرالات الصهاينة مُرحّب بهم، فهم أصدقاء، وهم شركاء، ومعركتهم وحليفهم نظام كامب ديفيد في مواجهة شعب فلسطين.
سيادة مصر تتجلّى على حدودها مع فلسطين، وشعب فلسطين (حيط واطي) بنظر نظام كامب ديفيد، في حقبته الأسوأ والأكثر عدائيّة لفلسطين والعرب.
نظام حكم مأزوم، مأزقه داخلي مستفحل بسبب الفساد والفقر والبطالة والعجز عن تمرير عمليّة (التوريث)، فمنتخبه لكرة القدم خسر أمام الجزائر، والوريث رجع من الخرطوم بخفي حنين..فماذا بقي له؟!
جدار فولاذي عميق عميق جدا، للبرهنة على أنه خادم أمين لمخططات أمريكا، ولأمن الكيان الصهيوني، ومعاد تماما للشعب الفلسطيني، وجاهز لوأد القضيّة الفلسطينيّة.
نظام حكم مزمن مترهل، صحفه (القوميّة) يقودها كتّاب بعضهم رافق السادات في رحلته إلى (القدس) ونظّر لاتفاقيّة كامب ديفيد، وخاض معارك ردح ضد المقاومة الفلسطينيّة، والقيادة الفلسطينيّة، عندما كانت تقاوم وهي في بيروت، وبعد رحيلها إلى تونس، ابتزازا لها، ومحاولة لجرّها للحاق بمسيرة الكامب.
ردّاحو نظام السمسرة على الأمة، يستمتعون بشتم الشعب الفلسطيني المحاصر، المجوّع، فالجرّافات تحفر من الجهة المصريّة، والأعمدة المصنوعة في أمريكا تغرس عميقا، وطائرات العدو الصهيوني تقصف فتقتل وتجرح، في تناغم وتكامل في الدور، والردّاحون يغطون على دوي القصف، وهدير الجرّافات، وموت الفلسطينيّين اليومي، وعلى المذبحة القادمة، فهم لم يشبعوا قتلاً في الفلسطينيين الذين ويا للعجب لا يموتون تماما ليريحوا نظام التبعية لأمريكا، والتحالف مع الكيان الصهيوني.
هذا هو الدور (القومي) لصحف يُخان تاريخها، وتطمس رسالتها، وتهان سيرة مؤسسيها، وهي بهذا تستحق أن توصف بحسب المهمة التي تقوم بها بالصحافة (المعادية للقوميّة) العربيّة، وللعرب، ولفلسطين، وللمقاومة الفلسطينيّة واللبنانيّة والعراقية، ولكل قضايا التحرر العربيّة، ولمصر نفسها.
هذه الصحافة نفسها لعبت دورا حقيرا قبل الحرب العدوانيّة الأمريكيّة على العراق، وأثناءها، و(كتبجيتها) الردّاحون داوموا علنا في فنادق القاهرة وكان (القبض) بالدولار علنا، وكل واحد وسعره، فرؤساء تحرير بعض الصحف مُنح كل واحد منهم (جعالة) بلغت المليون دولار، وكل واحد ومقامه الردحي، وخبراته، وقربه من رأس النظام.
هؤلاء ظنّوا دائما، أنهم ما أن يطلقوا ألسنتهم، وكلماتهم، حتى يُهزم الخصم الذي يستهدفونه، فينكفىء أمامهم، فالصحافة (زعبرة)، وبذاءة، وانعدام أخلاق، وولاء للمصلحة، و..لمن يدفع.
حملاتهم في جانب منها موجهة إلى أهل مصر، داخليّا، تغطية وتعمية بحيث لا يفرّق الرأي العام في مصر بين الحق والباطل، ولكن أهل مصر يعرفون، وبعض صحافة مصر تقول كلمة الحّق، رغم عدم انتشار تلك الصحف كونها لا تموّل (حكوميّا) ولا نفطيّا، وهي من تستحق أن توصف بالـ(قوميّة) لأنها صحافة مصريّة عربيّة مُلتزمة بقضايا الأمة وقضايا مصر وكرامتها في المقدمة.
أرض غزّة تنجب أبطالاً، هذا تاريخها لمن يجهل، وهي خط الدفاع الأوّل عن أمن مصر، ولكنها حاليّا صُحّرت بصواريخ الطائرات الصهيونيّة، وقذائف مدفعيّة الصهاينة، وبجرافاتهم التي اقتلعت أشجار برتقال غزّة...
أقلام مستأجرة بلا مواهب ولا أخلاق ولا ولاء لمصر، تتطاول على غزّة، تهين كل ما هو مقدّس، تبزّ دعاية الصهاينة وصحافتهم وإعلامهم، لأن الخادم دائما يزاود على سيّده.
صحافة مبتذلة مسعورة صبّت ردحها على ليبيا وهي محاصرة، وعلى العراق والجزائر وفلسطين ولبنان وسوريّة وقطر والسودان واليمن، و..هي دائما تُعيّر عرب كل قُطر بمآثر أخويّة لنظام الرئيس جمال عبد الناصر الذي طالما تسابقت أقلام المرتزقة إيّاهم على شتمه..فباسم أي مصر (يردحون)؟
كانت مصر في زمن قائدنا جمال عبد الناصر معطاءة لأنها تعرف دورها، ونظام الحكم المُستبد منذ كامب ديفيد عزلها، وصغّرها، واستتبعها.
الردّاحون.. تعرفهم مصر، وتخجل من انتسابهم لها، لأنهم بهدلوا اسمها الجميل والكريم.
ولأننا نحب مصر وننتظر عـــــودتها، ونعتز بكــــتّابها وشــعرائها وفنّانيها، فإننا لا نؤاخذها بما يفعل السفــــهاء، فصوتها عــــندنا جميل، ووجهها سيبقى جميلاً، ولسانها حلو الكلام ..و..عمار يا مصر الغالية، يا أخت فلسطين الكبيرة وكل بلد عربي في العائلة العربيّة الكبيرة.