بقلم : د. عامر الهزيّل ... 15.5.07
استرعى انتباهي مقال الأخ عزمي بشاره "بين الرومانسية القومية والواقعية الطائفية" واعلل ذلك لسببين:
الأول: انه جاء وسط العاصفة السياسية والتهم الظالمة التي اثارتها دولة اليهود اسرائيل حول النائب عزمي بشاره وقول الأخير في سياق رده على اسباب الخروج من فلسطين:
"ساحة عملي باتت أكثر فأكثر الساحة العربية عموما، والجميع يعرف ذلك، ووسائل الإعلام العربية تعرف أن اهتماماتي ليست منصبة فقط على قضايا الداخل، ولكن على كافة القضايا". [الخليج 24/4/07]
الثاني: ان عزمي لم يتوانى عن العمل خارج فلسطين بطرح رؤيته من داخل اسرائيل للقوميه العربيه الديمقراطيه الليبرالية التقدمية اليسارية بهدف الإقناع بها, مع بعد جديد هو تحديد معسكر الأعداء لهذه الرؤية ولأول مرة على حد علمي.
لذا اعتبر هذا المقال همسة في اذن عزمي خوفاً علية وعلينا من تيه اخر.
قبل اكثر من عام (9.3.06) كتبت في احدى مقالاتي "نحن وامريكا عودة التاريخ ام نهايته"؟!! ان امريكا أوعزت في الماضي, في صراعها مع المد القومي العربي واليساري, للأنظمة العربية الحليفه باحتظان وتشجيع بعض التيارات الإسلاميه كبديل حليف للقضاء على المد القومي واليساري ، مع حرصها الكامل على أن لا يتعدى طرح هذه الحركات حدود تطوير اللا تطور في الموروث الإسلامي كشكال لأي نهضة تكشف مكمون الإسلام الثوري والديمقراطي الحقيقي.
واضفت انه منذ احداث سبتمبر طورت الاوساط الغربية مفهوم تعميم ديمقراطيتها في المنطقة كحل لمشكلة العداء للغرب. حيث ارتكزت هذه الاستراتيجية في توجهها هذا على ابحاث ميدانية بينت ان جذور العداء لأمريكا ليس في الأقتصاد وانما في سياسة الأنظمه وغياب الديمقراطية فيها. بكلمات اخرى مصدر المعارضه والكراهية ليس بالضرورة الطبقات الفقيره, بل شريحة الوسط الباحثة عن موقعها التاريخي , غير أن سياسة الأنظمه فرضت عليها ثقافه التغيير عبر فوهة البندقية.
وعليه انطلق التوجه الديمقراطي الغربي من وجوب بلورة شريحة الوسط واستقطابها كألية حراك اجتماعي وسياسي من خلال الحياة الديمقراطيه. المهمه الاساسيه ترويض الإسلاميين على مراحل مع العمل على اضعافهم ببلورة تيارات التغريب الديمقراطيه.
مشكلة هذا التوجه كانت وبقيت تكمن في الجواب على سؤال: هل تكون عملية الانتخابات الديمقراطية الخطوة الأولى كمدخل لبناء الدولة المدنية بطرازها الغربي, ام الأخيره بمعنى تتويجاً لبناء مؤسساتها الإجتماعية عبر عملية سياسية واجتماعية تراكمية تغلق الباب على الخصم السياسي؟
تجربة العراق وانتخاب حماس في فلسطين والأخوان في مصر عقدت المهمة اكثر لكنها لم تلغيها. وعليه ما زالت الاوساط الغربية تبحث عن الحلول وقد لا تتورع عن محاولة استدراج التيار القومي العربي الليبرالي من مواقعه المعادية للسياسة الآمبريالية للمرور من على جثته كجسر عبور لأهدافها!
مهمة قد تغريها طبيعة التيار القومي العربي الليبرالي الذي يرى في الديمقراطية الليبرالية الغربية نموذج لحل المسألة العربية مع وجوب استيعاب خصوصيات الهوية الإجتماعيه في مجتمع حديث قائم على الانتماء الفردي اساسه الانتماء للعروبة لأن الطائفية/الإسلام وتسيس الانتماءات القومية العربية لن توجد أمة سياسية, على حد تعبير عزمي في مؤتمر "استعادة الوعي العربي" الذي عقد للمفارقة في امارة الشارقة.
ومع موافقتنا عزمي على ان المهمة التاريخية لبناء الأمة تتطلب تطوير الاقتصاد المشترك والتجربة المشتركة والدولة وبرامج التدريس الرسمية وإعادة كتابة التاريخ كتاريخ مشترك, وكذلك تزويد المجتمع/المجتمعات العربية بهوية ثقافية جامعة تحيد الحمائلية والعشائرية عن التحكم بانتماء الفرد السياسي,غير اننا لا نوافقه تحييد الإسلام روح العروبة وجسور روابط تعدديتها الأثنية. لأن الإسلام الصحيح ببساطه نقيض معالم المرحلة التي ينتقدها عزمي نفسه وبحق بقوله:
"لقد تحولت الأمة ... إلى هوية قطرية فولكلورية ورومانسية إلى حد بعيد، بما فيها من محاولات لمهرجانات بابلية وفنيقية وكنعانية وفرعونية بودر اليها من أعلى لتنفيذ مآرب سياسية وإعادة تشكيل الإنتماء والولاءات على أساسها."
من باب هذا المنطق لا نوافق عزمي توجهه بتحديد اعداء القومية العربية بقوله:
" ففيما عدا القوميين المتطرفين أنفسهم أعداء القومية العربية الجديون في أيامنا هم الطائفيون." [نفس المصدر]
وواضح ان الطائفيون في المنطقة العربية هم كل من يرفع شعار الإسلام هو الحل على كل تفرعاته وصراعاته المذهبية والحركية. خصوصاً ان عزمي من بين من يقول الإسلام طائفة لها مذاهب. وسأفترض انه غير واضح لي من هم القومييون المتطرفون؟!! لكي نتقارب ولا نتباعد.
اشكالية هذا الطرح تكمن في الاسباب التالية:
الأول: انه يتزامن مع وصول الهجمة المعادية اخطر مراحلها, مرحلة الاستئصال للعقيدة الدينية والهوية القومية العربية الإسلامية وذلك بالاستهداف المباشر للتيار الإسلامي والقومي العربي الرافض للاعتراف باسرائيل , الاحتلال الامريكي والهيمنة الغربية.
الثاني: انه يأتي في وقت تحاول الأمة البحث عن المشترك بين التيار القومي والإسلامي في المنطقة. في هذا الصدد يقول خير الدين حسيب:
" وإذا كانت الشراسة التي تتسم بها هذه الحرب يمكن تفسيرها بمدى الصلابة التي تواجه بها الأمة مخططات أعدائها، وبعمق الروح الجهادية التي تتجلّى في كل مواقع المقاومة في الأمة العربية والإسلامية، فإن مَرَدَّ الاستهداف المزدوج للتيارين القومي العربي والإسلامي يعود إلى أن التيارين قد نجحا في السنوات الأخيرة، وتحديداً مع بداية التسعينيات، في بناء قدر من علاقة تفاعلية وتكاملية بينهما أدت إلى سد الكثير من الثُغَر التي طالما نفذ منها أعداء العروبة والإسلام من أجل ضربهما معاً."
الثالث: اشكالية هذا التعريف للقومية تكمن في تصور نظامه السياسي والاجتماعي, اذ يختزل في طياته فكر النخبة العربية اليبيرالية خاصة في مرحلة ما بين الحربين من القرن الماضي، ثم النخبة اليسارية الماركسية بعد هزيمة حزيران/ يونيو 1967 وجديده وحدة الأمة العربية بأقصاء الفكر الإسلامي الذي أخذ زخماً واندفاعاً منذ الثمانينات في صون الهوية الحضارية والتاريخية للأمة. حقيقة لا يمكن تخيل العروبة خارجها, إلا بمحاولة عدمية اخرى لأخراج الأمة العربية من دفيئتها التاريخية.
في تاريخنا المعاصر مررنا بمحاولة هيمنة فكر النخبة الليبرالية ما بين الحربين التي طرحت ضرورة التغريب للنهل من حوض الديمقراطية ولم تكن معنية بالتعريب ومسألة وحدة الأمة العربية. وبعد هزيمة رمز الحركة القومية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عام 1967, طلت علينا نخب اليسار بنفي كل ما يتعلق بالحضارة العربية الاسلامية لتعيش غربتها وتبقى ليس أكثر من شعار, بعدما رفضت الأرض نبتتها وامتطى الغرب صهوتها لشرعنة الاعتراف بأسرائيل تحت شعار برنامج المرحلية.
الرابع: مواقف عزمي الأخيره بقوله ان اسرائيل ترفض التعامل "بندية مع رجل يرفض أن يكون أقل دمقراطية منهم لأنه ديمقراطي ليبرالي تقدمي يساري اكثر منهم" واصبح تواجده في الكنيست " على المستوى الشخصي متعباً نفسيا ... وأنا قومي عربي، وديمقراطي فلسطيني الهوية، فكان لي مشكلة في الوجود هناك، ولذلك كنت متعبا ومستنزفا عاطفيا وجسديا." (عزمي, اذاعة الشمس 13/4/07 , جريدة الخليج 24/4/07]
وانا شخصياً افهم عزمي تماماً لأنه خوفاً من وسخ هذه الحالة وتعريبها على صهوة نقيضها التاريخي القومية العربية, بقيت مواقف الرافضون لها , المؤكدة على يهودية المواطنة كحالة صدام تاريخي مع الكيان الصهيوني كشرعية وجود الدولة نفسها, مرجعية راسخة لبناء استراتيجية النضال ومن ضمنها مسلكية القيادة ومسألة حمايتها من الضربات. وهذا لا يقلل من حقيقة ان عزمي فقيدة قيادية,لعرب الداخل, عصير فكرها النهضة العربية الليبرالية. وان اختلفنا على الدرب, ما زلنا ندافع عنه في النقاش المحتدم والهمز واللمز حول الفروق بين مناضلي الفنادق والخنادق وأملي كبير أن يحسمه عزمي بجرأة القائد العائد لساحة المعركة الحقيقية. كيف لا وهو القائل ان الكلام والمواقف من على منبر الكنيست الاسرائيلي وتحت حماية حراب حصانته ليست ببطولة:
"هناك نواباً عرباً في الكنيست سعداء جدا بكونهم في الكنيست كناد يضم 120 عضوا وعربيا الجميع يستغرب من نشاطهم في الكنيست، وهو والله ليس بطولة، لأن حق الكلام محفوظ"[ جريدة الخليج 24/4/07]
من هنا فأنه من مصلحة الأمة ومعها عزمي الالتفات بجدية في هذه المرحلة لدعوة المؤتمر القومي العربي الأول عام 1990 إلى تأسيس مؤتمر قومي عربي- اسلامي كان اجتماعه الأول في بيروت عام 1994 وتوصل الى برنامج سياسي وفكري مشترك من بين بنوده المهمة:
1. الاتفاق بين التيارين الاسلامي والقومي على تبني المشروع الحضاري النهضوي العربي بعناصره الستة (الوحدة، الديمقراطية، الاستقلال الوطني القومي، العدالة الاجتماعية، التنمية المستقلة، التجدد الحضاري) واعتبار الالتزام بهذا المشروع شرطاً لعضوية المؤتمر.
2. رفض التسويات المطروحة لإنهاء الصراع العربي ـ الصهيوني.
3. رفض التطبيع مع اسرائيل.
4. رفض الوجود الأجنبي وأشكال الهيمنة الأجنبية كافة.
5. متابعة النضال والجهاد والكفاح لتحقيق هدف الوحدة العربية.
خلاصة القول: لا خلاف مع اصحاب فكر القومية العربية الليبيرالية على انه يجب التركيز في العالم العربي على عوامل النهضة وأهمها قضية الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والبشرية. غير أن الخلاف ينصب على طبيعة النظام السياسي والاجتماعي.
من جهة القومية العربية الديمقراطية الليبرالية هي بحد ذاتها تغريب تبحث عن وحدة الأمة عبر جامع ثقافي يقوم على اللغة العربية المشتركة وتعبير سياسي له تاريخ خارج الإسلام, وان اعترفت بأهمية الحضارة الإسلامية فهي تراوغ تكتيكياً لعبور جسر المرحلة ليس أكثر.
من الجهة الأخرى الاسلامية العدمية السلفية كتيار داخل المد الإسلامي, تقترح نظاماً يخرج الأمة من روح العصر باسقاط هالة القداسة على الماضي والمذاهب الى حد التنكر لروح نصوص القرآن الحقيقية.
لهذا فأن القومية العربية الليبرالية ليس بأقل عدمية ورومانسية من الاسلامية السلفية ولا اقول كل التيار الإسلامي. كلاهما مطالب اليوم بمراجعة مواقفه من أجل ايجاد صيغة مشتركة للتحرير الذاتي والوطني على ارضية الديمقراطية وفقاً لخصوصيات الأمة العربية الإسلامية وقرارت المؤتمر الإسلامي – القومي المذكوره اعلاه.!