أحدث الأخبار
السبت 28 حزيران/يونيو 2025
كيف سيكون شكل الشرق الأوسط الجديد؟!
بقلم : د.فيصل القاسم ... 28.06.2025

من السخف أحياناً أن تتحدث عن مؤامرات تستهدف العالم العربي، فغالباً ما تُحاك المؤامرات بعيداً عن الأضواء، ولا أحد يعلم بتفاصيلها، ناهيك عن أن المتآمرين لا يعلنون أصلاً عن مؤامراتهم، وبالتالي فإن الحديث عن مؤامرات ضد من يسمون بالعرب ليست أكثر من كلام فارغ.
بعبارة أخرى، فإن الإسرائيليين ومن ورائهم الأمريكيين لا يتآمرون علينا، لأن التآمر كما أسلفنا لا يكون معلناً، بينما يعلن لنا الأمريكي والإسرائيلي عن مشاريعهما المُعدة للمنطقة على الملأ (عمال على بطال) بكل صراحة وشفافية وصفاقة دون خجل أو وجل منذ عقود وعقود وبالتفاصيل المملة.
وكلنا يتذكر وعيد وزيرة الخارجية الأمريكية غوندوليزا رايس قبل سنوات وسنوات باستخدام «الفوضى الخلاقة» لخلق شرق أوسط جديد، وقد شاهدنا معالم تلك الفوضى في بلدان كثيرة تحت يافطات وشعارات مختلفة. نعم لقد أرادت الشعوب في بعض بلدان المنطقة أن تتحرر من الظلم والطغيان، فثارت على بعض الأنظمة، لكن كما اكتشفنا لاحقاً فإن أكبر المستفيدين من تلك الثورات لم تكن الشعوب نفسها، بل القوى التي تريد تغيير شكل المنطقة من أجل مشاريعها ومصالحها الخاصة. وهذا يبدو واضحاً الآن بعد أن ذاب الثلج وبان المرج. واليوم لا يمل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وهو يذكرنا بأنه يريد تغيير وجه الشرق الأوسط منذ اليوم الأول لحربه على غزة، وحتى قبل ذلك. ثم يأتي الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب ليؤكد على أنه يشارك نتنياهو في مشروعه، فقد قالها ترامب بعظمة لسانه قبل أيام إن هدف المواجهة مع إيران ليس فقط تدمير المشروع النووي الإيراني، بل المطلوب تغيرات استراتيجية. صحيح أنه عاد ليتحدث عن التفاوض مع إيران بعد وقف إطلاق النار بين تل أبيب وطهران، لكن الأمر لن ينتهي هنا بالتأكيد، فالجمر مازال تحت الرماد، ويمكن أن تشتعل النار بين الطرفين في أي لحظة لأن المشروع المطلوب إسرائيلياً وأمريكياً لم يتحقق بعد. وبكل الأحوال، أياً كانت النتيجة فهي تصب في مجرى مشروع الشرق الأوسط الجديد، سواء أخضعوا إيران للمخطط عبر الحرب أو القلاقل الداخلية، أو تقاسموا معها النفوذ، فبالنهاية سيكون لدينا شرق أوسط مختلف الأوصاف والأهداف.
***الهدف الكبير ليس فقط هيمنة إسرائيل وتسيّدها على المنطقة، بل أيضاً وضع الشرق الأوسط في السلة الأمريكية لمواجهة النفوذ الصيني الذي بات يشكل خطراً مستداماً على العم سام ونفوذه الامبراطوري في العالم
لاحظوا الآن معالم التغيير في أماكن أخرى في المنطقة. سوريا لم تعد سوريا القديمة، لا بل إن الجيش الأمريكي ربما سيساهم في تدريب الجيش السوري الجديد بعد أن كان النظام السابق يحمل شعار القومية العربية ومناهضة الصهيونية والإمبريالية وتحرير فلسطين. ومن الواضح أن سوريا ستنتقل من معسكر إلى آخر بمباركة رسمية وشعبية تخدم المصلحة السورية بعد عقود من العنتريات والشعارات القومجية الجوفاء. لبنان لم يعد لبنان الذي عرفناه على مدى عقود بعد القضاء على حزب الله ذراع إيران. والعراق طبعاً تغير كلياً بعد الغزو الأمريكي عام ألفين وثلاثة، وربما سيأخذ شكلاً جديداً آخر قريباً. وحدث ولا حرج عن الأردن الذي يخشى أن يكون أولى ضحايا الحرب في غزة، فيتحول ربما موطناً للمهجرين الفلسطينيين. ولا ننسى ما يحدث لغزة نفسها التي صارت أثراً بعد عين، ولا يعرف سكانها إذا كانوا سيبقون فيها أو سيرحلون إلى الأردن أو مصر، وكذلك الأمر بالنسبة للضفة الغربية، أي أن القضية الفلسطينية نفسها، أم القضايا في المنطقة، أصبحت في مهب الريح. هل سمعتم كلمة واحدة من إيران التي تشدقت بالدفاع عن فلسطين لعقود وعقود في حربها الأخيرة مع إسرائيل. لم تذكر القيادة الإيرانية غزة أو القدس مطلقاً. وحتى مصر ربما لن تسلم من لعبة تغيير شكل الشرق الأوسط وتركيبته بخسارة سيناء كوطن جديد لبعض الفلسطينيين. ولا ننسى أن هناك لعبة التقسيم التي تهدد بعض الدول المحيطة بإسرائيل وتفتيتها إلى دويلات.
حتى الأتراك حلفاء حلف الناتو يخشون من القادم، والإسرائيليون لا يخفون مخططاتهم ولو مزحاً، فقد ألمح الإعلامي الإسرائيلي بيركوفيتش قبل أيام منتشياً بالضربات واسعة النطاق التي شنتها إسرائيل ضد إيران إلى «أننا كنا متعادلين مع حركة حماس ثم فزنا عليها بركلات الترجيح، وصعدنا إلى نصف النهائي وهزمنا إيران، وقد نواجه تركيا في المباراة النهائية». وكان الزعيم التركي أربكان معلم أردوغان نفسه قد أشار إلى النوايا الإسرائيلية الخطيرة تجاه تركيا قبل عقود. من يدري، فليس هناك حلفاء في المنطقة سوى الأمريكيين والإسرائيليين، والباقي كلهم مجرد أدوات بالنسبة للطرفين. لهذا على الجميع ألا يتفاجأ عندما تدور عليه الدائرة الأمريكية الإسرائيلية لاحقاً بما فيها باكستان وغيرها، فالهدف الكبير ليس فقط هيمنة إسرائيل وتسيّدها على المنطقة، بل أيضاً وضع الشرق الأوسط في السلة الأمريكية لمواجهة النفوذ الصيني الذي بات يشكل خطراً مستداماً على العم سام ونفوذه الامبراطوري في العالم.
من المبكر جداً طبعاً تصور الشكل النهائي للشرق الأوسط الجديد، فالوضع بشكل عام مازال سائلاً، وقد نشهد الكثير من الأحداث القادمة التي لم تكن تخطر على بال حتى تكتمل صورة المشهد المنشود.

1