بقلم : عطا مناع ... 12.03.2010
إذا صح ما قيل وما يقال عن تدخل دولة الاحتلال الإسرائيلي لمنع تدشين دوار الشهيدة دلال المغربي في مدينة البيرة فنحن أمام معضلة ثقافية ووطنية خطيرة، والأكيد أن تدشين الدوار اجل لأجل غير مسمى حسب قيادات فلسطينية في رام اللة، وهذه معضلة اكبر تعطي إشارات أن لا دخان بغير نار، وأننا كشعب فلسطيني دخلنا المنطقة المحرمة بإرادتنا وحلت علينا اللعنة، لعنة الشهيدة دلال المغربي ورفاقها.
الشهداء منارة وشراع، والشهداء حكايات وفداء، والشهداء ارض وجبال وتراب، والشهداء كتبوا الوصية بالدم ومنهم دلال المغربي التي طلبت من رفاقها الاستمرار في المقاومة حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني.
دلال المغربي قالت كلمتها وأقامت الجمهورية الفلسطينية، ورفعت العلم الفلسطيني، يقول الشاعر نزار قباني ليس المهم عمر هذه الجمهورية، المهم أن العلم الفلسطيني ارتفع في عمق الأراضي المحتلة، على طريق طوله 95 كم في الخط الرئيس في فلسطين.
دلال المغربي انتصرت للكماليين ناصر وعدوان وأبو يوسف النجار، ومشت باتجاه فلسطين وأعلنت قيام الجمهورية الفلسطينية، وشتان ما بين الجمهورية والسلطة، وكان أبو جهاد يعلم علم اليقين أنها ذاهبة للوطن لتبقى، وكانت تعرف ما ينتظرها، وصلت لمشارف تل الربيع وواجهت قوات الكومندوز والطائرات والدبابات.
دلال المغربي حملت في ثنايا قلبها العشريني قعر اللجوء في مخيمات الشتات، وذكرى عصابات الهاغاناه وشتيرن، ووجع دير ياسين وقامة عبد القادر الحسيني، لم تكن دلال وحيدة، حملت مع في رحلة العودة إلى الأراضي المحتلة القلوب المعذبة المشتاقة ليافا وحيفا وبيسان الحبيب، لذلك وطلت الى تل الربيع.
أدخلت الرعب في قلوبهم، انتصرت على برد اللجوء، مزقوا جسدها برصاصهم، لم تمت، هم أدركوا هذه الحقيقة ونحن كذلك ولكن إلى حين، وضعوا جسدها في تابوت واحكموا إغلاقه وحفروا له عميقاً في الأراضي المحتلة، وقد ترفقت بها ارضها وكانت البلسم لجراحها، هي في أرضها تنتظر العودة المظفرة محمولة على أكتاف رفاقها لتزف إلى أمها الأرض كما الشهداء، لكن الانتظار طال وتبدلت أحوال البلاد والعباد.
انتقلنا من الثورة إلى السلطة، وفرخت السلطة إمارة، والإمارة تتوالد قهراً وخوفاً، ودخلنا زمن الممنوع والمسموح، وارتضينا لأنفسنا نصب المقصلة لنتطهر من اللعنة التي تلاحقنا، اللعنة دلال وأخوات دلال وإخوة دلال وأبناء دلال، لعنه تلاحقنا في منامنا بالسؤال الكبير، لماذا تسللت الهزيمة إلى نفوسنا؟؟؟؟ لماذا لا ننهض من جديد ونقول لا بكل اللغات؟؟؟؟ لماذا الرضوخ لاملاءات الغير؟؟؟؟ ولماذا يخنق الصوت في مهده؟؟؟؟ ولماذا حالة العجز التي استفحلت فينا.
هل نستطيع أن نقول لهم سنستحضر شهداءنا في كل شارع وحي وزقاق؟؟؟ وهل من حقهم علينا وواجبنا اتجاههم أن نزين مخيماتنا ومدننا وقرانا بذكراهم المحفورة في قلوب البعض منا؟؟؟ هم لنا ونحن لهم، هم منا ونحن منهم، وهم الحقيقة الوحيدة في رحلة تيهنا وانفضاضنا عن تاريخنا، وهم اللعنة التي ستلاحق القاتل على مدى الزمان.
لماذا يمنعون تدشين دوار باسم دلال المغربي؟؟؟؟ ولماذا نوافق أو نؤجل؟؟؟ أهي مخيفة لهذه الدرجة؟؟؟ أم أنهم يخافون المستقبل؟؟؟ القاتل محق، فالمستقبل للضحية، والضحية تعود لتقتص من قاتلها، ودلال عادت، والكماليين عادا، وضحايا كفر قاسم عادا بحجر في القبضة الصغيرة لفارس عودة، ومحمد الدرة سيعود، ستعود كل الأرواح الحرة المعذبة التائهة في فضاء الهزيمة، سيعودون ولو بعد مئة عام، هي حتمية فلسطينية لا نقاش فيها.
لن تحل لعنة دلال ورفاقها علينا، فهم يرثون لحالنا ويرأفون بنا، وهم يمتلكون المعرفة، ومن غير الشهداء يمتلك المعرفة والحقيقة الكاملة؟؟؟؟؟ حقيقة أن ثقافة الهزيمة مسيطرة على وعينا وأداءنا، واللعنة لا تحل على المهزوم لان الهزيمة لعنة، ففكر الهزيمة لعنة، وثقافة الهزيمة لعنة، وأموال الهزيمة لعنة، وكل ما يفرزه واقع الهزيمة لعنة.
ملعونون نحن ولكن إلى حين، ومهزومون نحن إلى حين، عاجزون عن استحضار روح دلال المغربي الحرة إلى حين وهذا واقعي ومبرر، فلا داعي للغضب، مع أننا أحوج ما نحتاج إلية الغضب، الغضب منى أنفسنا، ومن الثقافة الدخلية على اقتحمت عالمنا، ومن بؤسنا، ومن خوفنا، ومن قادتنا، ومن ارتضاءنا لحياة القهر المسيطرة على عالمنا، أيوجد قهر يشابه قهرنا.
في الأفق تنبت شقائق نعمان، تبشرنا بالحرية والانتصار على الخوف والهزيمة، علينا أن لا نستعجل المستقبل، فللمستقبل نواميسة المقدسة، أرى المستقبل مدنناً باسم دلال ورفاقها الشهداء، وارى المستقبل انتصار على الذات ونبذاً لفكر الهزيمة، أرى شعبنا يشد الرحال إلى شهداءه، وارى ما نحن فيه من هوان ذكرى مؤلمة لا أكثر، وارى ما بشر به الكاتب الجزائري الكبير الطاهر وطار بان الشهداء يعودون، ولكن ليس هذا الأسبوع، حتماً سيعودون، وحتماً سيزيلون الحواجز والحدود، عندها سندشن وطنناً وشهداء وحرية.