أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
مثقفون في خدمة الآخر !

بقلم : رشاد أبوشاور ... 5.9.07

يوحي هذا العنوان بأن المقصود به هم مرتزقة يعرضون خدماتهم لمن يدفع.
الحّق أن العنوان يذهب إلي هذا الهدف، لأنه ينبع من واقع الحال، فالمقصودون هم مثقفو منظمات NGOS، وتعريبها الملطّف، التضليلي: المنظمات غير الحكوميّة، لتبرئتها من تهمة التبعية، وأداء الدور التخريبي والإفسادي والانحرافي.
هذه المنظمات هي حكوميّة في بلادها تمويلاً وترخيصا، ولكنها غير حكوميّة في بلادنا،فأي دور تقوم به بمباركة حكوماتها المموّلة لها ؟!
المفكّر الدكتور عادل سمارة، المقيم في رام الله، هو أبرز من فضح دور، ومهمات، وأساليب عمل هذه المنظمات، في كتابيه الرياديين: مثقفون في خدمة الآخر ومنظمات غير حكوميّة أم قواعد للآخر؟!
في كتابه مثقفون في خدمة الآخر ، ناقش ما جاء في بيان الـ55، وفضح خلفية ذلك البيان الذي هدف موقعوه إلي النفور من المقاومة، ورفضها ـ وليس رفض العمليّات الانتحارية،كما وصفوها ـ كفعل يتصدّي للاحتلال الذي لن يخرج بالتي هي أحسن، بالوساطات والبيانات الدوليّة والعربيّة الرسميّة، والحوار الودّي العقلاني حول طاولة مفاوضات، وهو ما فضحته تجربة (أوسلو) الكارثيّة التي بددت الأرض، وتكاد تجهز علي الهويّة، والثقافة، وتنهي القضيّة من أساسها.
مثقفو التسوية ينقسمون إلي مجموعتين رئيسيتين، كما يري عادل سمارة: المثقفون والأكاديميون ذوو الثقافة الغربيّة.. ومثقفو بقايا م.ت.ف..الذين انتقلوا من المشروع الوطني التحرري إلي مشروع أوسلو (مثقفون في خدمة الآخر ص2).
ولأن دور المثقفين خطير سلبا أو إيجابا، فإن عادل سمارة يركّز عليه في كتابيه: لعب ولا زال المثقفون دورا خطيرا في التطبيع مع الدولة الصهيونيّة الإشكنازيّة، ومع المركز الرأسمالي الغربي...
يوضّح عادل سمارة رميه لمثقفي التطبيع والتسوية، والاعتراف بالكيان الصهيوني الإشكنازي، بتهمة الصهينة: الصهينة موقف أيديولوجي يؤمن بإقامة دولة يهوديّة علي أرض فلسطين، وأراض عربيّة أخري، وهذا ما يؤكد أن من يعترف بهذه الدولة الصهيونيّة هو عمليّا من حملة هذه العقيدة.
هذا كلام ثقيل، أليس كذلك؟! عادل سمارة يضع الأمر في موقعه، فالتصهين ليس وقفا علي اليهود، إذ هناك صهاينة عرب، وفلسطينيون تحديدا..يرّد عليهم: إذا رأي البعض أن هذا الكلام ثقيل، فإن إنكار حقوق شعبنا وأمتنا أثقل بكثير...
يميّز عادل سمارة بين الإسرائيلي والصهيوني: بإمكان الأمريكي أو الأندونيسي، أو العربي أن يكون صهيونيّا، ولكن لا يمكنه أن يكون إسرائيليّا إلاّ إذا حمل الجنسية الإسرائيليّة.. يقصد: التصهين عقيدة، والأسرلة جنسيّة!.. انتبهوا.
هنا أستذكر أن والدي الشيوعي في حقبة من عمره، كان يتأسّف حتي نهاية عمره علي الفكرة التي رددها ببغاويّا، والتي لقنها له حزبه: إسرائيل شعب يجب أن يعيش.. والذي طالما سألني مستنكرا: أين تريد أن يذهب هؤلاء الناس (الإسرائيليون)؟ كنت أجيبه: إلي بلادهم التي جاءوا منها.. ثمّ أنت يا أبي لا تفكّر في شعبك الفلسطيني ولا بوالدتك فاطمة وابنك وأحفادك،وحتي بجثّتك بعد موتك !...
أترون غسيل الدماغ أين يصل!..ليرحمك الله يا أبي: لقد صهينوك فترة من حياتك بحجّة أخوّة الطبقة العاملة،والأممية..وهكذا تخليّت عن وطنك،وهويتك!..والحمد لله أنك استيقظت، وعدت إلي جوهر انتمائك قبل فوات الأوان، وأدرت ظهرك لهذا الخطاب وأصحابه.
المنظمات غير الحكوميّة جوهر عملها تجسسي، فهي تجمع معلومات عن المجتمع الفلسطيني،وتقدمها لمموليها.والأكاديميون والمثقفون الساقطون هم من يقوم بهذا العمل، بحجّة أنهم يخدمون المجتمع المدني ! ويدرسون جوانبه، ويسبرون أعماقه...
إلي من يقدّمون خلاصة أبحاثهم وتقاريرهم؟! هل من يمولونهم يفعلون ذلك ليخدموا المجتمع الفلسطيني؟ ليقوده مثقفوه وأكاديميّوه، وينقذوه من تخلّفه، وجهله، ليبصرّوه بأعدائه المحتلين الصهاينة ومكائدهم ؟
إنهم يتمولون من جهات تدّعي أنها غير حكوميّة، خدمة للشعب:..فهم كاذبون، لأنهم يعرفون أنها لا تهب المال للناس المنتفضين المقاومين ليصمدوا لمخططات وجرائم الكيان الصهيوني.
الارتباط بالأجنبي خطير، ولا يؤدّي إلاّ إلي تدمير وتفكيك المجتمع، ولا سيّما الثقافة والهويّة. (مقدمة:.. قواعد للآخر ص7).
انتدب عادل سمارة نفسه لدور: دوري ككاتب هو كشف الحقيقة، وقولها،كي لا يتورّط البلد في الانخداع بقيادات أسست منظمات غير حكوميّة، وتلقّت ملايين الدولارات من الأجنبي...
كل عربي، فلسطيني بالأخّص ـ لأن الحرب هذه تشّن علي عقله وروحه ـ ينبغي أن يعرف أن ما تسمّي بالمنظمات غير الحكوميّة تمويّل أجنبي، برعاية الإمبرياليّة الأمريكيّة العولميّة، بواسطة دول لا تستفّز: السويد، كندا..النرويج التي لعبت منظمتها (فافو) التي تدّعي أنها (عمّالية) دورا بارزا في اتفاقيات (أوسلو).. وبرعاية البنك الدولي الذي يخطط، ويتابع..لماذا ؟! الأهداف إنسانيّة بحتة؟ أم لنشر الفساد السياسي، وتفريخ قيادات سياسيّة مرتبطة تترعرع في هذه المنظمات غير الحكوميّة بالدعم غير البريء؟!
كم وزير، ومديرعام، وشخصيّة سياسيّة نشأت في ظروف ملتبسة، تعقد صفقات في (كوبنهاغن) و(أوسلو) و(جنيف)، أبرزت في الضفّة والقطاع، بالتمويل الأجنبي، والرعاية الإعلاميّة التي لن نبرئ منها جهات عربيّة ضالعة في التسوية، والتطبيع، وعقد الصفقات في العتمة والعلن.
إذا كانت الدول المعادية للعرب، المتحالفة مع الكيان الصهيوني، وفي مقدمتها: الولايات المتحدة الأمريكيّة، وبريطانيا ـ لا يغيب عن بال عادل سمارة التذكير بمأساة فلسطين، ونكبة العراق، ونظم الفساد السياسي العربي ـ هي التي ترعي التمويل، علنا وسرّا، وهي التي تستفيد سياسيا من نتائجه، فماذا نسمّي المتمولين هؤلاء، وبماذا نصفهم، وكيف نري دورهم ؟!
التمويل الأجنبي، عبر المنظمات غير الحكوميّة هو وسيلة لصنع قيادات جديدة، بنفس التشويه الذي خدعنا في قيادات سابقة (ص7 في خدمة الآخر).
يتنبّه الكاتب إلي الصراع بين السلطة ـ جماعة أوسلوـ وجماعة المنظمات غير الحكوميّة، ويري بأن الصراع هو علي (المال) الذي ينهبونه، ويتحكمون به دون حسيب أو رقيب، وعلي الدور.. أما الهدف فواحد: الخدمة التي يقدمونها لأسيادهم تصّب في نفس الهدف، ولنفس المعلّم الراعي والموجّه والمستفيد.
يضع عادل سمارة حدودا بين المثقفين:مثقف التسوية والتطبيع. المثقف الثوري المكتفي بكتابة فكره وهو في (البيت). المثقف العضوي الذي يؤمن،وينخرط في حركة الجماهير، ويدفع الثمن مهما كان حرمانا وحصارا وتضييقا علي حياته الشخصيّة...
جماعة الأنجزة، والدعم الأجنبي، والمجتمع المدني، بعد ما فعلته حماس في غزّة بقوّة السلاح، وتهالك سلطة أوسلو، ينتقلون هذه الأيام من السّر إلي العلن،يصدرون بيانات، يتحرّكون بدعم مالي كبير يرشون به، يقدمون أنفسهم كبديل.. هم الذين تخرّجوا من مدرسة (أوسلو)...
هؤلاء من يفترض أن نتصدّي لهم،لأنهم يقدمون الغطاء لصفقات تحاك حاليّا لتصفيّة القضيّة الفلسطينية، وتدمير روح المقاومة لدي الشعب الفلسطيني،وهم يستثمرون حالة اليأس، والعجز، والارتباك التي سببها ما جري في غزّة، واندفاع سلطة أوسلو وإمعانها في اللحاق بسراب وعود بوش.