بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 09.02.2010
ماأوضح السيد محمود عباس وهو يعلن عن موقفه السياسي الرافض للمقاومة، والمنادي بالمفاوضات! إنه يعبر عن قناعة تامة، ولا يخجل من إعلان موقفه في كل المحافل، ويعلن ليل نهار أنه غير مقتنع بالعمل العسكري، وأن لا بديل عن طريق المفاوضات، ويتعرض للنقد، والاعتراض والاختلاف العلني مع مواقفه السياسة، ويُهاجم بقوة، ولكنه لا يغير، ولا يحيد عما اقتنع فيه. وفي المقابل ما أوضح حركة حماس، والجهاد الإسلامي اللذان يرفضان التفاوض مع عدو يغتصب أرض الأجداد، ويصران بالقول والسلوك: أن المفاوضات لن تفضي إلى حلول سياسية، ولن تحقق أهداف الشعب، وأن المقاومة هي السبيل لتحرير الأرض المغتصبة سنة 1948، قبل الأرض المحتلة سنة 1967، ويدعوان الجميع إلى تبني خطهما السياسي، ولا يحيدا عن ذلك رغم اعتراض البعض على هذا النهج.
لا مشكلة لكلا الاتجاهين السياسيين الفلسطينيين، فكلاهما واضح في أفكاره وخطه السياسي، ويعرف ما يريد، وأين وجهته، ولكن المشكلة تكمن في التنظيمات اليسارية التي لا تعرف ماذا تريد، ولا مع من تقف، ولم تحدد أهدافها، ولا تعرف طريقها، فتراها تقف مع حركة فتح وتغطي على قراراتها المتعلقة بالمفاوضات، وتسير بلا وجل خلف خطواتها السياسية، وتوفر لها الإسناد داخل منظمة التحرير الفلسطينية، ومؤسساتها، وتتسلم في نهاية الشهر الشيك المالي من السيد سلام فياض، ومن الجهة الأخرى، فإن تنظيمات اليسار تطرح شعارات سياسية، ومزايدات أيديولوجية، وتهديدات لإسرائيل لا ترتقي إليها أصلب تنظيمات المقاومة المسلحة؛ بما في ذلك حركتي حماس، والجهاد الإسلامي.
فهل هي سوء الدراية بالعمل السياسي، أم وراء الأيديولوجية ما وراءها؟ وعل سبيل المثال: كيف يصير تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وفي الوقت نفسه يصير التنظير لقرار مجلس الأمن رقم 242،؟ وكيف يصير التمسك بالثوابت الفلسطينية مع التغطية على اجتماعات اللجنة التنفيذية، وتأييد مقررات مجالسها؟ أمر غريب ومحير؛ أن يطالب اليسار الفلسطيني بالإصلاح، ومحاربة الفساد، ليشارك في مجزرة انتخابات غير شرعية لنقابة الصحفيين! فإذا نودي للسلام استل اليسار سيف الحرب، وإن نودي للحرب شرع اليسار في العقلانية، وطرح الحلول السياسية، والتذكير بموازين القوى الدولية، أمر عجيب ومحير؛ لا يفك شفرته إلا قراءة الزمن الذي انكشف عنه الحجاب، فإذا فصائل اليسار التي تنادي بالديمقراطية يتأبد مسئوليها في القيادة عشرات السنين، وإذا باليسار الفلسطيني الذي كان يملأ السهل، ويعبئ الوعر، ويتكاثر كخلية نحل في المخيمات، والمدن والفلسطينية قبل عشرات السنين، فإذا فيه يتقلص ضمن حدود 5% فقط التي حصل عليها في انتخابات آخر مجلس تشريعي فلسطيني، ويتضاءل حضوره بين الناس إلى حد الانقراض في سنة 2010، بعد أن صار قادته يدلون بتصريحات مزلزلة لدولة إسرائيل، ومن ثم يتنقلون عبر الحواجز الإسرائيلية بسلام، لتصير التنظيمات اليسارية تنتقل بين عناصرها عن طريق الوراثة، فلا تكاثر طبيعي لهم وسط مجتمع عربي إسلامي يرفض كل فكر مستورد، ويكره ما لا ينفع الناس، مجتمع عربي إسلامي يحيل اليسار إلى دارسي التاريخ، ومكتشفي علم الآثار.