بقلم : هيام محى الدين ... 17.05.2013
ظاهرة أطفال الشوارع من أخطر الظواهر السلبية التي تعاني منها معظم المجتمعات وفي كافة الدول حتى بعض الدول المتقدمة حضاريا , وإن كان شيوعها في دول العالم الثالث أكثر وضوحا وتأثيراتها السلبية أشد ضررا , وقد عرف المجتمع المصري هذه الظاهرة في فترات من تاريخة ازدادت ضراوتها في عصور الانحطاط الحضاري والاقتصادي الذي يؤدي إلى تفاقم الظاهرة نتيجة لظروف اجتماعية واقتصادية , أبرزها فشل النظم السياسية والمجتمعية في تحقيق العدالة ؛ وزيادة نسبة الفقر وانهيار القيم الأخلاقية وشيوع الفساد .
وأبرز أسباب الظاهرة هو التفكك الأسري الذي ينتج عنه شرود الأطفال وخروجهم عن نطاق الحياة الأسرية المستقرة . ويكون نتاج هذا التفكك نوعان من المشردين
النوع الأول : طفل يقضي معظم نهاره وشطرا كبيرا من الليل في الشارع يمارس خلالها أعمال البلطجة والتسول ويحاول تحقيق ذاته من خلال سلوكيات سلبية مدمرة كإدمان المخدرات وتكوين مجموعات للتحرش والاعتداء وغيرها من السلوكيات الخاطئة , ويعود آخر الليل إلى مسكن الأسرة التي لا تهتم بما فعله في نهاره ليقضي ساعات النوم التي تمتد عادة إلى ظهيرة اليوم التالي
النوع الثاني : طفل هجر أسرته نهائيا وأصبح الشارع مأواه , ويأوى هؤلاء الأطفال عادة إلى أماكن شبه مهجورة ليلا كالخرابات وأسفل الكباري وأسفل خطوط السكك الحديدية والمباني القديمة المهجورة ويجتمعون فيها ذكورا وإناثا ليقتسموا غنائم سلوكياتهم المؤثمة ويمارسون تعاطي المخدرات والتخطيط لارتكاب الجرائم التي تغلب عليها جرائم السرقة والبلطجة .
وكلا النوعين يمثل خطرا شديدا على المجتمع وعلى مستقبل شريحة مؤثرة من أجياله
ويعد انتشار الفقر وصعوبة الحصول على مسكن مناسب , والتسرب من التعليم العوامل المؤثرة في تفكك الأسرة وإهمال رعاية أبنائها وتخلي الأبوين عن واجباتهما التربوية تجاه الأبناء , فانتشار الفقر وعدم القدرة الماديه للأبوين على الإنفاق على الأسرة يدفع الآباء إلى إخراج أبنائهم من التعليم لاستغلالهم في العمل وزيادة دخل الأسرة وهم في سن صغيرة مما يؤدي إلى تحول الأطفال إلى سلوكيات مدمرة بشكل سريع , خاصة حين تضيق بهم مساكنهم العشوائية والتي يحتشد فيها عدد كبير في حيز شديد الضيق فتسكن أسرة من خمسة أفراد أو أكثر في حجرة محدودة المساحة حيث يتلقى الأطفال أسوأ أنواع المعاناة ويكتسبون أنوعا شديدة الخطورة من السلوكيات والخبرات التي تؤدي بهم إلى التشرد والجريمة
كما يؤدي الفقر وسوء الإقامة إلى انهيار ترابط الأسرة بكثرة الخلافات بين الأبوين والمشاجرات والطلاق , مما يؤدي بالأبناء للجوء إلى الهروب من الأسرة ولا يجدون أمامهم سوى الشارع وصحبة السوء
ويؤدي الفقر إلى انتشار الأمراض المستعصية وعدم القدرة على العلاج السليم وقد يؤدي إلى فقد أحد الأبوين وتخلي الباقي منهما عن مسئولياته نحو الأبناء كأن تتزوج الأرملة رجلا آخر يسئ معاملة الأبناء ويدفعهم إلى الهروب والعكس إذا تزوج الأب امرأة غير الأم ؛ وتعد ندرة توفير فرص العمل المناسبة واتشار البطالة أحد أسباب شيوع الفقر إلى جانب سوء النظام التعليمي وارتفاع تكلفته بالنسبه للطبقات الفقيرة عوامل مؤثرة في انتشار الظاهرة ،
وتؤدي الظاهرة إلى شيوع الانفلات الأمني والأخلاقي في المجتمع فأطفال الشوارع يمارسون توزيع المخدرات والسرقة وقطع الطريق والتحرش والاغتصاب والعنف كما يمارس معهم كبار المجرمين والبلطجية نفس الجرائم ويستغلونهم أسوأ استغلال في جرائمهم ويخضونهم بالقوة والإذلال لتنفيذ جرائمهم أو المساعدة في تنفيذها مما يصنع منظومة متكاملة لمجتمع مواز يمارس الجرمة المنظمة ويضع لها خططها وقواعدها وهيكلها الذي يعتمد على مئات من المشردين الصغار الذين يمكن استخدامهم في المعاونة والتنفيذ للعديد من الجرائم ؛ حيث يعودونهم الإدمان ليسيطروا عليهم عن طريق المخدرات أوإذلالهم بالاغتصاب الجنسي والعقوبات الوحشية ليرضخوا لما يريده منهم عتاة الإجرام
إن محاربة الفقر والجهل بكل الوسائل ورفع مستوى معيشة الطبقات الأكثر فقرا وتوفير فرص العمل الشريف هي الطريق الوحيد لمحاربة الظاهرة , ولا يمكن للأسلوب القمعي أو الأمني أن يؤدي لأي نتائج في علاج الظاهرة فالأسرة القادرة على توفير غذائها ومسكنها بصورة مناسبة هي التي نستطيع محاسبتها على رعايتها لأبنائها وكلما قل عدد الفقراء كلما استطعنا السيطرة على ظاهرة أطفال الشوارع وكلما تحسن أداء النظام التعليمي كلما استفاد المجتمع في تكوين جيل قادر على الصمود ومواجهة مصاعب الحياة بحكمة ودراية فالعدو الحقيقي هو الفقر والجهل فعلينا أن نقضي عليهما ليصح المجتمع ويتحقق للأمة مستقبل مشرق .