بقلم : د. شكري الهزَّيل ... 03.03.2010
احيانا تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن واحيانا اخرى تشتهي السفن الرياح ولا تأتي واحيانا تحتاج الامور الى فلسفه او الفلسفه لامور داعمه حتى نستوعب امر ما يبدو فيه ان الضحيه المجلوده قد تقبل واقع فرضه عليها الجلاد وتعايشت وتتعايش معه كأمر عادي وجزء مهم من مكونات حياتها الجديده, وعليه يترتب القول ان ماجرى لعرب النقب على مدى عقود مضت وتحديدا منذ نشأت دولة اسرائيل وتخطيطها فيما بعد في بداية سبعينات القرن الماضي لتوطين البدو قسريا وطوعيا يجعل الفرد يتساءل اليوم عن نتائج تلك المخططات وما افرزته بعد ثلاثة عقود ونيف من دخولها حيز التنفيذ ونشأة عدة مدن وقرى عربيه في النقب اساسها وتطورها وواقعها اليوم يعود الى مرجعية التوطين والمخططات الاسرائيليه التي هدفت الى تجميع البدو على اصغر رقعه جغرافيه في النقب بهدف الاستيلاء على اكبر كم ممكن من اراضي عرب النقب وهذا ما حدث بالفعل حيث لم يتبقى في حوزة وملكية عرب النقب الا نسبة قليله من الاراضي في وقت نجحت فيه اسرائيل بتوطين اكثر من نصف عدد عرب النقب في نقاط ومدن وقرى توطين في الوقت الذي يحارب فيه سكان اكثر من 45 قريه بدويه في النقب على وجودهم وبقاءهم في قراهم التي لا تعترف بوجودها دولة اسرائيل بهدف ترحيل اهلها والاستيلاء على اراضيهم ,.: بمعنى ان عرب النقب اليوم اصبحوا فعليا وموضوعيا مُقسمين الى مجموعتين اساسيتين بما يتعلق باسلوب الحياه وعلاقة الناس بالارض, ففي حين يُعتبر من انتقلوا او وُطنوا قسريا في نقاط التوطين[ حددت اسرائيل في البدايه سبعة نقاط جغرافيه لتجميع وتوطين البدو في النقب] سكانا في مدن وقرى التوطين القسري والطوعي وجزء من مشروع التوطين الاسرائيلي, نرى انه في المقابل ما زال هناك سكان القرى البدويه الغير معترف بها الصامدون في قراهم وديارهم ويرفضون مشاريع التوطين الاسرائيليه وعليه يترتب القول ان مشاريع التوطين الاسرائيليه قد نجحت في توطين نصف عدد بدو النقب[ 180000نسمه تقريبا] وراهنت على فرض الواقع وعامل الزمن وبعض المغريات التحضيريه كعوامل ساهمت وتساهم في جعل عرب النقب المُوطنُون يتعايشون مع حالهم الجديد كحال عادي وليست قسري لابل انهم يدافعون عن مشاريع اسرائيل بطريقه مباشره او غير مباشره التي صارت مكان سكناهم وعيشهُم وكيانهم بالرغم من انها في الاساس نشأت كنواه قسريه ومن ثم تحولت الى واقع جغرافي وديموغرافي يمارس حياته ضمن الشرعيه الاسرائيليه اللتي تطلق على مدن وقرى التوطين القسري " قرى معترف بها" من قبل السلطات الاسرائيليه, بينما تطلق على اكثر من 45 قريه بدويه وديار بدويه اصليه " قرى غير معترف بها" من قبل اسرائيل على اساس شرعنة التوطين وشيطنة القرى الذي يصمد فيها عرب النقب ويرفضون مشاريع التوطين الاسرائيليه.....!!
قد يقول قائلا هذا هو الواقع وما فرضته اسرائيل صار عاديا ومقبولا على نسبه كبيره من بين عرب النقب لابل ان الكثيرون يتسابقون ويعملون المستحيل لشراء قطعة ارض[دونم] للبناء والعيش في مدن وقرى التوطين القسري مثل رهط وتل السبع وحوره وكسيفه وشقيب السلام الخ, وهذا القول صحيح الى حد بعيد , حيث ان اجيال كامله نشأت اليوم في مدن وقرى التوطين القسري ولا يوجد لها اي علاقه بتاريخها وبديارها الاصليه لابل ايضا ان هنالك من يسكنون اليوم في مدن التوطين لم يكونوا بالاصل ملاَّكي ارض واصبحت حياتهم ومعيشتهم مرتبطه بمكان سكنهم الحالي ولا علاقه لهم بالواقع التي تعيشه القرى العربيه البدويه اللتي لا تعترف بوجودها اسرائيل وتعيش في ظروف العصور الغابره دون ماء وكهرباء ودون بنيه تحتيه وخدمات صحيه وتعليميه وبالتالي بالامكان القول اليوم ان عرب النقب اليوم عرَّبين من ناحية الحياه واسلوبها ومن ناحية العلاقه بالارض والديار الاصليه, حيث ان الناس الذين يعيشون في مدن التوطين مثل رهط وغيرها يدافعون عن وجودهم داخل مدن التوطين ككيان وهويه وملكيه الخ::: هذا الكيان وهذا المكان اللذي كان اساسه مشروع اسرائيلي قسري وباطل صار كيان شرعي ومعترف به من قبل عرب النقب انفسهم ككيان ومكان سكناهم ومسقط راسهم ويدافعون عنه ليس كباطل لابل كحق مكتسب من مرجعية باطل.. حق وباطل ومن ثم حق بلا باطل.. بمعنى بسيط: اسرائيل نجحت الى حد بعيد بتمرير مشاريعها التوطينيه القسريه بمساعدة البدو انفسهم اصحاب الارض وملاكيها في النقب الذين انتقلوا للعيش في قرى ومدن التوطين التي انشأتها اسرائيل لا بل ان اكذوبة الكذب تتجلى في ان البعض المُتعلم او المثقف من بين ابناء وبنات عرب النقب او غيرههم من البدو من من عارضوا ويعارضوا عرضيا مشاريع التوطين القسري في النقب صاروا اليوم جزء منه وجزء من ادارته و مسؤولين داخل مجالس وبلديات مدن وقرى التوطين القسري ويتبوأوون مناصب اداريه في منشأات انشأتها اصلا اسرائيل ضمن مشاريع التوطين القسري.. كيف يطالب البعض بحقوق القرى الغير معترف بها ويدعي انه ضد التوطين وهو نفسه جزء لا يتجزأ من مشاريع التوطين ويسكن ويعيش ضمن شروط اوجدتها اسرائيل للسكن والعيش داخل مدن التوطين اللتي تطلق عليها اسرائيل مدن التطوير والتحضير... تحضير البدو بعد تطييرهم من اراضيهم وديارهم.... والسؤال الصعب الذي لابد من طرحه: هل كان بامكان مشاريع التوطين الاسرائيلي ان تنجح دون مساهمة البدو انفسهم في هذا " النجاح"؟؟... الجواب: قطعا لا : ولولا مساهمة البدو قسرا او طوعا او جهلا في مشاريع التوطين الاسرائيليه لما نجحت اسرائيل في تثبيت هذه المشاريع كواقع وككيان يدافع عن وجوده اليوم عدد لا باس به من البدو انفسهم من من يقطنون في مدن التوطين القسري في النقب لابل ان اسرائيل نجحت في تحييد اكثر من نصف عدد عرب النقب[ سكان مدن التوطين] عن معركة الارض والديار الذي يخوضها نشاما ونشميات وابناء وبنات القرى العربيه ال45 في النقب الذين يدافعون عن قراهم وديارهم ويعارضون مشاريع التوطين رغم جرافات اسرائيل و سياسة الظلم والتهميش الذي يتعرض لها سكان القرى العربيه في النقب التي لاتعترف بوجودها اسرائيل... الواقع مر والامر من هذا هو الاعتراف بان اسرائيل وطَّنت و دجَّنت وروضَّت نصف عدد عرب النقب وهؤلاء بدورهم ومن خلال تسلسل "موضوعية" التوطين يدافعون عن كيانهم ووجودهم ضمن واقع مشاريع التوطين القسري... ارتباط الاكثريه الساحقه من مواطني مدن التوطين مثل رهط وغيرها بالارض والديار الاصليه في النقب في طريقه الى الاندثار كليا عبر الزمن والاجيال.. الوعي بكون الكيان القائم كان بالاصل قسريا غير موجود في ذهنية ووجدان الناس::: العكس هو الصحيح : هنالك سباق داخلي على شراء قطعة ارض من الدوله الاسرائيليه داخل مدن التوطين القسري وصراع اخر على الوظائف والمهام في البلديات والمجالس..هنالك كذب وجدل وتبرير فكري رخيص من قبل من يسكن طوعا في مدن التوطين وينسجم في واقعها وحالها, ومن ثم يدعي انه ضد التوطين ويدافع عن القرى العربيه في النقب الغير معترف بها من قبل اسرائيل.... اهلها ادرى بشعابها ويكابدون صعابها ويصمدون بداخلها::: هؤلاء هم الصامدون والمدافعون اليوم عن الديار والارض في النقب... هنالك من دخل التوطين جهلا و قسرا وطوعا وانتهازية , ولكن هنالك من دخل مشاريع التوطين طواعية ومع سبق الاصراروما زال يمارس النفاق ويظهر في جلسات واجتماعات تدافع عن حقوق سكان القرى العربيه الغير معترف بها في النقب.. نتمنى ان يتنحى هؤلاء الانتهازيين جانبا لانهم ببساطه جزء من مشروع التوطين الاسرائيلي وليست جزء من مشروع صمود سكان القرى العربيه التي تطاردهم اسرائيل وتهدم بيوتهم اكثر من عشرون مره ويعودون الى نصب خيامهم الشامخه فوق ديارهم .. تحيه خاصه لطويل ابوجرول احدى قرى الصمود النقبا وي, وتحيه لجميع ابناء وبنات قرانا العربيه في النقب الذين لم ينجروا الى مشاريع التوطين الاسرائيليه ويكابدون الجوع والعطش والفقر والحرمان, ولكنهم اشرف الاشراف البشريه وانبل الانبال في تجسيدهم الاسطوري لمعنى الصمود والوعي بوجودهم التاريخي على ارض النقب.... المتعلم ليست هو المثقف,, والامي اليوم ليست من لا يستطيع الكتابة والقراءه لابل ان الوطنيه والصمود والتحدي تأخذ منحى راقي ورائع بين صفوف ابناء وبنات القرى العربيه في النقب الغير متعلمين والواعيين وطنيا وتاريخيا لمعنى صمودهم وثباتهم في قراهم التي لاتعترف بوجودها اسرائيل,, بينما تتفشى الاميه الوطنيه والثقافيه بين شريحة العرب المتعلمين في النقب التي تشكل العمود الفقري والاساس التي ترتكز عليه اسرائيل في دعايتها لمشاريع التوطين القسري الذي يُزج فيها عرب النقب.... فيلا ووظيفه وزعم بالفهم والعلم... ولا وعي ولا ارض ولا شحار بين... توطين تدجين وتغريب.... نعم اليوم يوجد في النقب واقع مفروض وحاصل وهو وُجود صنفين او نوعين من عرب النقب.. عرَّبين؟.. النوع الاول: اصبح جزء من مشروع التوطين القسري الاسرائيلي واصبحت بالنسبه له مدن التوطين كيانا يدافع عن وجوده بغض النظر عن نشأته ومرجعيته القسريه ,,,, والنوع الثاني هو الاصلاني الذي يدافع عن وجوده ودياره الاصليه في القرى العربيه في النقب ويرفض مشاريع التوطين الاسرائيليه... والسؤال المطروح : كيف اصبح مشروع التوطين القسري الاسرائيلي الذي كان بدو النقب ضحاياها .. صار كيانا يدافع عن وجوده وشرعيته الناس.. البدو انفسهم قاطني مدن التوطين!!؟