بقلم : علي الكاش ... 23.05.2013
( لتكن إنتفاضة الأنبار فوق أي إعتبار)
المقصود بالفساد السياسي فساد النخبة الحاكمة بالدرجة الأولى بأعتبار أن مقاليد السلطة والنفوذ علاوة على الموارد والثروات تحت سيطرتها، وتجمع هذه الفعاليات في قبضة واحدة يشكل أسمدة فاعلة تساعد في تخصيب نبتة الفساد، وتنضجها بشكل مثمر وسريع. وبالتالي ينعكس الفساد السياسي على بقية القطاعات والمرافق الحكومية بشكل متفاوت، فيكون أشد كثافة في القطاع المالي والاقتصادي والعسكري بحكم تركز المال والثروة والقوة، وأقل منه في القطاع التربوي والثقافي والإجتماعي.
يحاول البعض إدماج ظاهرة الفساد بالدكتاتورية على إعتبار إنها مرادفة لها، تحت مبررات القمع والاستبداد والتعسف وكبت الحريات وعدم وجود قواعد ديمقراطية في مؤسسات الحكم. وهذا التعريف في الحقيقة لا يفِ بالغرض منه، سيما إن عددا من الدول التي كانت تعاني من ظاهرة الفساد السياسي أبان حكم الأنظمة الدكتاتورية. أشتدت فيها ظاهرة الفساد بعد إنتهاجها النظام الديمقراطي. وهناك نماذج كثيرة يمكن الاستدلال بها لعل أبرزها المنظومة الإشتراكية السابقة.
يُعرف البعض الفساد السياسي بأنه "وسيلة لقياس مدى غياب المؤسسات السياسية الفاعلة" ونلاحظ إن هذا التعريف فقير ولا يعبر عن الحقيقة كاملة لأن الفساد نتيجة وليس سببا، ولا يصلح أن يتحول الى وسيلة رئيسة لقياس مستوى فعاليات المؤسسات الحكومية. فهناك العديد من المؤشرات التي تصلح كوسائل يمكن بواسطتها تحديد مستوى الفساد السياسي ومن بينها مؤشرات منظمة الشفافية الدولية كفعالية المؤسسات ومستوى المحسوبية وتفشي الرشاوى وحجم الهدر في المال العام وتبديد الثروة الوطنية وحالات الإختلاس وحصر المناصب العليا باشخاص معينين على أساس القرابة والمذهب والمحاباة والقومية والعشائرية، إضافة الى حالات التزوير وإنتشار الجريمة والأبتزاز والروتين وغيرها من الظواهر السلبية التي تنخر ركائز المجتمع لحد الإنهيار.
من البديهي أن تنعكس ظاهرة الفساد الحكومي على ثقة المواطن بحكومته وولائه لها فتزعزعها من جذورها وتنفي قناعاته بالقوانين والتشريعات والأنظمة والقرارات التي تضعها الحكومة طالما هي أول من يتنصل منها وينتهك قدسيتها. فعندما تقوم السلطة التنفيذية بإختراق السلطتين التشريعية والقضائية وتلقم السلطة الرابعة مداسا في فمها، تتكاثف وتائر الإستياء والتذمر الجمعي، وتتصاعد أبخرة الرفض الشعبي لحد الإنفجار، وهذا ما يحصل حاليا في العراق.
إن الإنتهاكات الصارخة للمسؤولين بقدر ما تمثل تجاوزا رسميا على الدستور والتعليمات النافذة، فإنها تؤثر على ثقة الشعب بالحكومة. لأنها تمثل إستخفافا كبيرا بمواطنيها وهضم لحقوقهم وهدرا لكرامتهم. كما إنها تكشف عبث الحكومة وعدم جديتها في خدمة الشعب والتوجه لتحقيق الأمن والتقدم والرخاء.
كان إجتثاث الموظفين الكفوئين من مؤسسات ودوائر الدولة بموجب قانون إجتثاث البعث سيء الصيت قد نجم عنه مئات الآلاف من العاطلين الذين مازالت تتوفر فيهم إمكانية العطاء وخدمة الوطن. وترك فراغا مهولا في كل القطاعات الحكومية، من الصعب بل المستحيل تعويضه. حتى المحاولات التي بذلتها الحكومة لتعويض المجتثين بغيرهم من الموظفين الجدد كانت فاشلة مائة في المائة. وهذا ما يمكن لمسة يوميا من خلال الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام المحايدة. فقد حسم الأمر في العراق لصالح المحسوبية والمنسوبية والتزوير والرشاوى والعلاقات العائلية وتفضيل الطائفة والمذهب والعنصر. ولم تكن هناك إجراءات جادة للتعويض والإصلاح بقدر ما كانت محاولة ترقيع. مما أحدث تخلخلا وشرخا كبيرا في بنيان الدولة، أمتد أثره إلى بنية المجتمع كله الذي فقد التوازن والتوافق في الرؤى.
كما لعب الأعلام دورا سلبيا أزاء التغييرات السطحية لبناء الدولة وتشخيص الإداء الحكومة، فلم يتمكن من ممارسة دوره الرقابي والشعبي، بل لم يتمكن من تطويع رغبات كوادره الانتهازية وجشعهم للنهب والإستفادة القصوى من الفوضى العملاقة التي أحدثها الغزو. فقد سال لعابهم لمنظر المال السائب وكرم الحكومة للجم أفواههم، فإشتدت شهوة الطمع لديهم اسوة ببقية المسؤولين ودخلوا خانة العمالة من الباب الخلفي.
إن التشريعات والقوانين والقرارات التي تسنها الدولة، لا مسوغ لها إذا لم تلتزم بها الحكومة قبل غيرها ولا قيمة لها إذا لم تحترمها وتجعل لها قدسية في المجتمع. ولا فائدة منها دون أجهزة إدارية وفنية نزيهة وكفوءة تشرف على تنفيذها. ولا اهميه لها دون سلطة قضائية محترمة تعاقب كل من ينتهكها إبتداءا من قمة الهرم الى قاعدته. ويلاحظ في العراق المحتل ان الدستور نفسه بأعتبار مقصورة القيادة التي تحرك جناحي السلطة التنفيذية والقضائية لترتفع وتتقدم الى الامام قد صاغته أيادي أجنبية بعيدا عن نفس الشعب العراقي وطموحاته! فكان اساس البلاء والمصائب، الكل يتنصل منه والكل يدعِ الإلتزام به.
وإذا أدعى البعض بأن الشعب قد صوت له! فليدرك هذا البعض ان كل ما يقوم تحت خيمة الأحتلال هو باطل وغير شرعي. وان رجال الدين عندما يستخدمون كمطايا من قبل الغزاة والحكام للتصويت على الدستور فتلك من الكبائر. وإذا توجه الناخب الى التصويت وهو لا يعرف قراءة ما هو مكتوب في ورقة التصويت فذلك إقتراع زائف. وعندما يوجهه المشرفون على الانتخابات للتصويت حسبما يرغبون فتلك خدعة قذرة. وعندما تأتي من دولة مجاورة صناديق مملوءة بأوراق تصويت كاملة ومعدة فتلك جريمة نكراء بحق الوطن. وعندما تشرف هيئة غير نزيهة على نزاهة عملية الفرز واعلان النتيجة فتلك ديمقراطية عمياء لا تعرف طريقها وتتوكأ على عصا الأحتيال وستعثر عاجلا أم آجلا. وهذا ما حصل في الدورتين الإنتخابيتين السابقتين، ولاحقا في إنتخابات مجالس المحافظات، ومستقبلا في الإنتخابات القادمة. إن عمالة الحكام وعدم نزاهة مفوضية الإنتخابات وجهل المواطن وتدخل رجال الدين والأجهزة الأمنية في توجيه الناخب، من شأنه أن يحبط نجاح أي عماية إنتخابية. لذا الحديث عن نزاهة التصويت في العراق أشبه ما يكون بحديث البغايا عن الفضيلة.
ومن مؤشرات الفساد السياسي عدم توفر الرؤيا الصحيحة للزعماء لبناء مؤسسات فاعلة في كافة القطاعات تستطيع من خلالها تنفيذ خططها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتنهض بالمسئوليات الملقاة على عاتقها. أو أن تطرح مشاريعها على الشعب بدلا من تغييبه والتعامل معه كقاصر دون سن الرشد الوطني. فتنصب نفسها وصية عليه تعلله بالأمال ظاهرا وتدمره وتسرقه وتقضي على احلامه باطنا. ويلاحظ في العراق المحتل إن معظم واردات خزينة الدولة تنفق على الرئاسات الثلاث ومفرداتها والأجهزة الأمنية التي بلغ تعداد قطعانها ما يقارب المليون بهيمة دون أي فائدة ترتجى منها.
خلال الحكم الوطني السابق كانوا يُعيبون على الجيش العراقي تضخمه، رغم إن البلد كان مستهدفا من قبل الدول الكبرى والجارة الشرقية اللدود. أي هناك مبررات معقولة ومقبولة لتضخمه. وبعد الغزو حلٌ الجيش العراقي من قبل المندوب السامي الأمريكي بول بريمر، وكانت الطروحات الجديدة تؤكد على بناء جيش وطني جديد محدود العدد والعدة، جيش وطني لا دخل له في السياسة، ولا يجوز له التدخل في الصراعات الداخلية. لكن الذي حدث هو العكس تماما.
الجيش الحالي والشرطة والأجهزة الأمنية والقوات غير الدستورية يبلغ تعدادها حوالي المليون أو أكثر بإضافة قوات الأحزاب والميليشيات المنضوية تحت جناح الزعماء السياسيين، ومنهم أشباه الرجال (رجال الصحوات). الجيش الحالي مبني على التطوع وليس الخدمة الإلزامية وهذه يعني إنه لا يمثل جميع شرائح المجتمع العراقي. وإذا أضفنا لهذه المصيبة دمج الميليشيات الإرهابية بين صفوفه فتكون النتيجة كارثة. إنه جيش طائفي بقياداته وعناصره وتوجهاته وإدارته. فهو أقرب لإيران منه إلى العراق. والقائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي يحمل جواز سفر إيراني بإسم( نوري كاملي برقم 11588821). وهو بشغل منصب وزير الدفاع والداخلية والأمن الوطني والمخابرات، والمشرف الأعلى على قوات دجلة وسوات غير الدستورية علاوة على بقية المناصب المدنية.
أما القادة من أهل السنة كسعدون الريشاوي وزير الدفاع وكالة وناصر غنام القائد الجديد لقوات دجلة وزعيم الصحوات كأحمد الهايس وبطانته وغيرهم، فإن هؤلاء من اقزام إيران ولا علاقة لهم بأهل السنة ولا يجوز أن يتسموا بهم.
وبقدر تعلق الأمر بوزير الدفاع وكالة سعدون الريشاوي المسؤول الأول عن مجزرة الحويجة. يكفي أن وصفته عشيرته" المرتد عن دينه وعن كتاب الله وسنة رسوله، إنه الخائن المارق العميل المدعو سعدون الريشاوي وزير دفاع الصفويين الأنجاس من أحفاد إبن العلقمي ونادر شاه وكريم خان الزند. وأننا شيوخ ووجهاء ومثقفي عموم عشائر الدليم في العراق نعلن برائتنا الى أن تقوم الساعة ويقضي الله أمرا كان مفعولا من هذا العميل الخائن المرتد ونهدر دمه". إنه نمودج لقزم حقير سأل المالكي يوم كان وزيرا للدفاع أصالة وليس وكالة" إعطني أمرا لأهجم الفلوجة على رؤوس أهلها"! وبهذه المناسبة نود أن تلفت إنتباه وسائل الإعلام بأنه لا يجوز أن يطلق على هذه الوحش البشري(سعدون الدليمي) بعد أن تبرأت منه عشيرته. ونلفت نظر عشيرته بضرورة إرسال إعمام لوسائل الإعلام بالإمتناع عن ذكر كنية(الدليمي) عند الإشارة له، لما فيه من ضرر أدبي بسمعة وشرف العشيرة. ومن حق العشيرة مقاضاة من لا يلتزم بهذا الأمر من منطلق الإصرار على الإساءة لعشيرة الدليم بعد أن تبرأت منه. وبدررنا نلفت نظر المواقع الوطنية إلى ضرورة إحترام إرادة العشيرة ودعم تبرأها من هذا العميل القذر بإطلاق تسمية(سعدون الريشاوي) بدلا من(سعدون الدليمي).
هذه القوات الهائلة الحجم والعدة والتي تُنفق معظم ثروة العراق عليها، لم تتمكن من وقف ظاهرة الإرهاب التي تعصف بالوطن من جميع الجهات، أو الحد من النشاطات الإرهابية على أقل تقدير، لأنها هي بحد ذاتها واحدة من قوى الإرهاب وجيشها من أذرع الإرهاب. إن مجزرتي الحويجة وديالى هي عمليتان إرهابيتان بكل ما للكلمة من معنى، وقد قامت بها الحكومة وقطعانها البرية. لذا كيف يحارب الإرهاب من يمارسه ويتستر على الإرهابيين؟
إن وتائر التدهور الأمني تتصاعد يوميا مع تعدد الأسيجة الأمنية. فقد افرز شهر آيار الحالي المئات من الشهداء والجرحى مع محاولات الحكومة إخفاء الأعداد الحقيقية للضحايا في ضوء غياب دور الإعلام! في يوم واحد كان عدد القتلى(120) والجرحى(341)عراقي في ست محافظات. وقد طلب رئيس البرلمان مناقشة هذا التدهور في جلسة برلمانية طارئة. ورغم قناعتنا بأن جلسات السلطة التشريعية لا تقدم ولا تؤخر لأنها لن تجد إذن صاغية من قبل السلطة التنفيذية.
لكن ما الذي جرى؟
حضر الجلسة الطارئة 141 نائبا فقط من بين 325 نائبا لمناقشة مصير أرواح العراقيين ووضع حد لنزيف الدم. ممثلوا الشعب لا يحترموا حياة الشعب ويستخفوا بأرواح من إنتخبهم وحولهم من شحاذين أمعات على أروقة المخابرات الأجنبية، ولاجئين يعيشون على الضمان الإجتماعي في أوربا إلى أصحاب مليارات وملايين وقصور وعمارات في امريكا و لندن ودبي ولبنان والأردن. المالكي بدوره رفض الدعوة ومنع القادة الأمنيين وضباطه السفلة من الحضور أمام سلطة الشعب.
لم يكتفِ المالكي بذلك وإنما حرض النواب على عدم حضور الجلسة. مما أثار سخط رئيس البرلمان الذي صرح " لقد أثبت المالكي في تمرده على الدستور، وتحريضه نواب الشعب على عدم ممارسة سلطاتهم الدستورية في مناقشة الانهيار الأمني، بـأنه ماض بالإستخفاف بالدماء الزكية. وهذا التحريض يعطينا الحق باقامة دعوى على مجلس الوزراء". مشكلة رئيس البرلمان المسكين إنه لم يدرك بعد بإن المالكي هو الرئيس الفعلي للسلطة القضائية. لذا فإن دعواه القادمة ستكون هواء في شبك.
الطريف إن رئيس كتلة المواطن باقري صولاغي دعا الطرفين النجفي والمالكي إلى الحكمة والتعقل! ونسأله بدورنا هل فيكم من عاقل؟