برلين: مع اقتراب الحرب الروسية ضد أوكرانيا من إتمام شهرها الرابع دون أن تلوح في الأفق أي بوادر للنهاية، في ظل فشل الآلة العسكرية الروسية العملاقة في تحقيق أهدافها، قدم المحلل السياسي الألماني أندرياس كلوث رؤية تاريخية لهذه الحرب، محذرا من الانسياق وراء ما تسمى بـ “دروس التاريخ” التي يقدمها الجهلاء أو الدجالون أو الطغاة، لأنها ستكون سخيفة وخطأ وربما كارثية.
ويرى كلوث في التحليل الذي نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء أن النظرة التاريخية غير المهنية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين نموذج لمثل هذه الدروس التي يقدمها الطغاة.
ففي العام الماضي اخترع الرئيس بوتين روايته عن “الوحدة التاريخية للروس والأوكرانيين” والتي أصبحت فيما بعد أساسا لقراره غزو أوكرانيا يوم 24 شباط/فبراير الماضي. وفي يوم آخر شبه بوتين نفسه بالقيصر الروسي الراحل بطرس الأكبر وقال “يبدو أنه وقع علينا عبء استعادة المجد الروسي وتقويته”. وترجم المراقبون هذه الكلمات باعتبارها إشارة لاعتزامه غزو السويد (كما فعل بطرس الأكبر في القرن الثامن عشر) والاستيلاء على أراض تابعة حاليا لدولة إستونيا المجاورة وعضو حلف شمال الأطلسي (ناتو).
ويقول كلوث رئيس التحرير السابق لصحيفة هاندلسبلات جلوبال الألمانية إن المخاطر التي تنطوي عليها رؤى بوتين تفوق بشدة تلك التي ارتبطت بالقيصر بطرس، الذي كان مثل بوتين وحشيا واستعماريا لكنه كان منفتحا على الغرب وتقدميا. في المقابل فإن بوتين الديكتاتور يتباهى بامتلاكه الشفرة الخاصة بأكبر ترسانة نووية في العالم وهو ما يجعل هذيانه وأخطاءه مروعة.
ومع ذلك فإن أخطاء البعض في قراءة التاريخ واستخلاص دروسه لا يجب أن تمنع بقيتنا من التعامل مع التاريخ بنظرة أكثر تعقيدا. وكما يقول الماوريون وهم سكان نيوزيلندا الأصليون “نحن نسير إلى المستقبل وعيوننا مثبتة على الماضي” فنحن نحتاج إلى الأمس لكي نفهم اليوم ويكون العالم مفهوما لدينا.
وعندما حاول المحللون مقارنة حرب بوتين الحالية ضد أوكرانيا، بحروب تاريخية أخرى ظهرت احتمالات عديدة. ففي حين قارنها أندرياس كلوث بنتائج الحرب الكورية في مطلع خمسينيات القرن العشرين وحرب الشتاء بين الاتحاد السوفيتي وفنلندا والتي استمرت حوالي ثلاثة أشهر ونصف في بدايات الحرب العالمية الثانية، تحدث آخرون عن الحرب الروسية اليابانية عامي 1904 و1905 وحروب أخرى.
لكن أغلب الناس يميلون إلى مقارنة حرب بوتين ضد أوكرانيا بالحربين العالميتين الأولى والثانية، ربما بسبب الخوف من أن يؤدي تصعيد بوتين لعدوانه إلى نشوب حرب عالمية ثالثة. لكن هاتين الحربين السابقتين كانتا مختلفتين تماما وتقدمان دروسا متباينة.
فالبولنديون والإستونيون واللاتفيون والليتوانيون وغيرهم من شعوب أوروبا الشرقية يرون في العدوان الروسي على أوكرانيا تكرارا لسيناريو هجوم ألمانيا النازية على تشيكوسلوفاكيا وبولندا عامي 1938 و1939 قبيل نشوب الحرب العالمية الثانية.
في المقابل يفضل المفكرون والسياسيون الألمان والفرنسيون مقارنة حرب أوكرانيا بالحرب العالمية الأولى، على الأقل لأن هناك “تابو” ألمانيا يمنع أي مقارنة مع هتلر، على أساس أن مثل هذه المقارنة يمكن أن تثير الشكوك حول التفرد التاريخي لجرائم هتلر وعلى رأسها المحرقة أو الهولوكوست.
أما الذين يشبهون حرب أوكرانيا بالحرب العالمية الثانية فإنهم يقولون إنه في حين كانت الحرب الأولى مسؤولية مشتركة للعديد من قادة أوروبا، فإن الحرب الثانية كانت نتيجة قرارات شخص واحد وهو هتلر عندما هاجم دون أي مبرر جيران ألمانيا الأضعف انطلاقا من نزعة توسعية شوفينية عدوانية، وهو ما ينطبق بشدة على بوتين عام 2022.
في الوقت نفسه فإنه لا يجب مد خط تشبيه حرب أوكرانيا بالحرب العالمية الثانية إلى نهايته لأن بوتين لا يخطط لارتكاب محرقة ولن ينهي حياته بالانتحار كما فعل هتلر، كما أن الأمر لا يحتاج إلى احتلال روسيا وتقسيمها في نهاية الحرب كما حدث مع ألمانيا النازية.
وينهي المحلل الألماني كلوث تحليله بالقول إنه لمعرفة الطريقة التي يمكن أن تنتهي بها حرب بوتين، فإننا نحتاج إلى معرفة كيف تطورت المأساة الحالية، مع الوصول مرات ومرات إلى أفضل دروس الماضي التي تنطبق على حالة اليوم.
صحافة : بلومبرغ: غرب يحتاج إلى فهم صحيح لدروس الماضي لإنهاء الحرب الروسية ضد أوكرانيا!!
19.06.2022