بقلم : علي الكاش ... 28.2.08
قصة الطفولة في العراق تستصرخ الضمير الإنساني لعله يخرج من سباته العميق ويتلقفها قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة, فالخناق يشتد على رقبتها يوم بعد آخر, وان كان الحصار قد أشلها فأن الاحتلال قد فتك بها... الطفولة في العراق تستنجد بالأمم المتحدة وهيئاتها من اليونيسيف ولجنة حقوق الإنسان وغيرها وتلفت أنظارها إلى الواقع المزري الذي تعيش فيه... الطفولة في العراق تستصرخ الرأي العام العالمي وتطالب الشعوب بالتدخل لوقف مسيرة دمها اليومي النازف... الطفولة في العراق تستصرخ الدول العربية والإسلامية وتناديهم بعتب ( لا تتركوني أغرق وارموا لي بطوق النجاة لإنقاذي فقد أتعبتني الأمواج وهدت قواي وتلاعبت بمصيري ضواري البحر وما يزال بر الأمان بعيدا عن ناظري) ..الطفولة في العراق تستصرخ قوات الاحتلال وحكومة الذل وتسألهم : هل هذه هي ديمقراطيتكم وحريتكم؟ عليها اللعنة وعليكم اللعنة يا وحوش العولمة الضواري.
لم تكن الطفولة في العراق بمنأى عن الانتهاكات الصارخة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الغاشم و حكومة الذل التي شكلوها داخل خيمة المنطقة الخضراء, ولم تكن بمنأى عن عبث الميليشيات المسعورة وفرق الموت وعصابات الخطف, ولم تكن بمنأى عن سياط السنة الطائفية التي كوتها كما كوت غيرها من فصائل هذا الشعب الجريح, الطفولة في العراق لم تكن بمنأى عن سجون وزارة الداخلية وعبث الساهرون على أمن العراق وشعبه, ولا سجون الاحزاب السياسية ولا سجون الميليشيات, فقد نالها من الويلات ما يفتت الصخر ويهيج البحر ويزمجر الرياح ويزلزل الأرض ويغضب السماء, الطفولة في العراق هي القربان البريء الذي نحر تحت أقدام الغزاة فلعقوا دمه واستطابوه وحنوا أيديهم القذرة به, الطفولة في العراق شاهد حي على عبث اتفاقيات حقوق الطفل والتعذيب والتفرقة العنصرية وشاهد على جفاف العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وعفونة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, وهي شاهد إثبات على أكبر جريمة ارتكبت في عصر العولمة والألفية الثالثة.
زينة "الحياة الدنيا" في العراق تتعرض إلى أبشع عملية مسخ في التأريخ على أيدي سدنة الديمقراطية وأعوانهم, عملية وحشية استأصلت فيها كل معالم الطفولة وسلخت عنها ملامح البراءة والوداعة لتستبدلها بملامح الضراوة, خطفت منها ألوان الربيع الزاهرة واستبدلتها بألوان صفراء وحمراء باهته, "أكبادنا في الأرض" أمست حطبا لنار يستدفأ بها الاحتلال وأعوانه ومتى ما انتهوا منها أطفئوها ببصاقهم الموحل الممزوج بعفونة أفواههم الكريهة.
واقع الطفولة لا يحتاج إلى أفواه تدافع عنه أو تشرح شكواه أو تفصل معاناته انه واقع يحكي عن نفسه بنفسه, واقع يؤلم الألم نفسه ويوغل في تعميق الجرح لعل الصراخ يستنهض الهمم ويفتح الأبواب الموصدة ولكن من المؤسف فقد أغلقت أبواب الأرض ولم تفتح سوى أبواب السماء ولا غرابة. ومع أن العولمة تعتبر العالم بمثابة قرية صغيرة وان الصوت الإفريقي يسمع في القطبين لكن هذا التطور عجز عن تأمين صوت الطفل العراقي ليس إلى القطبين فحسب وإنما إلى اقرب الدول الشقيقة العربية والإسلامية!
1- سوء التغذية
لغة الأرقام هي أفضل الوسائل لتي يمكن بواسطتها أن نستشف واقع الطفل العراقي فقد جاء في تقرير سمي " مذبحة المجاعة" نشرته الأمم المتحدة عن تضاعف معدلات سوء التغذية لدى الأطفال العراقيين وعدم توفر الطعام لأكثر من 25% منهم منذ الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003ويكشف معد التقرير(جان زيغلر) بأن 4% من أطفال العراق تحت سن (14) يعانون من نقص الطعام وأن هذه النسبة تصاعدت لتصل إلى 8% عام 2004 وحذر من تصاعد النسبة بسبب عدم توفر المياه الصالحة للشرب وغياب الصرف الصحي, وختم تقريره بالقول" أن مذبحة الجوع اليومي في العراق تصنف كأحد إشكال القتل الجماعي والذي يستوجب وقفه وإنهائه" مستشهدا بدراسة أمريكية أعدت عام 2004 وتوصلت إلى أن(100) ألف عراقي معظمهم من النساء والأطفال لقوا حتفهم بسبب الغزو.
وفي دراسة أعدها ( دان دوللي) مدير برنامج الطوارئ في صندوق رعاية الطفل التابع للأمم المتحدة, جاء فيها أن الأوضاع المأساوية للعراق تتدهور بشكل مستمر, وأن أوضاع النساء والأطفال في العراق تتدهور بشكل ملفت للنظر, خصوصا بعد تفجيرات سامراء, وأضاف بأن الأمراض وحالات سوء التغذية قد تفاقمت, كما أن النساء يخشين من إرسال أطفالهن إلى المدارس أو اصطحابهم إلى المراكز الطبية بسبب تدهور الوضع الأمني. وفي تقرير نشرته وزارة التخطيط التعاون الإنمائي العراقية ذكر أن 18% من أطفال العراق يعانون من سوء التغذية الحاد و23% من سوء التغذية المزمن. وجاء في تقرير آخر لمنظمة اليونيسيف بأن أطفال العراق قد عانوا من صدمات مريعة خلال السنوات الأربع الماضية بعد الغزو الأمريكي وان القلة منهم يحصلون على المساعدة للتغلب على مثل هذه الصدمات, وإن انعدام الأمن تسبب في إغلاق المدارس وعدم تسلم اللقاحات مما أدى إلى تراجع معدلات الوقاية من الإمراض, كما أن 70% من أطفال العراق لا يحصلون على مياه صالحة للشرب, وتساهم شبكات التصريف الصحي المتهالكة في نشر الأمراض, وأضاف التقرير بأن حوالي نصف اللاجئين العراقيين في الخارج والداخل هم من الأطفال أي حوالي (2) مليون طفل, وختم التقرير بعبارة مهمة " أن أطفال العراق باتوا في قلب المأساة الإنسانية مع استمرار دوامة العنف في البلاد".
2- الاستغلال الجنسي
المأساة لم تقف عند حد الجوع والمرض وإنما تعدته إلى كوارث أخرى منها الاستغلال الجنسي, فقد صدر عن الشبكة الموحدة للأعلام الإقليمي والتي تنسق برامج عملها مع الأمم المتحدة تقريرا مخيفا حول ظاهرة الاستغلال الجنسي للأطفال في العراق, فقد تحدث عن المئات من العوائل العراقية التي وجدت في تجارة جنس الشذوذ عند الأطفال موردا جيدا للمعيشة واستشهد التقرير بروايات حقيقية من الواقع الديمقراطي الجديد! كما تحدث التقرير عن الأطفال الذين يرغمون على بيع أجسادهم لطلاب المتعة. ومن المآسي التي أثارت الرأي العام العالمي والتي تعتبر بحق من أبشع جرائم هذا القرن فضيحة ملجأ الحنان والتي كشفت أن مفردة الحنان تبخرت من ضميري الحكومتين الأمريكية والعراقية, أطفال بعمر الزهور عراة يفترشون الأرض ويلتحفون سقوف الغرف الرطبة في مركز( لرعاية الأطفال وذوي الحاجات الخاصة) تركوا بلا غذاء وماء فكانوا عبارة عن هياكل عظمية مكسوة بالجلد, بل ربط بعضهم بسلاسل حديدية بأعمدة الأسرة وبعد فحصهم تبين أن بعضهم تعرض للاعتداءات الجنسية! كما كشفت تقارير من أروقة الأمم المتحدة في شهر حزيران من عام 2006 عن تعذيب وتجويع واغتصاب الأيتام في عدد من مراكز رعاية الأيتام الحكومية. وجاءت نداءات واستغاثات من مواطنين في النجف بسبب اغتصاب عدد من الفتيات الصغيرات ما بين 7-9 سنوات تعرضت أحداهن للموت بسبب النزيف حسب ما أكدته مصادر طبية في مستشفى الزهراء للولادة وطلب بعض الآباء إزالة أرحام المغتصبات. وسبق أن أكدت السيدة سحر الياسري ممثلة إتحاد الأسرى والسجناء السياسيين العراقيين بأن الأطفال العراقيين يعانون من تعذيب واغتصاب وتجويع في المعتقلات الأمريكية, وان اعتقالهم يأتي استجابة لتوجيهات الحكومة العراقية وأحزابها الطائفية. ومن المؤسف أن تمر هذه الجريمة بخفة متناهية كمرور غيرها من الجرائم ويسدل الستار عن فصل لو حدث في بلد آخر لأقام الدنيا وأقعدها,ولكن في العراق الديمقراطي يمكن تبرير كل الجرائم طالما إن النخبة الحاكمة أتت عبر صناديق الاقتراع كما يزعم طبالو الاحتلال فهم منزهون عن الأخطاء ؟
3- تفشي ظاهرة الأيتام
كان من مظاهر الاحتلال البغيض وافتقاد الأمن والاستقرار وتفشي العنف الطائفي وعبث الميليشيات الدموية وفرق الموت والعصابات المنظمة أن قتل حوالي مليون عراقي منذ الغزو, وهذا يعني تدمير عدد كبير من الأسر العراقية وانهيار النواة الأولى للمجتمع, و وقد خلفت هذه الظاهرة عددا كبيرا من الأرامل واليتامى, فقد كشفت هيئة النزاهة العراقية في بيان لها نشر في 15-12-2007، عن وجود خمسة ملايين طفل عراقي يتيم وفقاً للإحصائيات الحكومية، وهو عدد مقارب لما أعلنته منظمة الصحة العالمية الصادرة في نيسان 2007 حيث أشارت إلى وجود 4-5 ملايين يتيم في العراق ومليوني أرملة. وكذلك لما أعلنه مكتب المنسق الإنساني للأمم المتحدة الذي أكد أن (400) طفلا ييتمون كل يوم في العراق الجديد. وقد أحسن رئيس هيئة النزاهة بمطالبته بتشكيل وزارة لليتامى وربما يمكن إضافة( الأرامل) لها لتكتمل الصورة, وفي الوقت الذي طالب فيه ما يسمى بالبرلمان العراقي بمناقشة هذا الوضع الشاذ فأنه كان في الحقيقة ينفخ في قربة فارغة, فالمجلس ما عفا الله عنه ولا قدس نوابه كان منشغلا بالحج الجماعي ومضاعفة رواتب النواب ومخصصاتهم وقرارات تأمين النفط لقوات الاحتلال ومناقشة قانون اجتثاث البعث الذي غير اسمه فقط إلى قانون العدالة والمساءلة مع بقاء نفس المحتوى! أما رجال الدين وأصحاب العمامات فليس عليهم عتب منذ صافحت أياديهم غير المباركة قوات الاحتلال وتبادلوا القبلات الحارة معهم بشبق عجيب. وربما لم يسعفهم الوقت بعد للإطلاع على الآيات الواردة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة بشأن اليتامى والله أعلم.
4- عوق الأطفال
من مخلفات الغزو والقصف العشوائي للمدن والقرى الآمنة في العراق والقتل بطريق الخطأ وهو من أحدث الأفلام الأمريكية التي تم إنتاجها وإخراجها في العراق,إضافة إلى ما رافق الغزو من قصف بالأسلحة الممنوعة دوليا كاليورانيوم المنضب والفسفور كما جرى في الهجوم على الفلوجة, يضاف إلى بلاء الإرهاب الذي ضيفته الولايات المتحدة في العراق فنشر غيمته السوداء على وسط وجنوب العراق , وكذلك الانتهاكات الجسيمة التي قامت بها الشرطة العراقية والميليشيات الرسمية وعصابات الموت علاوة على القتل على الهوية الذي استهدف عمر وعلي وبكر وجعفر وعثمان وباقر, فقد تفاقمت ظاهرة عوق الأطفال وقد دعم هذه الآفة عدم توفر الأدوية واللقاحات للأطفال وخشيتهم من الذهاب إلى المراكز الصحية بسبب تردي الوضع الأمني المزمن, إضافة إلى تخوفهم من الذهاب إلى المستشفيات خشية بيع أعضاء من أجسادهم في مزاد الوزير علي الشمري الذي هرب إلى بلاد العام ملتحفا بعار ابدي سيكون كفن له في الدنيا والآخرة, متجاهلاً إن فوق سماء أمريكا رب عظيم جليل يمهل ولا يهمل. والحقيقة أن نسبة عوق الأطفال خلال سنة واحدة من الاحتلال فاقت نسبته فترة الحصار الاقتصادي التي استمرت لعشر سنين, وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية بأن يوجد في العراق حاليا(900) ألف طفل معوق! عوق الله جل وجل من كان السبب وراء هذه الجريمة.
5- المخدرات
انتشرت مع الغزو ظاهرة غريبة عن المجتمع العراقي وهي تعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة وغيرها من الآفات والسموم التي تدخل بلادنا السائبة الحدود, فيدخل من يشاء ويخرج من يشاء دون رقيب أو حسيب محملا بشتى صنوف الدمار مما ساعد على توسع حالات التهريب, ومن المعروف أن القوانين العراقية كانت مشددة من بداية تشكيل أول حكومة عراقية تجاه من يبيع أو يروج أو يتاجر أو يتعاطى المخدرات, و حددت العقوبات ما بين الإعدام والسجن المؤبد, وكانت تلك القوانين رادعا دون استفحال هذه الظاهرة المميتة وأشارت بيانات الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية بأن العراق يعد من أنظف دول العالم من حيث المخدرات ومرض الايدز قبل الغزو الأمريكي, ولكن مع الغزو انقلبت الصورة سيما بعد أن تبين قيام القوات الأمريكية والبريطانية بتشجيع هذه التجارة الفتاكة, وتصدرت الجارة إيران الموقع الأول في تصدير هذه السموم من خلال الزوار الذين يزورون العتبات المقدسة وتم إلقاء القبض على العديد منهم باعتراف الشرطة العراقية, وتحولت الأراضي الزراعية في شمال العراق والفرات الأوسط إلى مناطق لزراعة الأفيون كما ذكرت تقارير كثيرة, وأكدت وزارة الصحة العراقية بأنها رصدت (24000) ألف حالة تعاطي فقط خلال عام 2006 وهو معدل بسيط لا يجسد العدد الحقيقي الذي يمكن مضاعفته عدة مرات ومن المؤسف أن يكون للأطفال حصة كبيرة من هذه التجارة عبر البيع والتعاطي ، وتتحدث الصحف يوميا عن أطفال يتناولون هذه الحبوب ويشمون الوارنيش والسيكوتين والثنر وغيرها, ولا شك أن هذه الظاهرة ستكون نواة لتدمير المجتمع العراقي إنها الخطوة الأولى وستعقبها الخطوة الثانية هي الضياع من ثم التسول وتليها السرقة أو ارتكاب الجرائم أو الانضمام إلى الحركات الإرهابية.
6- التهرب من المدارس
من النتائج المأساوية للعوامل التي أشرنا إليها ظاهرة التهرب من المدارس, فبالرغم إعلان إحصائيات وزارة التربية العراقية بأنه توجه هذا العام للمدارس ما يقارب(6) مليون تلميذ, فأن أقل من نصف هذا الرقم يمثل من هم مستمرين فعلاً في دراستهم بسبب الفوضى الأمنية وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية وتدني مستوى المعيشة, يضاف إلى حوادث اختطاف الطلاب خلال تنقلهم من والى مدارسهم وابتزاز عوائهم, ومن الأمور المؤسفة أن تنفث الطائفية سمومها داخل المدارس فقد تحدث الكثير من مدراء المدارس عن هذه الظاهرة الخطيرة وتداعياتها الحالية والمستقبلية سيما خلال الاحتفالات بذكرى عاشوراء ومقتل سيد الشهداء الإمام الحسين(ع) حيث يرتدي الأطفال الملابس السوداء بتوجيهات من آبائهم أو بعض المعلمين الطائفيين أو المعممين ويسلخون جلودهم الرقيقة بسلاسل حديدية أو يطبرون رؤوسهم اليانعة, وتشير الإحصائيات بأن 30% من التلاميذ فقط هم من يكملون السنة الدراسية, فأوضاع أسرهم حملتهم مسئولية إعالتها رغم طفولتهم, كما إن العديد منهم توجه إلى أرصفة الشوارع أو تقاطعات الطرق العامة متسولا, وهذا ما يجعلهم عرضة للتجنيد من قبل تجار المخدرات أو العصابات أو قوى الإرهاب والميليشيات. وفي مسح حديث قامت به اليونيسيف بالتعاون مع الجهاز المركزي للإحصاء جاء فيه " إن أطفال العراق لم يشهدوا أوضاعا أصعب من الأوضاع الحالية التي يعيشونها, فالمقومات الأساسية لطفولة سعيدة أصبحت صعبة المنال".
7- ارتفاع نسبة وفيات الأطفال
كانت البيانات التي نشرتها منظمة حماية الطفل مرعبة حقا, ففي الوقت الذي كان معدل وفيات الأطفال دون الخامسة (50) طفلا عام 1989 فأن النسبة بلغت عام 2005 أكثر من(125) طفلا وزادت عن ذلك خلال الأعوام اللاحقة وهي أعلى نسبة من بين دول العالم حتى في الدول الأفريقية التي تعاني من المجاعات المستمرة, وفي تقرير لليونيسيف اعتبر إن نسبة وفيات الأطفال في العراق هي الأعلى بين دول العالم, وان (1) من(8) من هؤلاء الأطفال يموت قبل بلوغه سن الخامسة. كما جاء في تقرير قدمه جان زيغيلر مقرر الأمم المتحدة للغذاء " إن نسبة الوفيات لدى الأطفال تزداد كل شهر عن سابقه".
ولا شك إن هذه النسب مفزعة لأي بلد في العالم عندما يجد إن مستقبله أمسى مهددا بسب فقدان القيم العليا للمجتمع فأطفال اليوم هم رجال المستقبل وبدونهم لا يمكن أن تنهض الأمم. لكن ما يحير العقل فعلاً هو العودة قليلا إلى الوراء وبالذات إلى عام 1989 فقد جاء في تقرير أصدرته منظمة الصحة العامية أشادت فيه بالمستوى الصحي الجيد في العراق و لاسيما فيا يتعلق بصحة الأطفال, واعتبرته من الدول المتقدمة في هذا الجانب, علما أن الميزانية المخصصة آنذاك للرعاية الصحية لم تكن تتجاوز(550) مليون دولار شملت الإنفاق العام على كافة الجوانب الصحية.. ولم تكن هناك تخصيصات تتضمن المليارات كما هو الحال عليه الآن! والذي يحير العقل أكثر انه خلال فترة الحصار الظالم أمنت مذكرة النفط مقابل الغذاء للقطاع الصحي (26) مليون دولا فقط, ومع هذا كانت الخدمات الصحية مقبولة ولا نقول جيدة كي لا يقحمنا البعض في خانة أزلام النظام والتكفيريين والإرهاب وغيرها من التسميات.
إن قصة الطفولة في العراق قصة محزنة ليس هناك ما يماثلها في العالم مضنية, فعالم دزني العراق يختلف عن بقية العوالم فهو عالم غريب فألاعيبه تختلف عن ألاعيب الآخرين فالمسدس والرشاشة والطائرة والدبابة جميعها حقيقية و ليست من البلاستيك, والجرائم والحرائق والقتل والتدمير هي حقائق أيضا.. عالم دزني العراق هو عالم تشم منه رائحة الدماء عن بعد وتتعفن فيه الجثث المرمية قرب حاويات القمامة.. انه عالم صناعة الموت والدمار.. انه عالم العصر الحجري الجديد الذي لم يعيشه العراق في الألفية الأولى عندما كان مهد الحضارة الإنسانية والتطور ولكنه يعيشه حاليا في الألفية الثالثة في ظلال الديمقراطية الأمريكية
وكي نصل إلى خاتمة هذه التراجيديا المأساوية, فلابد من استعراض جزء مما ورد في اتفاقية حقوق الطفل كي نندب حظنا العاثر, ونتبصر قليلا وندرك إلى أين أوصلتنا الديمقراطية الأمريكية؟ فقد جاء فيها "
1- تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه وبحقه في مرافق علاج الأمراض وإعادة التأهيل الصحي. وتبذل الدول الأطراف قصارى جهدها لتضمن ألا يحرم أي طفل من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية هذه.
2- تتابع الدول الأطراف إعمال هذا الحق كاملا وتتخذ، بوجه خاص، التدابير المناسبة من أجل:(أ) خفض وفيات الرضع والأطفال،(ب) كفالة توفير المساعدة الطبية والرعاية الصحية اللازمتين لجميع الأطفال مع التشديد على تطوير الرعاية الصحية الأولية،(ج) مكافحة الأمراض وسوء التغذية حتى في إطار الرعاية الصحية الأولية، عن طريق أمور منها تطبيق التكنولوجيا المتاحة بسهولة وعن طريق توفير الأغذية المغذية الكافية ومياه الشرب النقية، آخذة في اعتبارها أخطار تلوث البيئة ومخاطره. (د) كفالة الرعاية الصحية المناسبة للأمهات قبل الولاة وبعدها.(هـ) كفالة تزويد جميع قطاعات المجتمع، ولاسيما الوالدين والطفل، بالمعلومات الأساسية المتعلقة بصحة الطفل وتغذيته، ومزايا الرضاعة الطبيعية، ومبادئ حفظ الصحة والإصحاح البيئي، والوقاية من الحوادث، وحصول هذه القطاعات على تعليم في هذه المجالات ومساعدتها في الاستفادة من هذه المعلومات،
(و) تطوير الرعاية الصحية الوقائية والإرشاد المقدم للوالدين، والتعليم والخدمات المتعلقة بتنظيم الأسرة.
3. تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الفعالة والملائمة بغية إلغاء الممارسات التقليدية التي تضر بصحة الأطفال"
لا نظن انه بعد هذه الخاتمة نحتاج إلى تعليق آخر, اللهم إلا دعوة غير ملزمة إلى ما يسمى بوزارة حقوق الإنسان الفعالة جدا جدا في العراق الجديد بأن تطلع على هذه الفقرات فربما تفتقد الوزارة إلى اتفاقية حقوق الطفل وهذه فرصة ذهبية للاطلاع على ما جاء فيها من مواد والله من وراء القصد.