بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 31.12.2011
انطلقت الثورة الفلسطينية قبل ست وأربعين سنة بهدف محاربة الصهاينة، وإزالة كيانهم عن الوجود، وإعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، واختارت الكفاح المسلح طريقاً. فماذا تحقق لفلسطين بعد ست وأربعين سنة من الدم النازف؟ أو بمعنى آخر؛ لماذا لم يتحقق للفلسطينيين ما حلموا فيه من أمنيات رغم الكم الهائل من التضحيات؟
الرجوع إلى الماضي يقدم درساً للحاضر، ونحن نستنتج التالي:
أولاً: لم تنجح الثورة الفلسطينية في تدمير قاعدة طيران حربية إسرائيلية واحدة، ولم تدمر طائرة مقاتلة إسرائيلية واحدة، ولم يتمكن الفدائيون الفلسطينيون من قتل طيار إسرائيلي واحد، ولم ينجحوا في إعاقة عمل سلاح الجو الإسرائيلي المجرم بأي شكل من الأشكال.
ثانياً: لم تدمر الثورة الفلسطينية قاعدة بحرية إسرائيلية واحدة، ولم تغرق قطعة بحرية إسرائيلية، بل ظل البحر آمناً لإسرائيل، وملكاً خالصاً للبحرية الإسرائيلية.
ثالثاً: لم تدمر الثورة الفلسطينية معسكراً واحداً للجيش الإسرائيلي، ولم تسيطر على قطعة أرض، واقتصر العمل الفدائي على ضربات في المناسبات، حيث اقتصرت مقاومة بعض التنظيمات الفلسطينية على تنفيذ عملية عسكرية شكلية سنوية مع ذكرى انطلاقتها.
رابعاً: ظل الاقتصاد الإسرائيلي في منأى عن الصراع، فلم تدمر ثورتنا عصب التجارة الإسرائيلية، ولم تقصف مصنعاً، ولم تدمر محطة توليد كهرباء، ولا خزاناً للمياه، ولم تنسف مصنعاً كيميائياً، وظلت البنية التحتية الإسرائيلية في مأمن من هجمات الفدائيين.
ست وأربعون سنة؛ ولما تزل الثورة الفلسطينية لم تحقق هدفاً واحداً من أهداف انطلاقتها، ولما تزل ثورة رغم انتفاء ملامح الثوار عن السياسيين.
نسترجع الماضي ونحن نقرأ قبل يومين ما نقلته صحيفة "يديعوت أحرنوت" عن مسئول رفيع في سلاح الجو الإسرائيلي حين قال: إن إحدى ورشات العمل التي عقدت في قاعدة "بلماخيم" العسكرية الإسرائيلية قد أقرت بأن قواعد سلاح الجو في الجنوب قد أصبحت هدفاً للمنظمات الفلسطينية في قطاع غزة. وأضاف: "لأول مرة في إسرائيل يتم تأسيس كتيبة من جنود الاحتياط؛ مهمتها حماية قواعد سلاح الجو في حال تعرضت لهجوم صاروخي.
فلماذا ظلت قواعد الجو الإسرائيلي في مأمن من التدمير حتى هذا التاريخ؟ لماذا عجزت الثورة الفلسطينية بعد ست وأربعين سنة عن توظيف طاقة الشعب المعطاء في تقويض أركان الكيان الصهيوني؟ لماذا انفصلت عن عمقها العربي والإسلامي، حتى صار الفلسطينيون يصفقون للفدائي القادم من لبنان، كي يحرر لهم أرضهم، في الوقت الذي وصل فيه عدد العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل زمن الثورة الفلسطينية إلى أكثر من ربع مليون رجل، يمسكون بعصب الحياة الاقتصادية لعدوهم، ولكنهم خارج معادلة الصراع؟.
لماذا يكابر القادة السياسيون الفلسطينيون؟ لماذا لا ينبض الفشل وجعاً في قلوبهم، وقد تيقنوا من عجزهم عن تحقيق الأهداف التي من أجلها انطلقوا؟ وكيف ينامون هانئين، ليهنأ الأمن الإسرائيلي على وسائدهم؟ لماذا لا يقفوا أمام مرآة الزمن بلا زخارف التهويل، وبلا تعظيم للشأن، ليعترفوا بفشل تجربة لا تعالجها الملامسة العابرة، وإغماض العين عن المحاسبة.