ما زال بيان الضباط المتقاعدين الذي أثار مخاوف من وجود مخططات لـ”محاولة انقلابية” يسيطر على الحياة السياسية التركية لليوم الثالث على التوالي، فبينما بدأ الأمن التركي بحملة اعتقالات لعدد من الضباط الموقعين على البيان، عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قمة أمنية في القصر الرئاسي بالعاصمة أنقرة لتقييم التطورات الأخيرة قبيل ترأسه اجتماع آخر للقيادة العليا لحزب العدالة والتنمية الحاكم.والسبت، أصدر 104 أميرال متقاعد من القوات البحرية التابعة للجيش التركي بياناً ندد بسياسات الحكومة اتجاه الجيش ووجه سلسلة تحذيرات كان أبرزها ما يتعلق باتفاقية مونترو والقانون الدولي، في خطوة غير مسبوقة أثارت ردود فعل واسعة من الحكومة والجيش وحزب العدالة والتنمية الحاكم بعدما اعتبر بأنه بيان يحمل “بصمات الانقلابيين”.والاثنين، أوقفت قوات الأمن التركية، 10 مشتبهين وأبلغت آخرين بالحضور لتقديم إفاداتهم في إطار تحقيقات النيابة العامة بالعاصمة أنقرة، حول البيان الذي فتحت تحقيقاً موسعاً بشأن الموقعين عليه بتهمة “الاتفاق على ارتكاب جرائم ضد أمن الدولة والنظام الدستوري”، كما جرت عمليات تفتيش واسعة في منازل عدد من الموقوفين والمشتبه بهم.وبحسب الموقع الرسمي للتلفزيون التركي فإن التحقيقات الأولية قادت إلى تحديد هوية الضباط والعناصر التي بادرت لتنظيم الاتصالات بين الضباط الموقعين على البيان، مشيراً إلى أن تحقيقات النيابة العامة مع الموقوفين تهدف في المرحلة الأولى إلى تحديد الجهات التي بادرت لتنظيم إصدار هذا البيان سواء من الشخصيات الموقعة عليه أو شخصيات أخرى عملت بالخفاء، وما إن كان للمشتبه بهم أي ارتباطات أخرى مع أطراف داخلية أو خارجية.وأشار الموقع إلى أن التحقيقات تتركز أيضاً على أن فكرة البيان وتنظيمه والحث على التوقيع عليه انطلقت من دائرة محصورة بين الضباط المتقاعدين في القوات البحرية أم أن لهم ارتباطات أخرى مع ضباط موجودين في الخدمة العسكرية بالقوات البحرية أو الوحدات الأخرى بالجيش لا سيما القوات البرية أو الجوية.كما تنطلق التحقيقات من اعتبار أن البيان من حيث العنوان واللغة المستخدمة فيه وتوقيت نشره مستوحى بشكل كامل ويتطابق مع بيانات الجيش السابقة التي مهدت لانقلابات عسكرية شهدتها البلاد، للتأكد ما إن كان البيان الجديد يمهد لأي محاولة انقلابية.وقبيل ترؤسه اجتماع اللجنة المركزية أعلى هيئة قيادية في حزب العدالة والتنمية الحاكم لبحث التطورات التي أعقبت صدور بيان الضباط المتقاعدين، ترأس أردوغان قمة أمنية في العاصمة أنقرة شارك بها وزراء وقيادات بارزة في الجيش والأمن وكبار مستشاري الأمن والجيش والمخابرات، لبحث القضية ذاتها والتأكد مما إذا كان البيان يؤشر إلى وجود أي تحركات حقيقية يمكن أن تدفع نحو انقلاب عسكري بالبلاد. كما سيشارك أردوغان، الثلاثاء، في الاجتماع الموسع للكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية.وبحسب صحيفة حرييت التركية فإن التحقيقات مع الضباط الموقوفين تتركز من خلال أسئلة رئيسية تتعلق بمدى معرفتهم عن الجهة التي بادرت ونظمت إصدار البيان، وهل كانوا على علم بمحتوى البيان النهائي ويوم وساعة نشر البيان، وذلك لمعرفة ما إن كان البيان ضمن عملية أوسع تقود لتحرك داخل الجيش التركي ضد الحكومة، أي “محاولة انقلابية”.وأوضحت مصادر تركية أنه قراراً اتخذ بتجريد الضباط الموقعين على البيان من بعض حقوقهم وأبرزها حقوق الإقامة في السكنات العسكرية وإنهاء خدمات الحماية الخاصة الموفرة لهم، حيث كان دولت بهتشيلي زعيم حزب الحركة القومية دعا إلى نزع الرتب العسكرية من الموقعين على البيان بالإضافة إلى وقف رواتب التقاعد الخاصة بهم وفرض أقصى العقوبات عليهم.وعقب يوم من بيان شديد اللهجة لوزارة الدفاع التركية أدان البيان المذكور وأكد وقوف القوات المسلحة إلى جانب الرئيس والديمقراطية في تركيا، قال وزير الدفاع خلوصي أقار إنه “من الواضح أن بيان الضباط المتقاعدين لا يؤدي سوى للإضرار بديمقراطيتنا، ويؤثر سلباً على معنويات أفرادنا، ويسعد أعداءنا”.من جهته، اعتبر وزير الخارجية مولود جاوش أوغلو أن البيان “يستحضر انقلاب عسكري”، واعتبر في تصريحات تلفزيونية، الثلاثاء، أن قناة إسطنبول لا تؤثر على اتفاقية “مونترو” وأن الاتفاقية ليس لها تأثير على مشروع القناة، وقال: “البيان جاء بأسلوب استحضار الانقلابات كما كان في السابق”، وتابع: “يلوحون بالعصا من تحت عباءتهم، لو كانوا على رأس مهامهم لكان بيانهم بمثابة مذكرة (عسكرية) إلا أنهم متقاعدين”.وكان فخر الدين ألطون رئيس دائرة الاتصال في رئاسة الجمهورية التركية، شدد على أنه “ليس فقط من وقّعوا بل أيضا من شجّعوهم على ذلك سيمثلون أمام القضاء، في حين اعتبر إبراهيم قالن المتحدث باسم الرئاسة التركية أن البيان “يذكر بزمن الانقلابات العسكرية”، وقال: “عليهم ان يدركوا أن أمتنا الموقرة وممثليها لن يقبلوا على الإطلاق بهذه العقلية”.وقبل أيام، أقرت الحكومة التركية، خطط شق “قناة إسطنبول” وهو مشروع ضخم لشق قناة مائية تربط بحر مرمرة بالبحر الأسود على موازاة مضيق البوسفور الذي يعتبر أيضاً أحد أهم ممرات التجارة البحرية العالمية، حيث يصر أردوغان على المشروع رغم المعارضة الداخلية لأسباب تتعلق بتعزيز مكانة تركيا وحماية مضيق البوسفور من المخاطر البيئية وتعزيز دور تركيا في طرق التجارة العالمية وغيرها من الأسباب. وقبل أيام أثير نقاش واسع في تركيا حول إمكانية لجوء أردوغان إلى الانسحاب من اتفاقية مونترو.لكن معارضي المشروع يعتبرون أنه وبمعزل عن تأثيره البيئي، يمكن أن يقوّض اتفاقية “مونترو” التي تضمن حرية عبور السفن المدنية مضيقي البوسفور والدردنيل في السلم والحرب، كما تنظّم عبور السفن البحرية التابعة لدول غير مطلة على البحر الأسود. ومن شأن القناة الجديدة أن تتيح عبور السفن بين البحر المتوسط والبحر الأسود من دون المرور بمضائق خاضعة لبنود الاتفاقية.وتطبق تركيا في سياستها تجاه عبور السفن الدولية المضائق المتحكمة فيها، “اتفاقية مونترو” التي وقعت عام 1936 لتنظيم الملاحة في المضايق التركية، وما زالت هذه الاتفاقية سارية المفعول حتى الوقت الحاضر، حيث تعطى هذه الاتفاقية لتركيا الحقوق الكاملة لممارسة سيادتها على المضايق، وإدارتها وإعادة تحصينها وتقييد مرور السفن الحربية، التي لا تتبع دول البحر الأسود تقييداً أشد، كما تمنح الاتفاقية تركيا الحق في منع مرور سفن الدول التي تكون معها في حالة حرب.وتنص الاتفاقية على منع عبور أي سفينة حربية تتجاوز حمولتها 15 ألف طن، ولا يسمح بوجود أكثر من تسع سفن حربية في الممر في وقت واحد، وألاّ تزيد حمولتها مجتمعة عن 15 ألف طن، ويمنع مرور حاملات الطائرات، ويسمح للغواصات بالمرور في المضايق شريطة أن تكون ظاهرة على السطح، وعلى أن تقصد الترسانات للصيانة. ولتركيا الحق في منع مرور السفن الحربية بالكامل في المضايق، إذا كان مرورها يهدد أمن الدولة التركية.
تركيا : عقب بيان الضباط ومخاوف “الانقلاب”.. اعتقالات وتحركات سياسية واجتماعات أمنية برئاسة أردوغان!!
06.04.2021