قبل أيام، بدأت مكائن الحصاد العمل دون انقطاع في حقول القمح جنوب لبنان، وذلك على غير العادة في هذا التوقيت من العام، إذ يبدأ حصاد القمح في تلك المنطقة عادة مطلع حزيران/ يونيو ويمتد نحو شهر.المزارعون اختاروا حصد محصولهم مبكرًا خوفًا من احتراقه جراء القصف الإسرائيلي، رغم أن ذلك قد يعني إنتاجًا أقل من القمح إلا أن "قليلاً مضمونًا أفضل من كثير قد يكون مصيره الضياع حرقًا"، وفق ما يقول مزارعون في تقرير لوكالة "الأناضول".سالم جبور (55 عامًا) من بلدة أبل السقي بقضاء مرجعيون واحد من المزارعين الذين بدأوا حصاد محصولهم من القمح مبكرًا، يقول، كما جاء في التقرير، إنه "اختار الحصاد المبكر لمحصوله من القمح خوفًا من الوضع الأمني المتدهور بالجنوب" على خلفية الاشتباكات بين دولة الاحتلال وفصائل مقاومة محلية وفلسطينية في لبنان المستمرة منذ 8 أكتوبر2023.ويوضّح أن 12 دونمًا (الدونم يساوي 1000 متر مربع) من أراضي مزروعة بالقمح يملكها في بلدة أبل السقي، احترقت جراء القصف الإسرائيلي، في وقت سابق من أيار/ مايو الجاري، ولكن، "الحمد الله تم إطفاء الحريق قبل فوات الأوان".على النحو ذاته، قال شاهين رزق شاهين: "المزارعون في قرية دبين بمرجعيون هرعوا إلى حصاد موسمهم من القمح مبكرًا خوفًا من احتراقه بسبب استمرار قصف العدو الإسرائيلي على الحقول".ويضيف شاهين (65 عامًا)، وهو من كبار المزارعين في مرجعيون: "أي شرارة تحصل بقصف أو غير قصف يمكن أن تحرق كامل الموسم".بحسب وزارة الزراعة اللبنانية، تتجاوز مساحة الأراضي المزروعة بالقمح في لبنان 300 ألف دونم، يصل حجم إنتاجها إلى 125 ألف طن، فيما تراوح حاجة البلاد منه بين 450 ألف طن و550 ألف طن سنويًا.وعلى مدى سنوات، شكّلت الزراعة عصب الاقتصاد للقرى الحدودية في جنوب البلاد، حيث يعمل بها نحو 70 في المئة من السكان هناك، حسب ما تشير إليه تقديرات غير رسمية.ويُعدّ سهلا مرجعيون والوزاني الأكثر شهرة في زراعة القمح، إذ يرفدان السوق المحلي بنحو 30 في المئة من حاجته.ورغم ما في الحصاد المبكر للقمح من خسائر للمزارعين، فإن من يتمكن منهم من الحصاد فهو محظوظ بالفعل. فمع تصاعد الاشتباكات بين الفصائل في لبنان ودولة الاحتلال الإسرائيلية، يجد المزارعون صعوبة في الوصول إلى حقولهم لمباشرة حصاد القمح، حيث تعمد إسرائيل إلى قصف الأراضي بالفوسفور والقنابل الحارقة.في هذا الصدد، نشر المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان (حكومي)، مؤخرًا، خريطة توثق الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني، والخسائر الناجمة عنها، لا سيما في القطاع الزراعي.وتظهر الخريطة، المستندة إلى صور الأقمار الاصطناعية، شن إسرائيل نحو 4 آلاف و441 اعتداء بالقنابل العادية والحارقة والفوسفورية المحظورة دوليًا على جنوب لبنان، منذ 8 أكتوبر 2023 وحتى 21 أبريل الماضي.وأدى ذلك إحراق 10 آلاف و600 دونم من الأراضي، بينها 520 دونمًا من أشجار الزيتون، وآلاف الدونمات من أشجار السنديان المعمرة والأشجار المثمرة، بسحب ما تبين الخريطة.إضافة إلى ذلك، يتابع تقرير وكالة "الأناضول"، يواجه كثير من المزارعين جنوب لبنان صعوبات في تدبير معدات الحصاد.وينقل عن المزارع جبور قوله في هذا الصدد إن أصحاب الحصادات (المعدات المستخدمة في الحصاد) "يتحسبون من أن يأتوا من منطقة البقاع (شرق) إلى سهل مرجعيون خوفًا من الوضع الأمني والقصف، ومن استهدافهم، خاصة أن حجم الحصادات ضخم".ويتابع: "نجد صعوبة، أيضًا، في الحصول على عمال زراعة من أجل الحصاد؛ فأكثرهم نزح ويخاف من الذهاب للحقول بسبب القصف أو الاستهداف" الإسرائيلي.هذه الصعوبات التي تواجه المزارعين أكدها شاهين، قائلاً: "نواجه في مرجعيون صعوبة في استئجار آلات حصد القمح من البقاع لأن أصحابها يخشون القدوم إلى الجنوب خوفًا من قصف (الجيش الإسرائيلي) تلك الآلات نظرًا لحجمها الكبير".وبنظرة تشاؤمية، قال شاهين إن "موسم القمح لديه سيذهب كما ذهبت مواسم غيره منذ 8 أكتوبر الماضي".
وأضاف: "قطفنا 10 بالمئة من المحصول خلال موسم الزيتون، فيما ذهب موسم الأفوكاتو والجوز دون أن نقطف منه شيئًا بسبب القصف" الإسرائيلي.مدير المكتب الزراعي في مرجعيون (حكومي) فؤاد ونسة، لفت إلى أن "القمح يُعتبر من المحاصيل الزراعية الأساسية في لبنان، وزراعته تتركز بشكل أساسي في الجنوب، وخاصة في سهل مرجعيون".ويوضّح أن القمح كان يُزرع قبل الحرب على مساحة 3500 دونم في قضاء مرجعيون، أي ما يُشكل 40 بالمئة من المساحة المزروعة في القضاء، و"وكان ذلك يُنتج سنويًا ألف طن من القمح الصلب والطري، حيث يُسوق جزء منه محليًا، ويُصدر جزء آخر، بينما يُسلم الجزء المتبقي للدولة".لكن ونسة أشار إلى أنه "في هذا العام (2024) تمت زراعة نحو 2500 دونم تقريبًا من القمح في مرجعيون بسبب الأوضاع الأمنية على الحدود".وحذر المسؤول اللبناني من أن "هذه الفترة من العام تُعتبر خطرة"، موضحًا أن "سنابل القمح قد تحترق جراء الحر المعتاد في مثل هذه الأيام، فكيف هو الحال اليوم في ظل الوضع الأمني المتوتر؟".وأشار إلى أنه "تم تسجيل احتراق عدة أراضٍ مزروعة بالقمح وبمزروعات أخرى" جراء القصف الإسرائيلي، ولفت كذلك إلى أن المزارعين عانوا صعوبات في الوصول إلى أراضيهم جراء القصف الإسرائيلي لإجراء عمليات الخدمة من رش وتسميد، ما يُهدد نوعية المحصول.في هذا الصدد، ذكر ونسة أن الجيش اللبناني يحاول مساعدة المزارعين عبر مواكبتهم والنزول معهم إلى حقولهم في بعض الأحيان، مؤكدًا أن "فرق الدفاع المدني مستعدة لمكافحة الحرائق بشكل دائم".وأشار إلى أن وزارة الزراعة "تتابع تسجيل الأضرار التي يتعرض لها المزارعون خلال الوضع الراهن، وتقديم الإرشادات الفنية اللازمة لهم".وفي السياق، تجدر الإشارة، إلى أنه ومنذ 8 أكتوبر الماضي، تتبادل فصائل لبنانية وفلسطينية في لبنان مع جيش الاحتلال الإسرائيلي قصفًا يوميًا متقطعًا عبر "الخط الأزرق" الفاصل، أسفر عن وقوع ضحايا بالمئات بين شهيد وجريح في الجانب اللبناني، تضامنًا مع غزة، التي تتعرض منذ 7 أكتوبر الماضي، لحرب إبادة خلفت أكثر من 117 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود وسط مجاعة ودمار هائل.
بيروت..لبنان : جنوب لبنان.. موسم القمح.. حصاد مبكر تحت القصف!!
30.05.2024