بقلم : علي الكاش ... 24.01.2010
الكلمة سلاح فتاك قد يكون مفعولها أقوى من الأسلحة التقليدية، سيما إذا أحسن إستخدامها وسددت إلى الهدف بشكل دقيق. الكلمة أيضا تحتاج إلى ضبط نفس كالبندقية، لكن الخط الوهمي بين الفرضة والشعيرة في البندقية يقابلها خط واقعي بين الثقافة المفترضة والشعور الوطني. وكلاهما يحتاج إلى يد ثابتة قوية غير مرتعشة تضغط على الزناد في الوقت المناسب، وكلاهما يحتاج إلى رؤية ثاقبة وترقب هاديء وضبط أعصاب، وكلاهما يحتاج إلى تصويب مباشر على الهدف. ربما إصابة البندقية تخطأ لكن نسبة الخطأ في الكلمة تكون أقل، وربما تترك البندقية أثرا على المصاب سرعان ما يطيب ويختفي مع مرور الأيام، لكن جرح الكلمة من الصعب أن يطيب, وما قيل في أبي رغال والعلقمي وأبي لؤلؤة المجوسي والشمر بن الجوشن وغيرهم من خونة الأمة والمتآمرين عليها أكبر دليل على صحة كلامنا. لذلك أوصى الرسول (ص) بأن يشد المسلمين الكلمة على كفار قريش فقال" إهجوا قريشا فإنه أشد عليها من رشق النبل".
منذ الإحتلال الأمريكي الصهيوني الإيراني الغاشم للعراق، تشعبت مواقف الإعلاميين والصحفيين إلى ثلاثة طرق مفتوحة أمام من يسلكها بأختياره دون ممارسة أي ضغط عليه، أولها: طريق الوفاء وهو أن يبقي السالك وفيا لمبادئه بحكم تربيته وأخلاقه وثقافته ووطنيته حتى لو قادته الى التهلكة وهو الأحتمال الأكبر! والثاني: طريق الغدر، بالإنجراف مع التيار الإحتلالي وبيع كل القيم الدينية والدنيوية وإغتيال الضمير والرضا بأن يكون السالك أحد ربائط بساطيل المحتل في محاولة كسب أفضل المزايا. والثالث: طريق المناورة وهو اللعب على الحبلين لمعرفة المرشح الأقوى ومن ثم التهالك لخدمته, وهي تقيه سياسية و إنتهازية عارية. فأي طريق تختار؟
الطريق الأول: هو أشد وعورة من بقية الطرق لأنك بدلا من أن تقبض ستدفع! والدفع قد يكون المال والممتلكات والغربة والخطف وقد يصل إلى التضحية بالنفس عن طرق الإغتيال، أي هو طريق تضحية وعطاء وإيثار وفداء بلا عوائد دنيوية. ولكن أفضل ما فيه هو مراعاته للتعاليم السماوية والقيم الأرضية، ويؤمن راحة الضمير وهذا مما يهون مشاقه. أعداء الوطن والشعب يسمون هذا الطريق"مكب النفايات"! رغم أنهم كما يروجوا لأنفسهم والآخرين من دعاة الحرية والديمقراطية(هي دي مقراطية؟ أم دي دم،مكر أذية) وحقوق الإنسان. قبل الشرورع في المسير ستجد لافته كبيرة كتب عليها بماء الذهب قول للقمان الحكيم" إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك.
الطريق الثاني: مضمون النجاح والأمان والثراء ويؤمن الحصول على المناصب الرفيعة للذات ولخارطة المقربين! ولايحتاج إلى جهد كبير، فقط لسان مزيت تتزحلق عليه كلمات المديح لقوات الإحتلال الأمريكي الصهيوني الإيراني، والتذلل إلى العملاء سواء في البرلمان أو حكومة الإحتلال. وهذا الطريق أخضر وسهل، ورغم ذلك يمكن لسالكه أن يطالب بتأمين الحراسة له، كي يبقى لسانه يفرز سمومه بحق الوطن والشعب، وسنسميه(مكب الكنيف) لأن الكنيف أشد مضرة وكرها من النفايات. قيل الشروع في المسير ستجد لافته كبيرة كتب عليها بماء النار(التيزاب) قول مأثور للهمشري" إياك ومصادقة الكذاب ، فإنه كالسراب يُقرب البعيد ويُبعد القريب".
الطريق الثالث: طريق مبهم كثير المنعطفات والمنحدرات يكتنفه الغموض من كل الجهات ولا يمكن تشخيص ملامحه الرئيسية أو التنبؤ بنهايته. يكون سالكه أشبه ببهلوان السيرك يمارس رياضة المشي على الحبلين! لكنه مهما تدرب عليها فإنه معرض لأن ينزلق ويتحطم. إذن طريق ليس بالسهل لأنه ملغوما وفيه الكثير من مصائد المغفلين فيمكن أن تعثر فيه على بوصلة من ذهب مرصعة بالماس لكنها قد تعطيك إتجاهات خاطئة تنحرف بك إلى طريق آخر يوصلك إلى جهنم. لأن فيه خداع للناس وضحك على الذقون وقبلها للذات. قيل الشرورع في المسير ستجد لافته كبيرة كتب عليها بماء سحري باهت قول لعبد الحميد الكاتب " لابد من إجتناب الشر حتى ولو كان مزيناً بالعلم ، لأن الحيّة لا تكون أقلَّ سُماً عندما تكون لابسة جوهرة ثمينة على رأسها".
نحن نقول للصحفي والإعلامي بإعتبار الطرق مفتوحه لهم ولغيرهم: في الطريق الأول من السهل أن تكون صحفيا لكن من الصعب أن تكون ثائرا. و في الطريق الثاني من السهل أن تكون عميلا لكن من الصعب أن تكون وطنيا. وفي الطريق الثالث: من السهل أن تكون بشرا لكن من الصعب أن تكون رجلا.
في الصحافة والأعلام تكون الأخبار مثل الدمى الفارغة ورجالها هم من يحشوها بأفكارهم وتحليلاتهم العميقة وتشبعهم بدقائق الواقع السياسي وحشدهم للمعلومات وصهرها في إطار متناغم يتوافق مع الظروف الحاضرة كي تزداد جاذبيتها وسحرها, وهذه مسئولية كبيرة ومهمة شائقة لذلك سمي الإعلام بمهنة المتاعب. ولدوره الرقابي لإداء الحكومات وتشخيص مواطن القوة والضعف جعله يستحوذ بشرف كبير على لقب السلطة الرابعة.
وفي البلدان الخاضة للإحتلال الأجنبي يستحوذ الإعلام على أهمية قصوى سواء كان الوطني أو الإحتلالي بالرغم من مجراهما المتعاكس ومصبهما المتناقض. فكل منهما يحاول أن يستقطب أكبر عدد ممكن من الإعلاميين والصحفيين إلى جانبه وبالتالي إستقطاب الجمهور لصفه, وهذه المنافسة غير خاضعة لضوابط النزاهة ومعايير الشرف والأمانة وصدق الكلمة ونقل الحقيقة بالنسبة للإعلام الإحتلالي فإمكاناته المالية والتقنية وإسرافه وحوافزه التشجيعية تطفو على هذه المعايير الجوهرية التي تنحسر عنه متراجعة يوم بعد آخر لتصب في الإعلام الوطني المناهض للإحتلال.
الإعلام الوطني قد يكون ضعيفا في وسائله التقنية لكنه قويا بوسائله الفكرية, وقد يكون فقيرا في إمكاناته المادية لكنه ثريا بقناعاته الوطنية, وقد يكون متقشفا في حوافزه الوظيفية لكنه سخيا في جاذبيته الجماهيرية. أهم الفروق بين الإعلام الوطني والإحتلالي إن الإعلام الوطني كالأمل يبدأ صغيرا وضئيلا ثم يكبر وينضج يوما بد آخر حتي يتحقق. أما الإعلام الإحتلالي فهو كالمصيبة تبدأ كبيرة وضخمة ويوما بعد آخر تصغر وتتضاءل إلى أن تموت.
الصراع بين الإعلامين والوطني والإحتلالي هو صراع مرير بين إرادتين متناقضتين، قوى الخير ضد قوى الشر. صراع بين المعرفة والجهل، صراع بين الإيمان والكفر، صراع بين الحق والباطل, صراع بين الحقيقة والكذب, صراع بين النور والظلمة، لأن التنوير هو أخشى سلاح يرهب الأعداء لذلك حذر(عاموس جيلبو) الخبير الإسرائيلي المتخصص بالشؤون الاستراتيجية" بأن الدول المتنورة خطرة على العالم" ويقصد العالم المؤمن بدينه وثقافته وحضارته وعدالة قضيته, أنهم يخشون تنوير شعبنا ليظل ذليلا جاهلا كسيحا مهزوما يعاني من أهوال الإستبداد وجحيم الإستعباد, لكن قوى الظلام لم تدرك يعد بأن الرحم العراقي ليس عاقرا ولم يصل بعد إلى سن اليأس, وإن الديمقراطية المسلفنة التي أستوردوها وخدعوا بها شعبنا فاحت منها رائحة العفونة الكريهة وخرجت منها الديدان ورميت في"مكب النفايات".
مع الإحتلال الثلاثي الغاشم إرتفع منسوب الفساد إلى أعلى مستوياته في تأريخ العراق وبدأت طفيلياته تطفو على السطح، فتولت المنابر الإعلامية الوطنية عملية التنبيه لها وتوعية الشعب العراقي من خطرها الجسيم على الصحة الوطنية وتحفيزه على إتخاذ التدابير الوقائية الوطنية السليمة لدرئه قبل أن يتحول إلى وباء لا يسلم منه أي عراقي. فليس من المنطق السكوت والوقوف مكتوفي الأيدي أمام تصاعد الفظائع لأن السكوت عنها سيكون جريمة توازي جريمة الفساد نفسها، ويركن خلف ظهره المعايير الوطنية الأساسية, لكن قوى الظلام لايمكن أن تقف ساكته أمام فضيحة إثارة مواطن خللها وإثارة مشاعر الناس ضدها. وهذه بديهيات واقعية يعرفها كل شعب لسعته أسواط الإحتلال وأدمت ظهره.
لذلك تقوم قوات الإحتلال بفتح غطاء بالوعتها لتخرج صراصيرها في هجوم فاشل على الفراشات والصراصر موطنها البالوعات والأماكن الضيقة المظلمة وتهوى الهواء العفن، والفراشات موطنها السماء الفسيحة وتهوى النور والهواء العليل. والصراصر تعيش في المياه الآسنة والفراشات تعيش في المروج الخضراء. والصراصر تتغذى على الجيف والفراشات تتغذى على الزهور, الصراصر منظرها مقرف والفراشات منظرها جميل. فهل يطول ممن في الأرض من يعيش في السماء؟ محال وألف محال.
الهجمات الآثمة ضد وسائل الإعلام الوطنية ومحاولات إسكات الأفواه الشريفة والأقلام النزيهة ما تزال مستمرة سواء كان ذلك عبر وسائل الإغراء وشراء الذمم وهي محاولات عقيمة إثبتت عدم فعاليتها، فالشرف لا يمكن بيعه، والمواطنه لا تخضع للمزايدات الرخيصة، والحق يعلو ولا يعلى عليه. أو عبر وسائل الوعيد والتهديد بالخطف والتصفية وغيرها من وسائل الردع. وبين آونة وأخرى تأتينا وسائل الأعلام بأخبار عن أغتيال صحفيين أو خطفهم أو الإعتداء عليهم بالضرب أو الشتم، في غضون ذلك تصدر قوائم بتصفية الأقلام الوطنية، وتجرى محاولات آثمة لإختراق عدد من المنابر الوطنية الحرة والأعتداء على فرسانها الغيارى الذين كل همهم الوطن والشعب وإظهار صوت الحق للتخلص من براثن الإحتلال الأمريكي الصهيوني الإيراني للعراق.
لا أكشف سرا إن تكلمت بصوت الضمير عاليا بأن بعض المواقع الوطنية يصرف عليها فرسانها من جيوبهم الخاصة ويمارسوا أعمال أخرى لتغطية نفاقتها, أي إنهم يقتطعوا اللقمة من أفواه أطفالهم ليغذوا العقل الوطني، ويرفعوا مستوى الوعي الجماهيري، ويكشفوا هموم الوطن والشعب للرأي العام الداخلي والخارجي! مالذي يجعل هؤلاء الفرسان يرفضون كل المغريات ومسببات الثراء ليعيشوا عيشة ضنكى يلاحقهم شبح الموت هم وعوائلهم إينما وجدوا وتواجدوا؟ أنه الوطن تلك الكلمة الساحرة والنغمة الرائعة التي لا تملها الإسماع. الكلمة التي تسمو فوق كل القيم الدنيوية, ولأن الوطن كلمة مذكرة فهو يعني الرجولة والفحولة والجرأة والأقدام والإيثار والتضحية والفداء، وهي الصفات التي يحملها رجال المقاومة الوطنية الباسلة والمدافعون عنهم من الإعلاميين والصحفيين وكل من يعترف بحقهم في المقاومة والتحرر من الأحتلال، ولا يتوانى عن مساعدتهم بكل الطرق المتاحة وأن عجزت المادة فيتحدث اللسان وان عجز اللسان فبالقلب وذلك أضعف الإيمان.
مقاومة الإحتلال وكشف زيف إدعاءاته وسد جميع المنافذ التي يمكن أن يتسسلل من خلالها العملاء والمنحرفون والمجرمون والمتطرفون والمتمسحون ببساطيل مرتزقته لا يحتاج إلى دعوة ولا يحتاج إلى فتوى، وأحمق من يظن ذلك. إن كنت مسلما بغض النظر عن مذهبك فأنك لا تحتاج إلى دعوة ولا فتوى لتجاهد فالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفه تسدر فم كل مرجع وعالم دين مهما كان موقعه لا يعترف بحق المقاومة والتحرر. ورفض فريضة الجهاد أو السكوت عنها هو إفتراء على الله ونبييه المصطفى. من هذه القاعدة الصلبة إنطلقت قذائف المواقع الوطنية وفرسانها الأبطال لتدك قلاع الشر وحصون الطاغوت.
لذلك لا نستغرب مطلقا أن تقوم قوى الظلام بنصب الفخاخ والمكائد للقوى الوطنية بمختلف الطرق سواء بالضغط على الشركات الدولية لأغلاق المواقع الألكترونية أو عمليات القرصنة التي يقوم بها شياطين الفيروسات بأجر مدفوع من قبل قوى الإستكبار والإستصغار العالميين أي الأمريكان والصهاينة وملالي إيران.
وكانت آخر هذه المحاولات الآثمة ما تعرض له الموقع الوطني المجاهد (العراق للجميع) وفارسه المغوار الدكتور سرمد عبد الكريم من قرصنة حقيرة على أيدي مخابرات نظام الملالي التي لم تكتف بتصفية العلماء والطيارين والأكاديمين والقادة العسكرين والقوى الوطنية المناهضة للإحتلال لتنجر إلى عمليات القرصنة المخزية وتسرق محتويات الموقع. إن هذا الموقع الوطني المميز كان يؤرق الملالي حتى في مضاجهم الوسخة ويكشف خبائثهم الدفينة ويفضح مكائدهم ومؤمراتهم ضد الشعبين العراقي والإيراني المبتليين بنظام العمائم.
ليخسأ كل من يظن بأن صوت الضمير يمكن أن يدسر، وصوت الحق يمكن أن يخبو، فهذا الموقع الوطني ليس وحده في ميدان الجهاد، وهناك مواقع شقيقة له تعرضت أيضا إلى نفس القرصنة ولكنها عادت بحيوية ونشاط أكبر, كما سيعود موقع(العراق للجميع) بكامل عافيته وعنفوانه بإذن الله، لأن (سرمدنا) لا يمل ولا يكل. ولأن أشقائه في المواقع الوطنية الأخرى لا يتركونه وحيدا في الميدان بل سيتكاتفون معه بكل قوة وإصرر وتحدي. كما أن جماهيره الواعية الوفية من كتاب وقراء أفاضل لن يقفوا مكتوفي الأيدي بل سيسندوه ويشدوا من أزره لمقارعة الطاغوت.
البارحة ليس اليوم! واليوم ليس غدا! فصوت الضمير عند الشعب العراقي إرتقى إلى ذرى سامقة ليجهر بصوت جاهر وببلاغة معبرة تمحو كل شك "هيا فتوه للجهاد", حتى يتحقق بإذن الله الهدف الوطني الأسمى وهو تحرير العراق العظيم من الإحتلال اللئيم. وما النصر إلا قريب بإذن الله.