بقلم : د. يوسف نور عوض ... 27.07.2013
السؤال الملح دائما، هو هل تلعب الولايات المتحدة دورا مهما في القضية الفلسطينية؟
هذا السؤال يطرح نفسه بقوة بعد توجه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى منطقة الشرق الأوسط وإجراء محادثات تستهدف – بحسب زعمه- استئناف المحادثات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وكما هو معروف فإن الاهتمام الأمريكي بما يجري في فلسطين كان خلال الحرب الباردة حيث ظلت الولايات المتحدة تعتبر إسرائيل قاعدة متقدمة لمواجهة الاتحاد السوفييتي، وانطلاقا من هذا التوجه دعمت واشنطن إسرائيل وجعلتها قوة نووية تستحق أن يعاد النظر في أسلوب مواجهتها.
وبصرف النظر عن دعوة ‘ثيودور هرتزل’ في القرن التاسع عشر من أجل إيجاد وطن لليهود وسعيه لتحقيق دعم بريطاني لهذه الدعوة، فإن الحقيقة القائمة قبل أن تصبح فلسطين قضية ذات أبعاد دولية هي إن العرب لم يكونوا مطلقا ضد اليهود أو محاولة استيعابهم في إطار دولة فلسطينية أو غير فلسطينية. خاصة أن الإحصاءات كانت تؤكد حتى عام ألف وتسعمئة وأربعة عشر أن اليهود يشكلون عشر سكان فلسطين البالغ عددهم نحو سبعمئة ألف..
غير أن التوجه الجديد الذي حمله وعد ‘بلفور’ دعا إلى إقامة وطن خاص باليهود، على أرض فلسطين مع الاحتفاظ بغير اليهود، وكان مضمون هذا الوعد واضحا، إذ بدل أن يكون لليهود حقوق مدنية أصبح المطلوب هو حقوق للعرب الفلسطينيين في أرضهم.
وأدى هذا الوضع إلى أول انتفاضة قام بها الفلسطينيون في ‘حيفا’ عام 1921 لما اعتبروه تغلغلا صهيونيا في بلادهم، ولا بد هنا أن نفرق بين التغلغل اليهودي والتغلغل الصهيوني، ذلك أن تغلغل اليهود في أي بلد عربي لم يكن مرفوضا، ولكن التغلغل الصهيوني ظل مرفوضا بسبب أهدافه الايديولوجية والعنصرية التي قامت عليها الفكرة الصهيونية .ويظهر ذلك بشكل واضح في محادثات’ فلاديمير جابونسكي’ و’ستيرن كانغ’ في عام 1930 مع النازيين من أجل دعم فكرة توطين اليهود على أرض فلسطين لأن الأمر في نظر هؤلاء لم يقتصر على سكان فلسطين من اليهود بل تجاوز ذلك إلى فتح المجال لهجرة اليهود من أوروبا ومن كل مكان من أجل احتلال أرض فلسطين التاريخية وتحويلها إلى وطن لليهود.وتفاقم الأمر كثيرا بعد الحرب العالمية الثانية حيث أصبح ‘الهولوكست’ الذريعة التي شجعت بها كثير من الدول الأوروبية سفر اليهود إلى فلسطين من أجل تأمين وطن آمن لهم . واستمر الصراع بين العرب الفلسطينيين واليهود الإسرائيلين في مراحل مختلفة كان أعنفها مذبحة دير ياسين في عام ألف وتسعمئة وثمانية وأربعين، وهو العام الذي أعلنت فيه دولة إسرائيل التي اعترفت بها الولايات المتحدة وأكثر من ثلاثين دولة إلى جانب الأمم المتحدة. وبالطبع رفضت الدول العربية قيام هذه الدولة وكان ذلك سببا لحرب عام 1948 وهي حرب لم يستعد لها العرب بصورة كاملة، وقد خرجت منها إسرائيل منتصرة في الكفاح المسلح ودعم ذلك موقفها بشكل كبير.
ولا شك أن العرب لم يعترفوا مطلقا بهذا الواقع، وظل الهدف القائم دائما هو القضاء على دولة الكيان الصهيوني من أجل استعادة الحقوق المغتصبة من الشعب الفلسطيني. ولكن العرب كما أسلفنا لم يستعدوا لتحقيق هذا الهدف وتركوا إسرائيل تستمر في عدوانها على الشعب الفلسطيني حتى تحولت من مجرد دولة مهاجرين إلى دولة نووية. وبالطبع لم يتوقف الفلسطينيون عن مقاومة هذا الواقع حتى تمكنوا في آخر الأمر من إقامة منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964. وظلت إسرائيل في وضع التأييد المطلق من جانب الولايات المتحدة التي رفضت مبادرة السلام التي قدمها الرئيس السادات ولكن الولايات المتحدة اضطرت لتغيير موقفها بعد هزيمة إسرائيل في معركة العبور عام 1973واستمر هذا الوضع حتى وقعت اتفاقية ‘كامب ديفيد’ في عام 1978 وتبعها توقيع اتفاق ‘أسلو’ في عام 1993 ولكن ذلك كله لم يجلب السلام بين العرب وإسرائيل على الرغم من بدء محادثات التفاوض بين منظمة التحرير الفلسطينية والدولة اليهودية، ذلك أن إسرائيل لم تكن في أي مرحلة من المراحل راغبة في السلام، ليس فقط لأنها لم تكن ترى أن السلام يعني شيئا بالنسبة لها، بل لأنها كانت تريد إسرائيل دولة يهودية خالصة يعترف بها الفلسطينيون، وبالتالي يتنازلون عن حقوقهم فيها وعدم المطالبة بالعودة وحتى لو تحقق ذلك كما يريد رئيس الوزراء ‘بنيامين نتنياهو’ فإن إسرائيل لن توافق على إقامة دولة فلسطينية على حدودها لأنها كما يقول ‘نتنياهو’ تخشى أن تتحول هذه الدولة إلى بؤرة للإرهاب الذي يهدد أمن إسرائيل، وهكذا ترى إسرائيل أن أمنها وسلامها أكثر أهمية من حقوق ملايين الفلسطينيين المشردين خارج أوطانهم، ومن هذا المنطلق نحتاج إلى التفكير الموضوعي في حل القضية الفلسطينية التي يبدو أنه لا يخرج من ثلاثة احتمالات وهي :
أولا: إقامة دولة موحدة يعيش فيها الفلسطينيون مع اليهود في ظل حقوق متساوية.
ثانيا: إقامة دولتين متجاورتين تتعايشان مع بعضهما بعضا في سلام.
ثالثا: حدوث مواجهة، ولكن ليسس بالطريقة التقليدية بل عن طريق اجتياح طوفان بشري لا يبالي بالخسائر التي تلحق به في مقابل الأهداف النهائية وهي تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.
لكن الولايات المتحدة لا تفكر حتى هذه المرحلة في هذه الاتجاهات الثلاثة، وهي لا تريد أن تخرج عن المواقف التقليدية، وبالتالي فإن زيارة ‘كيري’ للمنطقة العربية لا تهدف إلى تحقيق حل للقضية الفلسطينية، بل هي مناورة من جانب الولايات المتحدة لتجاوز الإحراجات التي تواجهها بسبب ثورات الربيع العربي حيث تحد نفسها عاجزة عن اتخاذ مواقف إيجابية سواء كان ذلك بالنسبة لسورية أو بالنسبة لمصر، فالولايات المتحدة تدرك تماما أن الوضع في سورية لم يعد محتملا ولكنها لا تريد أن تتدخل حتى لا تجد نفسها في مواجهة مع روسيا والصين، وربما مع دول أخرى في المنطقة، وهي تجد نفسها عاجزة عن التدخل في مصر لأنها لا تستطيع تقويم الوضع بصورة صحيحة وإدراكها أن ما يحدث في مصر هو جوهر الكثير من ثورات الربيع العربي، وبالتالي فإن تحركات الولايات المتحدة الأخيرة لا تستهدف بها أكثر من صرف الأنظار عن مواقفها من مناطق النزاعات الساخنة في العالم العربي، ولكن من غير اللائق أن تتخذ من القضية الفلسطينية التي هي قضية مهمة وحساسة وسيلتها للهرب من مواقفها أو مسئولياتها في المجتمع الدولي. ذلك أن التوجه نحو القضية الفلسطينية سوف يكرس موقفا متكررا من جانب إسرائيل يقوم على المماطلة واتخاذ المفاوضات وسيلة لذر الرماد في العيون لأنها تشغل الفلسطينيين عن قضيتهم الحقيقية وتجعلهم يجرون وراء سراب خادع، ولا نريد بذلك أن نقول إن على الولايات المتحدة ألا تهتم بالقضية الفلسطينية في هذه المرحلة بل ما نقوله هو يجب أن تكون القضية الفلسطينية دائما هي مركز الاهتمام بشرط أن يتخذ الاهتمام منحى جديا وليس كما تحاول الولايات المتحدة فعله في الوقت الحاضر، ذلك أن الشعب الفلسطيني لا يريد فقط مفاوضات بل يريد حلولا لمشكلاته الحقيقية ولا شك أن الولايات المتحدة قادرة على أن تسهم في هذا الاتجاه لو أرادت ولكن الولايات المتحدة لم تظهر هذا التوجه في سياساتها حتى الآن وبالتالي لا يمكن أن تفسر رحلة ‘جون كيري’ في المنطقة إلا على أنها محاولة للإيهام من أجل تهرب الولايات المتحدة من مسئولياتها تجاه الأحداث التي تتفاقم في منطقة الشرق الأوسط.
*كاتب من السودان