
مع استدعاء أفواج من الرجال للمشاركة في صد الغزو الروسي على مدى سنوات، سطع دور النساء في صمود اقتصاد أوكرانيا عبر شغلهن وظائف في مختلف القطاعات الإنتاجية رغم خشونة بعض الأدوار، ومن ذلك مناجم الفحم ومزارع الألبان. فبعد وقت قصير من اقتحام القوات الروسية الحدود الأوكرانية قبل ثلاث سنوات، حُشد أكثر من 15% من الرجال العاملين في المناجم. ومع مواجهة معظم أصحاب العمل الكبار الآخرين في البلاد أزمةً عماليةً مماثلةً، بدأت الإدارة في البحث عن نساء لشغل بعض الوظائف في المناجم، علماً أن نحو 140 امرأة تعمل الآن تحت الأرض في ما تعتبره الشركة وظائف أقل إرهاقاً، حسب تحقيق أوردته بلومبيرغ اليوم الجمعة.وفي جميع أنحاء أوكرانيا، أصبحت النساء تتولى أدواراً كانت محظورة عليهن تقليدياً، ما يُعد تغييراً كبيراً في بلد حيث مُنع أصحاب العمل، حتى عام 2017، من توظيف النساء لنحو 450 فئة وظيفية تعتبر "تهديداً للصحة والخصوبة"، مع استمرار بعض القيود حتى اندلاع الحرب عام 2022. وكما حدث في المملكة المتحدة والولايات المتحدة أثناء الحربين العالميتين، تشهد أوكرانيا لحظة "روزي ذا ريفيتر" (Rosie the Riveter). وفي السياق، تنقل بلومبيرغ عن ليوبوف بوفشينا، وهي مزارعة قرب كييف وزوجها في الجيش منذ بدء القتال: "لدي دائماً عمل أقوم به، فأنا أحافظ على كل الموجود بانتظار عودة الأولاد".ولتعزيز هذا الاتجاه ومساعدته على الصمود بعد انتهاء الصراع، بغض النظر عن نتائج المحادثات الحالية بين الولايات المتحدة وروسيا، تعمل وزارة الاقتصاد في أوكرانيا مع الأمم المتحدة على برنامج يسمى "بالتأكيد تستطيع" (Sure You Can) لتزويد النساء بالتدريب وتوجيههن إلى وظائف جديدة. وبينما تسعى البلاد إلى التخلص من الوقود الأحفوري وزيادة توليد الطاقة وسط الهجمات الروسية المستمرة على الشبكة، تدرب منظمة السلام الأخضر النساء على تركيب الألواح الشمسية. كما توفر منظمة غير ربحية سويدية تسمى "إعادة تأهيل أوكرانيا" (Reskilling Ukraine) تعليماً مجانياً للنساء وقدامى المحاربين لمساعدتهن على بدء مهن جديدة.كما تكثف الشركات جهودها، حسب بلومبيرغ، حيث تنشر أكبر شركة لصناعة الصلب، وهي شركة "أرسيلور ميتال كريفي ريه"، إعلانات تحت شعار "الفتيات يحكمن هنا" (Girls Rule Here)، سعياً لجلب النساء إلى مصانعها. وتوظف سلسلة متاجر السوبرماركت "سيلبو" النساء حارسات أمن وعاملات تعبئة لحوم، وهي وظائف كانت عادة مخصصة للرجال. وتوفر شركة النفط الحكومية "أوكرنافتا" للنساء التدريب لشغل المناصب الإدارية والفنية. وتنقل الشبكة الأميركية عن رئيسة الموارد البشرية في شركة أوكرنافتا أولينا أرتازي قولها إن "الهدف هو إعطاء النساء الفرص وتغيير الصور النمطية والأحكام المسبقة القديمة".ويختلف وضع أوكرانيا بشكل كبير عن وضع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في حروب القرن العشرين. فقد فر نحو مليونَي امرأة من القتال ويعشن الآن في بولندا وألمانيا وبريطانيا وخارجها. ورغم عودة بعضهن، إلا أن أخريات ما زلن في الخارج، لذا فإن التحول في قوة العمل واجه بعض القيود. وحول هذه النقطة، تقول ممثلة وكالة الأمم المتحدة في أوكرانيا التي تركز على قضايا المساواة بين الجنسين سابين فريزر جونيس إن ما يهم هو ضمان رغبة النساء اللاتي يغادرن في العودة بمجرد انتهاء الحرب.وتقول جونيس إن "هناك فجوة كبيرة في الأجور، حيث يقل متوسط راتب النساء بنحو 19% عن متوسط راتب الرجال رغم أن الحكومة تقول إنها تهدف إلى تضييق هذه الفجوة إلى 14% بحلول عام 2030"، مضيفة أن "هناك عقبات، ولا تزال النساء يخشين التمييز". لكن من غير الواضح ما إذا كانت مكاسب النساء في سوق العمل ستكون مستدامة بمجرد انتهاء القتال. وقد ساعدت التغييرات التشريعية منذ عام 2017 في فتح الباب، وقد فتحت الحرب الباب على مصراعيه، لكن تصور النساء باعتبارهن الجنس الأضعف لا يزال قائماً، كما يقول فولوديمير لاندا من مركز الاستراتيجية الاقتصادية، وهو مركز أبحاث في كييف، مضيفاً أن "التغلب على الحواجز النفسية قد يستغرق عقوداً من الزمن".
*المصدر : العربي الجديد
