دفعت أسعار الأسمدة المرتفعة بشدة المزارعين في جميع أنحاء العالم إلى تقليص استخدامها وتقليل مساحة الأراضي التي يزرعونها، نتيجة الصراع الأوكراني الروسي، وعلى الأثر حذر خبراء الصناعة الزراعية من نقص الغذاء العالمي.وأدت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، وهي مُصدر رئيسي للبوتاس والأمونيا واليوريا ومغذيات أخرى للتربة، إلى تعطيل شحنات تلك المدخلات الرئيسية حول العالم. والأسمدة هي المفتاح للحفاظ على محاصيل الذرة وفول الصويا والأرز والقمح.يمكن رؤية التغييرات في البرازيل التي تعتبر من بين أكبر الدول الزراعية العالمية، حيث يستخدم بعض المزارعين كمية أقل من الأسمدة على الذرة، ويدفع بعض المشرعين الفيدراليين لفتح أراضي السكان الأصليين المحمية لتعدين البوتاس.في زيمبابوي وكينيا، يعود صغار المزارعين إلى استخدام السماد الطبيعي لتغذية محاصيلهم. في كندا، قام أحد مزارعي الكانولا بالفعل بتخزين الأسمدة لموسم 2023 تحسباً لارتفاع الأسعار في المستقبل.وتحدثت "رويترز" مع 34 شخصاً في ست قارات من بينهم منتجو حبوب ومحللون زراعيون وتجار ومجموعات زراعية. وأعرب الجميع عن قلقهم بشأن تكلفة الأسمدة وتوافرها.كانت أسعار الأسمدة العالمية مرتفعة بالفعل قبل الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط، حيث أجبرت أسعار الغاز الطبيعي والفحم القياسية بعض صانعي الأسمدة على خفض الإنتاج في هذا القطاع المتعطش للطاقة.ردت الدول الغربية بفرض عقوبات اقتصادية صارمة على روسيا، بينما فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، الذي قدم الدعم للهجوم الروسي.قال المقرض الهولندي "رابوبانك"، هذا الشهر، إنّ روسيا وبيلاروسيا مجتمعتين شكّلتا أكثر من 40% من الصادرات العالمية من البوتاس العام الماضي، وهو واحد من ثلاثة مغذيات أساسية تستخدم لتعزيز غلة المحاصيل.بالإضافة إلى ذلك، استحوذت روسيا على حوالي 22% من الصادرات العالمية من الأمونيا، و14% من صادرات العالم من اليوريا وحوالي 14% من فوسفات الأمونيوم الأحادي (MAP)، وهي الأنواع الرئيسية من الأسمدة.عطلت العقوبات مبيعات الأسمدة والمحاصيل من روسيا. ويتجنب العديد من البنوك والتجار الغربيين الإمدادات الروسية خوفاً من التعارض مع القواعد المتغيرة بسرعة، بينما تتجنب شركات الشحن منطقة البحر الأسود بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة. كل هذا يرقى إلى ضربة مزدوجة لإمدادات الغذاء العالمية.قال ماكسيمو توريرو، كبير الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، إنّ أزمة الأسمدة تثير القلق من بعض النواحي لأنها قد تمنع إنتاج الغذاء في بقية العالم مما قد يساعد في تعويض الركود. وقال توريرو لـ"رويترز": "إذا لم نحل مشكلة الأسمدة ولم تستمر تجارة الأسمدة، فسنواجه مشكلة خطيرة للغاية في الإمداد العام المقبل".في الولايات المتحدة وحدها، من المتوقع أن تقفز فواتير الأسمدة بنسبة 12% هذا العام، بعد ارتفاعها بنسبة 17% في عام 2021، وفقاً لبيانات اتحاد مكتب المزارع الأميركي، وبيانات وزارة الزراعة الأميركية (USDA).
يفكر بعض المزارعين في التحول إلى المحاصيل التي تتطلب أسمدة أقل. يخطط آخرون لزراعة مساحات أقل. ويقول آخرون إنهم سيستخدمون قدراً أقل من الأسمدة، وهي استراتيجية يتوقع خبراء المحاصيل أنها ستضر بالمحاصيل.في الولايات المتحدة، يساور مزارع الجيل الخامس في نيو مكسيكو مايك بيري مخاوف مماثلة. لقد دفع مؤخراً 680 دولاراً للطن مقابل النيتروجين السائل لتخصيب محصول الذرة، وهو سعر "باهظ" قال إنه يزيد بنسبة 232% عن سعر العام الماضي.قال بيري إنه يخطط لخفض زراعة الذرة الربيعية لتغذية الماشية إلى حوالي 300 فدان من مساحته المعتادة التي تبلغ 400 إلى 600 فدان. أكد بيري أنه سيقلل أيضاً من استخدامات النيتروجين السائل بنحو 30%، مما قد يؤدي إلى انخفاض محصوله بنسبة 25%.وكتب العشرات من المشرعين الأميركيين في خطاب بتاريخ 17 مارس/ آذار إلى لجنة التجارة الدولية الأميركية، وكانوا يسعون للإعفاء من الرسوم المفروضة على واردات الأسمدة.
وأعلنت بيرو، السبت، حالة الطوارئ في قطاعها الزراعي بسبب مخاوف من انعدام الأمن الغذائي.وقال المرسوم إن المساحات المزروعة في البلاد تراجعت بنسبة 0.2% منذ أغسطس/آب بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة، وإنّ حجم واردات بيرو من الحبوب للأعلاف قد انخفض أيضاً بسبب مخاوف تتعلق بالتكلفة. تقوم الحكومة الآن بصياغة خطة لزيادة الإمدادات الغذائية في البلاد.تعتمد البرازيل، أكبر مصدر لفول الصويا في العالم، بشكل كبير على الأسمدة المستوردة مثل البوتاس، التي شكلت 38% من مغذيات المحاصيل التي استخدمتها العام الماضي. وكانت روسيا وبيلاروسيا مصدر نصف تلك الشحنات.قبل الصراع بين أوكرانيا وروسيا، كان المزارعون البرازيليون يحدون بالفعل من زراعة الذرة بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة. من المحتمل أن تتأثر زراعة فول الصويا أيضاً، حيث يتوسع المزارعون بشكل أبطأ من السنوات السابقة، وفقاً لشركة Agroconsult البرازيلية للاستشارات الزراعية.في ولاية ماتو جروسو الواقعة غرب وسط البلاد، قال المزارع كايرون جياكوميلي، لـ"رويترز"، إنه قلل بالفعل استخدام الأسمدة في محصوله الحالي من الذرة. شرح أنه سيفعل الشيء نفسه عندما يزرع فول الصويا في وقت لاحق من هذا العام، وهي خطوة يعتقد أنها قد تقلص محصوله بنسبة 8% على الأقل.وقال جياكوميلي إنه من الصعب الحصول على الأسمدة، وإن بعض التجار لن ينهوا المبيعات حتى ترسو سفن الشحن في البرازيل.من أجل تشريع من شأنه أن يفتح أراضي السكان الأصليين في منطقة الأمازون أمام تعدين البوتاس. يعارض هذا الإجراء أعضاء قبيلة مورا المحلية، الذين يقولون إن التعدين من شأنه أن يفسد الموائل الطبيعية التي يعتمدون عليهاوفي زيمبابوي، أجبرت الواردات النادرة للأسمدة وذات الأسعار المرتفعة مزارعي الذرة على صنع الأسمدة الخاصة بهم، مثل خلط روث البقر أو مخلفات الدجاج بالزنك.المشكلة ذاتها تتكرر في المناطق الريفية في كينيا. قالت المزارعة ماري كاماو إنها أيضاً خفضت مشترياتها من الأسمدة التجارية وتستخدم السماد لتغذية القهوة والأفوكادو التي تزرعها على مساحة 12 فداناً في مقاطعة مورانغا. وتابعت كاماو: "إذا لم أحصل على محصول جيد، فلن أحصل على أسعار جيدة. وسيؤثر ذلك علي في العامين المقبلين، ليس هذا الموسم فقط".الهند، التي تستورد الأسمدة لقطاعها الزراعي المترامي الأطراف، تتجه بشكل متزايد لاستبدال إمداداتها الروسية.في غضون ذلك، تواجه تايلاند ضغوطاً على محصولها المميز من الأرز. أظهرت بيانات الحكومة التايلاندية أنّ روسيا وبيلاروسيا استحوذتا على حوالي 12% من وارداتها من الأسمدة العام الماضي. لكن الشراء من أماكن أخرى قد يكون صعباً، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن ضوابط الأسعار المحلية على الأسمدة تضغط على المستوردين التايلانديين مع انفجار أسعار السوق العالمية.!!
هذه الدول الزراعية الكبرى تواجه أزمة أسمدة تهدد الأمن الغذائي العالمي!!
23.03.2022