أحدث الأخبار
الخميس 12 كانون أول/ديسمبر 2024
دمشق..سوريا : عن أهوال سجن صيدنايا: شنق بالجنزير وأضحية يومية للتعذيب!!
11.12.2024

كتب عماد الشدياق: لم يُقفل ملفّ سجن صيدنايا، ويبدو أنّه جرح سيبقى مفتوحاً لسنوات عديدة. خصوصاً مع عجز عائلات سورية كثيرة عن معرفة مصير أبنائها، الذي زاروا يوماً ذاك السجن وفُقدوا. شهادات الناجين منه تقشعر لها الأبدان، إذ تروي عمليات تعذيب وقتل ممنهج لعشرات الآلاف من الأشخاص، بقي مصيرهم مجهولاً حتى اللحظة.«القدس العربي» وثّقت شهادة أحد الناجين، من بين الذين فرّوا من صيدنايا فجر يوم الأحد الفائت مع انتشار خبر فرار الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد من البلاد. شادي أحمد خضير المولود في اللاذقية عام 1979 تمكّن من الخروج مع ما تبقى من المعتقلين، ويؤكد أنّ بقية المفقودين كان مصيرهم «الجنزير» وهو لقبُ الإعدام المستخدم داخل المعتقل سيء الذّكر.شادي الذي يقيم مع بعض المسلحين اليوم في منطقة المالكي الفارهة برفقة ابن أخيه العشريني، محكوم لمدة 20 سنةً بتهمة التصدي للجيش النظامي (تهمة إرهاب) قضى منها قرابة 6 سنوات فقط.يقول وصل إلى العاصمة دمشق ولم يتمكن حتى الآن من رؤية زوجته وأولاده الأربعة لعدم قدرته على تحمل تكاليف العودة إلى منزله في محافظة اللاذقية. اشتبه به أخيه بعد أيام من الصور المنشورة على «فيسبوك» فاتصل الأخ بابنه (عنصر في قوات الحكومة الانتقالية) وطلب منه البحث عن عمّه في دمشق، بعد شكوك تفيد بأنّه ما زال على قيد الحياة.يروي ابن الأخ لـ “القدس العربي» قصة البحث عن عمّه، فيقول «بحثت عن عمّي في محيط منزل أحد المعتقلين الذي آواهم لديه لبعض الوقت من أجل الطعام والملبس، فوجدته بعد ساعتين من البحث في المنطقة، وكان مستلقياً في مرآب لجأ إليه لمدة يومين في العراء». ويبدأ شادي ذات الوجه الشاحب والأسنان المكسّرة، بسرد القصص عن الطعام وسلوك السجّانين وابتكاراتهم في التعذيب والقتل، من باب اللهو والتسالي.
تقديم الأضاحي
ويصف وجبة الطعام اليومية، فيؤكد أنّها «ما كانت تُشبع دجاجة» وهي عبارة عن رغيف خبز، مع قليل من البرغل بمقدار ملعقتين (أقل من حجم بيضة) وملعقة لبن و7 حبات زيتون بالعدد، يضاف إليها «خرطة» بطاطا مسلوقة.وحسب تقديرات شادي وتنقلاته بين المهاجع على مدى السنوات الست، فإنّ كل مهجع كان يستضيف بين 20 و25 معتقلاً، لم يروا الماء الساخنة يوماً. أمّا عملية الاغتسال فكانت عبارة عن «رحلة» إلى الخارج من أجل تبليل أجسادهم، يتعرضون خلالها للضرب بالهراوات عند الخروج والدخول.أطباء شاركوا بضرب النزلاء وإهانتهم… وجلد بعصي من مادة السيليكون أمّا عمليات التعذيب فيؤكد شادي أنّها كان انتقائيا، وليست مبنية على معايير واضحة. فلكل مهجع مسؤول، يختاره السجّانون بالغصب، ووظيفته الوشاية على زملائه يومياً وتسمية بين 4 و5 «مخالفين» أو «مشاغبين» لينالوا عقابهم من الضرب والسحل.هذا الشخص كان مجبراً على تقديم «أضحيات» يومية، تنال نصيبها من الضرب على باب الغرفة أو خارجها، بينما هو، أي مسؤول المهجع يحصل على حصة طعام إضافية لقاء هذه المهمة، وقد يضطر مرات إلى الافتراء على زملائه وترشيحهم لنيل الضرب، من أجل تأمين العدد اليومي المطلوب منه، ولو زوراً.
«لدينا جثة»
يبتسم شادي الذي يحمل على كتفه سلاح ابن أخيه للتعبير عن السيطرة، ثم يقول: «كانوا يضربوننا بالهروانات» وهي عصي من مادة السيليكون المقوّى قادرة على تكسير الأضلع وتهشيم العظام. «كانوا يسحلون أصابع يد المشاغب من خلال إجباره على مدّ يده من الشراقة (نافذة باب المهجع الحديدي) فيغلق السجّان باب الشراقة على أصابعه ويهشمها» ثم يرفع شادي يده ليعرض إبهام يده اليمنى مكسوراً.أمّا عن أساليب الضرب، فيروي أنه كان بواسطة حزام مطاطيّ خاص بسلاسل الدبابة، «فيعمدون إلى ضربنا به بين 100 و150 جلدة بحيث كل معتقل كان يتعرض للضرب بمعدل مرتين كل شهر».يضيف «هذا الضرب لم يكن لأيّ سبب، وإنما من باب التبلي والتسالي. البعض منّا كانوا يموتون نتيجة الضرب المبرح، إذ يرموهم السجانين داخل المهجع يئنون ويتلوون من الوجع إلى أن يتوفوا، وحينها ننده للحارس ونقول له: عذرا سيدي. لدينا جثة».ويتطوّع 4 أشخاص من المهجع نفسه لحمل الجثة بواسطة بطانية، ونقلها إلى ما يسمى بـ «الغرفة السوداء» (هذا لقبها) بينما يتكفل السجانون بنقلها إلى منطقة صحراوية في نجها (ريف دمشق) لدفن الجثث بشكل جماعي بعد وضعها بأكياس بلاستيكية ممهورة بأرقام وليس بأسماء. يؤكد شادي أنّ تلك الأرقام لا يعرفها إلاّ السجانين، وأغلب الظن أنهم يحتفظون بالبيانات التي توثق كل رقم لأيّ اسم أو جثة يعود.يوما الإثنين والخميس كانا يومين مخصصين للإعدامات التي تُسمى «يوم الجنزير» حسبما يروي شادي. وهو أي يوم شنق المعتقلين بالجنزير (سلسلة حديدية).أمّا أغرب معلومة يقدمها شادي والتي يصعب التأكد منها، هي أنّ المعتقلين غير المحكومين كانوا غالباً من بين المرشحين للخروج «جنزير» (إعدام) بينما الذين بقوا على قيد الحياة كانوا من بين المحكومين حصراً، ما خلا الذين كانوا يموتون تحت التعذيب أو نتيجة المرض، وفي حينه يُبلّغ ذوهم عند الحضور لزيارتهم، بأنّهم نُقلوا إلى مكان آخر مجهول تحت مسمى «مهمة»… مما يعني حسب شهادة شادي التي لا يمكن الجزم بصحتها من عدمه، إنّ أغلب المفقودين الذين لم يظهروا بعد انهيار النظام في صيدنايا، قد قتلهم السجانون، ونقلوا جثثهم إلى منطقة نجها.الطريقة التي كان المعتقلون يعرفون بها من أُعدم معقدة جداً، يستفيض شادي بالشرح ويقول إن السجانين كانوا يفرضون مناقلة المساجين بين المهاجع. وخلال تلك المناقلات كان المعتقلون يفتقدون بعضهم البعض. غياب أحدهم في المهاجع كلها يعني أنه كان من بين «ركّاب الجنزير». ومن خلال تلك الطريقة كانت المعلومات تتناقل بين المعتقلين بالتواتر وبالسرّ، ويؤكد أنهم تمكنوا من معرفة اغتيال السيد حسن نصر الله بالطريقة نفسها على يد أحد المعتقلين الميسورين الذي كان يحصل على أفضل وسائل الراحة.الفريق الطبي في سجن صيدنايا كله عبارة عن طبيبين. الأول اسمه لٌجين وهو من قرية بساسين قرب القرداحة وابن عميد في «مستشفى تشرين» حسبما يروي شادي، بينما الآخر اسمه راشد من مدينة حمص ولا أحد يعرف بقية اسميهما.كان لُجين يستدعي المرضى لمعاينتهم بعد شكواهم من المرض. وبدل تطبيبهم ينهال عليهم بالضرب وقد قتل الكثير من المساجين، آخرهم شاب من مدينة الرستن. كان هذا الطبيب يستحضر المرضى إلى غرفته جاثين كي لا يتمكنوا من رؤية وجهه (وهو حال السجانين كلهم). أمّا الطبيب الآخر فاسمه راشد، وهو حسب شادي، من حمص ملقب بين المعتقلين سراً بـ “ابن العاهرة» لأنه كان يشتم جميع المعتقلين ونعتهم بـ “أبناء العاهرات» من دون يضربهم، وكانوا يكنّون له الاحترام على «رحمته»!
تنفّس.. بلا نفس
انتشار مرض السلّ بين المعتقلين كان سبباً آخر لموتهم البطيء بخلاف التعذيب. إذ كان السجانون كما الأطباء، يرفضون نقل المرضى إلى العزل قبل مضي 10 أيام وأكثر على تشخيص الإصابة، وذلك من أجل تفشي المرض بين أكبر عدد من المساجين، ولهذا كانوا يرفضون تحويلهم إلى المستشفيات للعلاج.يقول شادي إن المرض الشائع في السجن كان مرض السلّ، وذلك «لأننا لم نكن مخولين بالخروج من المهاجع. كانوا يخرجوننا كل سنة مرة واحدة ولمدة زمنية لا تزيد عن 10 دقائق، مكبلين بالسلاسل كل 15 معتقلاً سوياً. نخرج جاثين ووجوهنا موجهة صوب الأرض ونعود إلى المهاجع مباشرة… وتلك هي الجولة المسماة «تنفس» (كل سنة عملية تنفس واحدة). في الساحة الخلفية للمعتقل، التي انتشرت صورها في وسائل الاعلام، بينما بقية الأيام كانت تلك الساحة مخصصة لآمري السجن حصراً.حلاقة الشعر كانت عبارة عن عملية زحف على البلاط على شكل قطار. كل شخص يصل إلى باب البهو يرفع رأسه ويغطي عينيه بيديه، فيبدأ مسؤول المهجع بالحلاقة له بالماكينة دون رفع ناظريه إلى الأعلى كي لا يتمكن من رؤية أحد، ثم يعود المعتقل زحفاً إلى داخل المهجع من حيث أتى.تلك التفاصيل رواها شادي، وثمة أكثر من «شادي» سيظهر في الأيام المقبلة ليروي فظاعة معتقلات نظام آل الأسد.
*المصدر : القدس العربي


1